مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - فنقبوا في البلاد هل من محيص

منذ 2018-12-05

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} :

بنوا وشيدوا وغرسوا وزرعوا وصنعوا وعلوا في الأرض ولم يشكروا وإنما عاندوا واستكبروا فأهلكهم وأهلك ما شيدوا ليكونوا عبرة لكل معاند مستكبر كافر بالله وبأنعمه ولم يتعظوا ممن هلكوا قبلهم حتى وقع عليهم المحذور .

ولا ينتفع ويتدبر سنن الله فيمن خلوا إلا أصحاب القلوب المتعلقة بالله والأسماع المصغية لأوامره  والبصائر التي تعرف الحق وتتبعه وتعرف الباطل فتجتنبه.

قال تعالى:

  {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }  [ق  36-37]

قال السعدي في تفسيره:

يقول تعالى -مخوفًا للمشركين المكذبين للرسول:- { {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ } } أي: أمما كثيرة هم أشد من هؤلاء بطشًا أي: قوة وآثارًا في الأرض.

ولهذا قال: { {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ } } أي: بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وزرعوا، وعمروا، ودمروا، فلما كذبوا رسل الله، وجحدوا آيات الله، أخذهم الله بالعقاب الأليم، والعذاب الشديد، فـ { {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} } أي: لا مفر لهم من عذاب الله، حين نزل بهم، ولا منقذ، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا أموالهم، ولا أولادهم.

{ { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} } أي: قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع  وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها، استماعًا يسترشد به، وقلبه { {شَهِيدٌ } } أي: حاضر، فهذا له أيضا ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى.

وأما المعرض، الذي لم يلق  سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئًا، لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
يوم نقول لجهنم هل امتلأت
المقال التالي
وما مسنا من لغوب