الصيام وشجرة الخلد
هو تدريب ليس الغرض منه أن ننسى نصيبنا من الدنيا من المتعة الحلال - ذلك أنه ينتهي بآذان المغرب - لكن الغرض منه أن نتذكر الآخرة وأنها هي الخلد الحقيقي
الصيام هو الامتناع عن الأكل من الشجرة المحرمة، شجرة الخلد كما غوى بها إبليس آدم
﴿ {فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى} ﴾[طه: ١٢٠]
فالخلد - في الدنيا - لا يقترب منه الإنسان إلا عن طريق الأكل والشرب والجماع، فلا تستمر حياة الإنسان إلا بالطعام والشراب، ولا يبذر في الدنيا بذرة فيها صفاته الوراثية إلا بالجماع! لكن على الرغم من ذلك فإن خلود الدنيا خلود زائف، فالإنسان مآله إلى الموت لا محالة، وذريته حتى لو استمرت إلى يوم القيامة فستكون القيامة نهايتها. وعندما غوى إبليس آدم بهذه الشجرة خدعه بأن قال له أن الله لا يقصده بالنهي لأنه ليس بخالد! ، لكنه يقصد الملائكة وغيرهم من الخالدين!!
.
﴿ {فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ} ﴾[الأعراف: ٢٠]
أما أنك يا آدم لست خالدا فأنت تحتاج لهذه الشجرة والله لا يقصدك بالنهي عن أكلها! فالله لن يحرمك من الخلد!!
وقد نسي آدم ولم يكن له عزما...
﴿ {وَلَقَد عَهِدنا إِلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزمًا} ﴾[طه: ١١٥]
نسي أن الله خاطبه مباشرة بالنهي، وسقط عزمه في مقاومة تلبيس إبليس...
وقد غفل آدم وزوجه - وقت وقوعهما في غواية إبليس - أن الخلد الحقيقي لا يكون إلا في جنة الآخرة، تلك الجنة التي لا يمكن إدراكها إلا بالامتناع عن معصية الله، بالامتناع عن التوهم أن الدنيا دار خلد حقيقية ونسيان الآخرة التي هي الخلد بحق، بالامتناع عن اللهاث خلف الخلد المزيف والهروب منه إلى الخلد الحقيقي.
والصيام يا سادة يدربنا على أن نسمو بذواتنا فوق أسباب الخلد المزيف لننال الخلد الحقيقي.
هو تدريب ربما تكون أحد حكمه أن ننسى نصيبنا من الدنيا من المتعة الحلال - ذلك أنه ينتهي بآذان المغرب - لكن الغرض منه أن نتذكر الآخرة وأنها هي الخلد الحقيقي، وأننا إنما نعمل في الدنيا ونعمرها كما أمرنا الله لننال بها جنة الآخرة وليس لذات الدنيا.
أحمد كمال قاسم
.
استفدت في هذا المقال من أفكار:
-------------------
د. مصطفى محمود في كتابه: لغز الموت
د. أحمد خيري العمري في كتابه: لا نأسف على الإزعاج
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: