مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - إن بطش ربك لشديد

منذ 2020-01-19

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) } [البروج]

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}  :

عقاب الله قوي شديد هائل للمجرمين والمستكبرين, أعداء الله وأعداء الرسل ومبغضي الأولياء, الذين غرتهم دنياهم فعذبوا أولياءه وأبغضوهم بسبب إيمانهم وطاعتهم لله.

إنه وحده من يبدأ الخلق ووحده يعيده ليجازي كل عامل بما عمل.

وهو الغفور لعباده المؤمنين, يفرح بتوبتهم ويتودد إليهم فيحبهم ويحبونه, ومحبته في قلوبهم لا تبلغها محبة شيء سواه سبحانه.

الله مستو على عرشه في علوه المجيد, كامل الصفات والنعوت عظيم السماوات والأرض سبحانه.

وحده من يفعل ما يريد وكل المخلوقات مفتقرة لقيوميته وجلاله.

قال تعالى:

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) } [البروج]

قال السعدي في تفسيره:

{ { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } } أي: إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام شديدة، وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى: { { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } }

{ {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } } أي: هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا مشارك له في ذلك .

{ {وَهُوَ الْغَفُورُ } } الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب.
{ {الْوَدُودُ } } الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها، كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى: { { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } } والمودة هي المحبة الصافية، وفي هذا سر لطيف، حيث قرن { { الودود} } بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال: بل تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين.
بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل له راحلة، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فالله أعظم فرحًا بتوبة العبد من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدر.
فلله الحمد والثناء، وصفو الوداد، ما أعظم بره، وأكثر خيره، وأغزر إحسانه، وأوسع امتنانه"

{ { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} } أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، وهذا على قراءة الجر، يكون { {المجيد } } نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع، فإن المجيد نعت لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها.

{ { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } } أي: مهما أراد شيئًا فعله، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالًا لما يريد إلا الله.
فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئًا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات
المقال التالي
هل أتاك حديث الجنود