لاتنسوا المفتاح...
اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل سوء اللهم لاتكتب على مسلم ومسلمة أن يذوقوا ما ذقناه من الويلات ولكن لابأس ارحموا قلوبكم فالحياة قصيرة وسيعوضنا الله بيت في الجنة إن شاء الله
بصوت يكاد ألا يسمع قال لها:
انتظريني بعد نصف ساعة على الشارع الترابي،ولاتحملي معك شيئا
"نصف ساعة كثير جدا "
نعم كثير جدا فالعدو بقي له شارع واحد يفصله عن بيتي
ولكن لا بأس فنصف ساعة قد تكون مناسبة لأدبر أمري
وللحظات تتوقف الحياة وتموت الأحلام ويسكن كل شيء حولي وبدأت تذوب شخصيتي في الماضي ترى من أنا؟
هل أنا أندلسية سأودع قصوري العامرة ومساجدي الكبيرة وجامعتي المتألقة وحارتي المزينة ، لأخرج شبه عارية الي سفن النجاة بل سفن الموت
ترى هل سيعود أحد لإنشاء خلافة جديدة هنا تمسح الغبار عن مصاحفي وترفع الأذان في مساجدي؟
ترى هل علي أن أذهب أم أبقى وإن بقيت هل سينصرون أبنائي وهل ستسحقني كاثرين بكرسيها أم سأموت في تابوت الملكة ؟أم أنني سأتشرف بحضور الأمراء والكهان في حفلة حرقي؟
يالله الحمد لله لست أندلسية..
ولكن ليتني حدثت العالم عن معاناة الأندلس لعلي لم أكن لأعيشها لو مارست واجبي اتجاههها،
بل ليت المسلمين لم يسكتوا على مآسي الأندلس فما كانت لتصل إلينا لولا سكوتهم،
ليت وليت.
هنا طرقت باب مخيلتي المسنة الحبيبة الفلسطينة والأخاديد المحفورة على وجنيتها تحكي قصة دمع لم يتوقف
إذا بالتأكيد أنا فلسطينية ،
ولكن هل علي أن أودع بيادر الليمون و كروم الزيتون،من سيسقي أزهاري ويروي أرضي؟
هل علي أن أودع الأمكان المقدسة ومقامات الأنبياء،ومن سيصلي في مكاني ويعمر مساجد الله بعدي
هل علي أن أودع قريتي الحبيبة وبيتي الجميل هل علي أخذ المفتاح
ليتني أستطيع زيارة قبر والدي ليتني احتفظت بصورة لبيتي أخاف ألا أعرفه عند عودتي.
ولكن هل يجب علي أن أبقى وهل تراني إذا بقيت سأذبح بالسكاكين ويذبح أبنائي أم سنموت بالرصاص ترى هل سنموت بالسجون أم سنرى الحياة ثانية؟
هل علي أن أبقى أدافع عن أرضي أم أن الموت المحتم بانتظاري؟
يا ويح قلبي كيف سأترك بيتي وذكرياتي ..
لا بأس سأغلق بيتي وأحتفظ بالمفتاح ريثما نعود
ولكنها عشرات السنين ولم تعود .أجل لم تعود خالتي إلي بيتها ومازالت مغيبة في أرجاء الوطن العربي تنتظر من يستطيع التكلم بقوة في حقها بالعودة إلي بيتها فهي مازالت تحمل المفتاح
..اه يافلسطين ليت المسملين لم يتخلوا عنك لما كنت الآن أعيش نفسك مأساتك
الحمد لله أنا لست فلسطينية
فأنا سورية وسأخرج اياما فقط وأعود .
...وحان وقت الرحيل
بدأت أدخل وأخرج من فناء لفناء ومن غرفة لغرفة ،لا أريد أشياء أريد فقط أن يشبع قلبي من منزلي،هنا سرير طفلي وهنا ثياب صغيرتي وهناك ألعابهم وبالخارج دراجاتهم .
ترى هل علي أن أبقى وأحتضن بيتي لا لا أريد الخروج منه إنه بيتي وما أدراك ما بيتي .
وهنا تعالت الأصوات تنذر بالمذابح والمجازر ،وأيقظتني تلك الأصوات المرعبة من سهوتي ،فاعتذرت من الأم الأندلسية ومن الجدة الفلسطينية وودعتهم سريعا واحتضنت أطفالي وقلبي ينظر إلى البيت يحاول جاهدا أن يراه وسط سيل الدموع التي أبت أن ترحم كبريائي.
وخرجت مع الكثير من الأمهات والأطغال وفي الطريق ومع بكاء الأطفال واستغاثة النساء يطلبن من السائق السرعة
مع ضجيج القصف الذي يخلع القلوب وأصوات المدافع التي تهمد الأجساد ومع صوت الطيران الذي يذهب بالألباب
...هناك لامجال للتفكير إلى أين نحن ذاهبون !
هل ترانا سنختفي مثل أهل الأندلس وهل سيكون مصيرنا كمصير أهل بربشتا وبلنسية
هل ترانا سنقضي عمرنا في المخيمات مثل أحبابنا من أهل فلسطين الكرام الذين لم تعرف لهم المجتمعات قدرا
وهنا ومن بين كل هذا الزحام الفظيع مددت يدي إلى عنقي وتلمست مفاتيح البيت وحمدت الله وشكرت الجدة الفلسطينية التي أوصتني ألا أنسى المفتاح
فالمفتاح رمز للعودة وها أنذا أقول لك ياعدوي أنا لم أفتح لك باب بيتي بل أنت كسرته كسرا وشتان بينهما
ترى من سيقول بعدي ياليت المسلمين نصروا سورية لما كنا عشنا ماعاشوا ؟
ويأتيني هنا قول الشاعر من أيام الأندلس وكأنه ماكتب أبياته إلا لنا نحن:
لكل شي اذا ماتم نقصان....فلايغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول..من سره زمن ساءته أزمان
اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل سوء اللهم لاتكتب على مسلم ومسلمة أن يذوقوا ما ذقناه من الويلات
ولكن لابأس ارحموا قلوبكم فالحياة قصيرة وسيعوضنا الله بيت في الجنة إن شاء الله
فاطمة محمد عبود
- التصنيف: