مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أفرأيتم ما تحرثون
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} :
هلا تأملتم فيما رزقكم الله من ثمار وزروع تقتاتون بها طوال العام وتستخرجون منها من الزيوت والأدوية والعلف لدوابكم والنسيج لملابسكم, والأوراق لأعمالكم والأخشاب لمعايشكم والحرارة لضمان الدفيء في شدة البرد... إلى غير ذلك من منافع لا تحصى.
ترى من الذي أنبت البذرة ومن الذي أقام الساق ومن الذي أنبت الثمرة وأخرجها ثم أنضجها؟؟؟
وترى لو أهلكها وتحسرتم بعد كل ما بذلتموه من مال وعناية , هل بمقدوركم أن توقفوا الإهلاك؟؟؟
ساعتها ستتحسرون على المغرم وتدركون معنى الحرمان.
أليس من تكفل بكل هذه النعم بأحق بالعبادة والتوقير والاتباع والطاعة للأمر والمسارعة في الانتهاء عما حرم؟؟!!
قال تعالى :
{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)} [الواقعة]
قال السعدي في تفسيره:
وهذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به إلى توحيده وعبادته والإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار، فتخرج من ذلك من الأقوات والأرزاق والفواكه، ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم، التي لا يقدرون أن يحصوها، فضلا عن شكرها، وأداء حقها، فقررهم بمنته.
{ {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} } أي: أأنتم أخرجتموه نباتا من الأرض؟ أم أنتم الذين نميتموه؟ أم أنتم الذين أخرجتم سنبله وثمره حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا؟ أم الله الذي انفرد بذلك وحده، وأنعم به عليكم؟ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها وتلقوا فيها البذر، ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ومع ذلك، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار لولا حفظ الله وإبقاؤه لكم بلغة ومتاعا إلى حين.
{ {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} } أي: الزرع المحروث وما فيه من الثمار { {حُطَامًا} } أي: فتاتا متحطما، لا نفع فيه ولا رزق، { {فَظَلْتُمْ} } أي: فصرتم بسبب جعله حطاما، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة { {تَفَكَّهُونَ} } أي: تندمون وتحسرون على ما أصابكم، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم.
{ إِ {نَّا لَمُغْرَمُونَ} } أي: تقولون إنا قد نقصنا وأصابتنا مصيبة اجتاحتنا .
ثم تعرفون بعد ذلك من أين أتيتم، وبأي سبب دهيتم، فتقولون: { {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} } فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم، ثم أبقاه وكمله لكم، ولم يرسل عليه من الآفات ما به تحرمون نفعه وخيره.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: