ماذا يعني أن تحترمني؟ ..

منذ 2019-01-28

حتى يوم أن أسلمت، كان إسلامي اقتناعًا ، وسجودي احترامًا ، واستعانتي بالله يقينًا بقدرته التي لطالما حدثني عنها وأثبتها لي في قرآنه

كم ناقشت عقلي للحصول على جوابٍ لذلك السؤال؛ يوم أن تخبرني باحترامك لي، ماذا تريد أن أفهم نتاجًا لذلك؟ أن لن تضع قدمًا على قدمٍ أمامي؟ أن تستمع لأوامري دون نقاش، أن تتحدث معي بصوتٍ خفيض وأن تحاول دائمًا أن تثبت لي كم أنت مطيع وكم أنت محب؟

أليس ذلك هو منظورنا للاحترام في ذلك العالم؟ وهل هذا التعريف المختصر لذلك المنظور بالرُقي الكافي الذي يجعلني أشعر أنني حققت إنتصارًا يوم أن قلت لي " أحترمُكِ" ؟!

لكن أوتعلم؟ .. يوم أن أخبرك – أنا – بوصولك لمرتبة " أحترمك " .. فقد نشأت بيننا عَلاقةٌ قويةٌ مبنيٌة على حقوقٍ وواجبات أدمية لا تخلي عنها، اهتمامٌ وتقديرٌ لأبسط مكنوناتِ نفس كل منا، احترامٌ لذلك الصمت واحترامٌ لتلك الكلمات حتى وإن لم تكن ضمن قناعاتي..

أن أحترمك ، تعني أن أنتزع من قلبي ولساني نفاقًا في معاملتك ، كلما رأيت فيك عيبًا واجهتك أنت به لا طرحته موضوعًا للنقاش مع غيرك مقتنعًا بأنه لا يجوز لي أن أؤنبك، ولا يجب أن تسمع مني سوى شئٍ يجعلك تشعر بذلك التعريف القاصر للاحترام !

لا، فالاحترام – الراقي – هو ذلك المبني على حوارٍ بناءٍ غير متصنع اللهجة ، فإن عنفتك على خطأ ، فراقب حِرصَ كلماتي لتفهم أن احترامي لك باقٍ وإنما تعنيفي للفعل لا يعيب الفاعل، بل حرصٌ عليه، ألا يُعَدُ ذلك إحترامًا ؟

أن أحترمك، تعني أن أطيع أوامرك في غيابك وحضورك وعن اقتناعٍ لن يأتي دون أن يتم بيننا نقاش موضوعي أتلمس فيه " احترامًا " للآخر وليس مجرد رغبة في إثبات فكرة .

أخبرني كيف تظن بفهمٍ قاصرٍ أن احترامي لك يُعَبَّرُ عنه بكلمة " حاضر" فقط قد أقولها ولا أعملها ، أو أعملها أمامك ! وأن محاولة فهمي للسبب وقاحة ، إن طلبت تفسيرًا لشئٍ خارج نطاق الأشياء التي إن تُبدَ لي تَسُؤني ، لماذا ترى أن الاحترام يعني تحول عقلي إلى خردة وجسدي إلى آلةٍ من أجل تحقيق أفكارك ! كيف لك أن تتغافل عن كون عقلي و المحرك لكل أفعالي ومبادئي ؟ وتبادل إحترامي لك ولعقلك ولرغبتي في معرفة فيمَ يفكر .. بإهانةٍ لعقلي ومشابهتي بذلك الإنسان الآلي المستحدث بيد الإنسان لينفذ الأوامر فقط!

حتى يوم أن أسلمت، كان إسلامي اقتناعًا ، وسجودي احترامًا ، واستعانتي بالله يقينًا بقدرته التي لطالما حدثني عنها وأثبتها لي في قرآنه ، رغم أن رب الكون العزيز الجبار ليس في حاجة إلى إقناع عبدٍ فقيرٍ مثلي لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا! فخبرني بالله عليك لما تتكبر وأنت من نفس الطينةِ التي خلِقتُ منها ؟ نعيش لنفس الهدف ونواجه مصاعب بنفس القَدر ، أليس ذلك بأدعى أن نتشارك العيش في رُقيٍ حتى نتعايش في وسطٍ ملائمٍ لإنبات أفكارٍ نُعَمِرُ بها الكون ، وسطٌ آمنٌ مُغَلَّفٌ بالتفاهُمِ تتعانق فيه سواعدنا ضد كل إعتداءٍ ونتشاركُ فيه مبادئنا وأفكارنا .. !

ابحث مقلبًا في كل الصحف التاريخية ، وادرس حالَ كُل أمةٍ بُنِيَت على إحترامِ الآخر ، وانظر كيف بُنِيَت أعظم الحضارات على يدِ عقولٍ راقية..

كلما أمعنت في سطور التاريخ الإسلامي وترسيخه لذلك المبدأ السامي، لشعرت أن تلك الكلمات تشع عطرًا كمن خطا بقدميه في جنةٍ ملؤها الحُبُ والتآخي ، جنةٌ يخفق لها القلب شوقًا ، وحمامُ سلامٍ على أشجار سنديانٍ قويةٍ راسخةٍ لا يهزها ريحٌ ولا يُحَرِكُها خلاف ، جُذُورُها الإحترام ، وغِذاؤها العقل ، وَريُّها التآخي وشمسُها الإسلام ..

#منه_حازم