اترك أثرا جميلا

منذ 2022-03-10

هكذا كان الأنبياءُ والصالحون يتركون أثرًا فيمن بعدهم، فورثوا العلمَ والقيمَ والأخلاق، وعلموا الناسَ التوحيدَ والإسلامَ وطرائقَ عبادةِ الخالقِ سبحانه، ولذلك خلدَ اللهُ ذكرَهم في قرآنِ يتلى إلى يومِ القيامة

قال الله تعالى في نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120].

 

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي العبيدين أنه سأل عبدالله بن مسعود عن الأمة القانت، فقال: الأمة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.

 

عباد الله، ورد في كتابِ الله الكريم أن إبراهيمَ دعا ربَّه، فقال:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]. قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}؛ أي: واجعل لي ذكرًا جميلًا بعدي أُذكر به، ويقتدى بي في الخير.

 

فهكذا كان الأنبياءُ والصالحون يتركون أثرًا فيمن بعدهم، فورثوا العلمَ والقيمَ والأخلاق، وعلموا الناسَ التوحيدَ والإسلامَ وطرائقَ عبادةِ الخالقِ سبحانه، ولذلك خلدَ اللهُ ذكرَهم في قرآنِ يتلى إلى يومِ القيامة، وجعل لهم مكانةً في قلوبِ الناس، وها هو نبيُّنا محمدُ صلى الله عليه وسلم، ينزل عليه جبريلُ عليه السلام بالرسالة من عندِ الله، ليبلغَها للعالمِ كلِّه، فبلغَها كاملةً، ونقلَها أصحابُه وأزواجُه إلينا رضي الله عنهم، حتى بلغ تعداد المسلمين هذا اليوم قرابة ألفي مليونِ مسلم، والمسلمون في ازدياد والحمد لله، وكلهم في ميزانِ حسناتِ محمد صلى الله عليه وسلم، ونظرًا لأن محمد صلى الله عليه وسلم قد نشر التوحيد وأقام العدل في الارض وغير مجرى التاريخ إلى ما فبه خير وصلاح للبشر، فقد صنفه أحدُ منصفي كتاب الغرب بأنه الأول من بينِ عظماءِ العالمِ المائة ابتداءً من آدم عليه السلام إلى لحظةِ تأليفِ الكتابِ.

 

عباد الله:

لقد ألفَ الكاتبُ مايكل هارت كتابًا اسماه الخالدون المائة وقد رتبهم بناء على أربعة معايير:

1- أن يكون الخالدُ صاحبَ قيمٍ.

2- أن يتخلقَ بتلك القيم.

3- أن يدعُوَ لتلك القيم.

4- أن يبقى متابعوه بعده زمنًا طويلًا.

 

وخلص في كتابه أن النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كان أولُ الخالدينَ المائة، وكيف لا وقال الله عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقال تعالى في سورة الشرح: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 1 - 4].

 

عباد الله، يستطيعُ كلُّ واحدٍ منا أن يتركَ أثرًا طيبًا، بعد موته تأملوا واعملوا بهذا الحديثِ الشريف:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ؛ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

 

عباد الله، إن الاعمالَ التي تخلد ذكرَ الإنسانِ كثيرةُ جدا وتستعصي على الحصر، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

 

عباد الله، إليكم بعضَ الأعمالِ التي يستفيدُ منها الإنسانُ فتخلدُ ذكرَه وترفعُ درجتَه ويستمرُ نفعُها له بعدَ موتِه إلى يومِ القيامة ونقسمها بحسب الحديث إلى ثلاث أقسام:

القسم الأول: الصدقة الجارية ومنها:

• المشاركة في عمل الأوقاف التي تعود بنفعها على الناسِ.

• وقفُ أحدِ الأملاكِ في سبيل الله.

• حفر الآبار والارتوازات.

• بناء السدود والجسور.

• شق الطرقات وتمهيدها وإزالة الأذى عنها.

• بناء المدارس والمشافي.

• زراعة الأرض بشجر مفيد.

• فتح أو دعم القنوات التي تعلم الناس الخير وما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

 

القسم الثاني العلم الذي ينتفع به ومن ذلك:

• طلب العلم وتعليمه للبشر.

• طباعة الكتب الإسلامية وفي مقدمتها القرآن الكريم وعلومه وترجمتها.

• تأليف الكتب النافعة في أي علمٍ من العلوم النافعة للإنسان، وفي مقدمتها علوم القرآنِ الكريم والسنة المطهرة.

 

• دعم ونشر العلم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

• دعم الابتكارات العلمية النافعة والمبتكرين.

• دعم مشاريع الدعوة إلى الله ومنها دعم مدارس وحلق تحفيظ القرآن والسنة المطهرة.

• دعم مشاريع دعوة الجاليات بالمال والنفس.

• دعم مشاريع إصلاح ذات البين.

 

• دعم مشاريع تعليم اللغة العربية لأنها لغة القرآنِ الكريم.

• دعم طلاب العلم في أي علمٍ نافع.

• العمل في مهنة التعليم والتدريب.

• إمامة المساجد وإلقاء الخطب والدروس، وحلقات العلم والدروس العلمية والمؤتمرات النافعة.

 

القسم الثالث: الولد الصالح ومما يعين على صلاح الولد ما يلي:

• إصلاح النفس وتربيتها على دين الله؛ قال الله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82].

• اختيار الزوجين لبعضهما على اساس الدين.

• حسن العشرة بين الزوجين.

• حسن تربية الأولاد.

• اختيار معلم الولد على أساس الدين والإتقان.

• مساعدة الولد على اختيار صديقه.

• اختيار السكن والبيئة الداعمة لصلاح الولد.

• تعليم الولد للقرآن الكريم.

• اختيار اسم الولد وأمه.

 

• الدعاء باستمرار للولد بالصلاح والتوفيق، قال الله تعالى في صفات الصالحين المصلحين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

 

وقد دعا نبيُّ اللهِ ابراهيمَ بصلاحِ الولدِ، فقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } [إبراهيم:40].

فاستجاب الله دعاءه وجعله أبًا للأنبياء.

_____________________________________
الكاتب: لاحق محمد أحمد لاحق