يوم فقدت نفسي!
هي أننا قد حرمنا أنفسنا من الوجود ومن المعنى عندما خلونا إلى الناس حاسوبيا كل الوقت حتى ضاع منا ذكرنا الدائم لله، وعليه فقد ضاع منا ذكرنا لكل شيء وأي شيء حتى أنفسنا.
بعدما وصل مستوى شحن الهاتف "الذكي" إلى الصفر، وجدت نفسي في منطقة شاغرة لا أعرف فيها أين أنا، ولا ما الوقت أيضا! فقد كنت أعتمد على قطعة الالكترونيات الصماء المسماة بالهاتف "الذكي" في معرفة أين أنا، ومتى أنا، وكيف أنا - عن طريق تصوير نفسي ورؤية وجهي - بل وحتى كيف أذهب إلى صديق أو قريب أو .. حتى بيتي!
حينها تذكرت قوله تعالى ..
{وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحرِ {ضَلَّ مَن تَدعونَ إِلّا إِيّاهُ} فَلَمّا نَجّاكُم إِلَى البَرِّ أَعرَضتُم وَكانَ الإِنسانُ كَفورًا}
[الإسراء: ٦٧]
تذكرت أنني من فرط استخدامي لتقنية الاتصالات اللاسلكية كدت أنسى حقيقة أنه لا يوجد غير الله أستطيع الاتصال به في أي زمان وأي مكان دون قيد أو شرط، بل ودون الحاجة إلى استخدام الطاقة اللاسلكية رغم أنه اتصال لا سلكي، إلا أنه اتصال سهل ومجاني لأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، فدعوت الله أن يدلني على الطريق، أو يوصل أحدا مِمَن ما زالوا يهتمون بأمري إلَي!
نعم .. إن الله هو الأقرب على الإطلاق ..
يقول تعالى: {وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ وَنَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ}[ق: ١٦]
ثم تأملت في الذاكرة، فأنا قد محوت كما هائلا من ذاكرتي ووضعته على هذا الاختراع البشري - الذي ها هنا يتخلى عني في أمس احتياجي لخدمته! - فأمسيت أعتمد عليه - وعلى "الجوجلة" من خلاله - في كل كبيرة وصغيرة، فضعفت ذاكرتي وفترت! وربما قل تدفق الدم للمناطق التي خلقها الله لحفظها في المخ!، وتذكرت حينها أن النسيان هو ضياع لكل ما قد طُوِيَ فيه! فإنني لو نسيت مكان بيتي فقد بِتُ تائها شريدا! ولو نسيت اسمي وهويتي فقد أضحيت هَمَلًا حَيًا يسير على الأرض! ... فماذا لو نسيت ربي؟ فقد نسيت حينئذ - لا أقول كل شيء - بل كل معنىً ممكن! وأول هذا المعان هو معنى وجودي بل استشعار وجودي!
إن نسيان الله يؤدي بالضرورة لنسيان النفس
يقول تعالى:{وَلا تَكونوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم أُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ} [الحشر: ١٩]
وتذكر الله لا تتحقق إلا بدعوته!يقول تعالى: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ} [البقرة: ١٨٦]
فلا طريق إذًا لله إلا بدعوته أن يهدينا إليه، ولا استجابة لدعوته للهداية إلى إلا ببذل الجهد في الاستجابة لدعائه لنا لما يحيينا (طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم)
يقول تعالى:
{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ} [الأنفال: ٢٤]
حينها فقط، حينما يجد الله فينا جدية الاستجابة إليه يستجيب لدعوتنا له، فيقربنا إليه
يقول تعالى:{وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ} [العنكبوت: ٦٩]
ولنعلم أنه لا طريق للقلب إلا طريق الله، أما طرق الهوى المظلمة كثيرة لكنها كغثاء السيل، هي لا طُرُق في زي طُرُق!
ولا شك أنه يتساوى عند المرء الوهم مع الحقيقية مع العدم المطلق إذا نسي ربه! وذلك لنسيانه المرجعية الأولى لكل شيء، وهي وجود الله وقيوميته وأسمائه الحسنى!
ولا عجب ولا مبالغة فيما سبق، فإن الله هو من تقوم به السموات والأرض بمن فيها، فكيف لا تقوم به المعاني جميعا شاملا - وليس قاصرا على - معنى نفسي.
يقول تعالى{إِنَّ اللَّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا وَلَئِن زالَتا إِن أَمسَكَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعدِهِ إِنَّهُ كانَ حَليمًا غَفورًا}[فاطر: ٤١]
ويقول في موضع آخر{وَمِن آياتِهِ أَن تَقومَ السَّماءُ وَالأَرضُ بِأَمرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُم دَعوَةً مِنَ الأَرضِ إِذا أَنتُم تَخرُجونَ} [الروم: ٢٥]
والخلاصة
هي أننا قد حرمنا أنفسنا من الوجود ومن المعنى عندما خلونا إلى الناس حاسوبيا كل الوقت حتى ضاع منا ذكرنا الدائم لله، وعليه فقد ضاع منا ذكرنا لكل شيء وأي شيء حتى أنفسنا.
فاللهم اهدنا إليك في هذه الصحراء الموحشة المليئة بالعدم متمثلا في صورة أشياء وأفكار ومشاعر مبتوتة الصلة بالله تعالى.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: