مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر

منذ 2020-03-19

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر]

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } :

ألهتكم دنياكم والرغبة في الاستكثار من مباهجها كالمال والولد والمنصب والجاه, حتى فاجأكم الموت, وساعتها ستعلمون يقينا ما ينتظر كل مغرور غرته دنياه ونفسه وشيطانه فاتبع هواه.

عند معاينة الجحيم ينسى كل مغرور ما اغتر به من زخرف الدنيا فتلهى به عن الله وأمره ونهيه, وسيسأله الله عن كل نعيم ناله من أين تحصل عليه وفيما أنفقه.

قال تعالى:

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر]

قال  السعدي في تفسيره:

يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء: { {أَلْهَاكُمُ} } عن ذلك المذكور { {التَّكَاثُرُ} } ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى.

فاستمرت غفلتكم ولهوتكم [وتشاغلكم] { {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } } فانكشف لكم حينئذ الغطاء، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.
ودل قوله: { {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } } أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية ، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين.

{ { كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} } أي: لو تعلمون ما أمامكم علمًا يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة.

ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون، { { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} } أي: لتردن القيامة، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين.

{ {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} } أي: رؤية بصرية، كما قال تعالى: { {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} } .

{ {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } } الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل.
أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك، قال تعالى: { {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } } الآية.

#أبو الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
القارعة ما القارعة
المقال التالي
والعصر إن الإنسان لفي خسر