لا يكفي أن تحفظ العلم
فمن انسلخ من الشهوة لصالح الآيات رفعه الله مع الصفوة المباركة، ومن انسلخ من الآيات لصالح الشهوات أصبحت الشهوة في قلبه وفي كبده متّقدة؛ تحرقه نارها وتطلب المزيد بلا شبع، بل تطلب الخسيس من الشهوات المحتقرة وبأنجس الطرق وبالعظيم من التضحيات..! حتى لو ضحى بآخرته.
لا يكفي أن تحفظ العلم وتعرف أدلته.. فلو فعلت ذلك فإنك قد أُوتيت من آيات الله..
لكن يبقى العمل بها، ولو فعلتَ رفعك الله بها، فالرفعة بالآيات تكون بالعمل بها.
ولو تركت العمل بها تعريت، ولو تعرى امرؤ من العمل، فهو التعري حقا، وهو الانسلاخ من الآيات بالتخلي عنها والتنكر لها وترك الانصباط بها.
والذي ينبغي هو امتلاء القلب بمعانيها وانشغاله بها وبالعمل بها وببلاغها، والتكلم بمقتضاها، والعمل بمضمونها، وفهم قصدها وعلّتها، والجريان على مقصودها لتحقيق ما أمر الله، والمقصود أن تكون الشهوات جارية على مقتضى الآيات ومأخوذة من تحت إذنها ومحققة لمقصود الآيات..
فلو كان ثمة انسلاخ فينبغي أن يكون من الشهوات لا من الآيات.
فمن انسلخ من الشهوة لصالح الآيات رفعه الله مع الصفوة المباركة، ومن انسلخ من الآيات لصالح الشهوات أصبحت الشهوة في قلبه وفي كبده متّقدة؛ تحرقه نارها وتطلب المزيد بلا شبع، بل تطلب الخسيس من الشهوات المحتقرة وبأنجس الطرق وبالعظيم من التضحيات..! حتى لو ضحى بآخرته.
حتى يهبط لدرجة الكلب، فيصبح مطرودا مهزوما خائفا مقذوفا بالحجارة لاهثا على الشهوة باحثا عنها منتظر ما يُلقى إليه منها.. وتحتقره العين وتبطشه اليد وتزدريه النفوس، ولا يقتنيه إلا هابط مثله بائع للآخرة.
تذكر هذا ـ وأكثر منه ـ وأنت تقرأ {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتْبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد الى الأرض، واتبع هواه، فمَثَلُه كمثَل الكلب؛ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} ..
ارتفع ولا تهبط.. فالكلاب اليوم كثير حتى لم يعد يعرف الناس أيَهم يجيبون وأيَهم يقذفون بالحجارة، وقلّ العظم المرمي لهم فأصبحوا يتدنون الى بيع الدين بما يقِلّ، ومن نال عظمة انزوى بها الى حين..
ارتفع فالآيات معك..
انسلخ من الشهوات لصالح الآيات فالرفعة تنتظرك.. فكما أن هناك نداء شهوة للهبوط، فهناك نداء سماوي علوي جليل للرفعة.. وهذا أوانها، فاعزم اختيارك وتوكل على ربك.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: