المحشورون في جحر الضب
الضلال الصهيونية الذي لا يستطيعون إدخاله على المجتمعات الإسلامية بصورة مباشرة، يُدخِلونه بصورة سريعة جدًّا عن طريق إدخاله إلى الغرب، فينقله مسوخ العرب إلى قومهم، فيصبح العسير سهلاً دون تخطيط كثير ولا تدبير.
لما أتى الإسلامُ خصَّ الشخصية المسلمةَ بخصائصَ تحقِّق لها التميزَ والسبق، وقد بدا ذلك جليًّا في صفات المسلمين الأوائل أفرادًا وجماعات، حتى دخل الإسلامُ بلادًا لم يدخلْها معه سيف، وحتى اعتنق الإسلامَ قومٌ هزمونا هزيمة عسكرية، فهزمناهم هزيمة عقدية، إنهم التتار كما تعلمون؛ هزمونا ثم اعتنقوا الإسلام، وكان مِن حكامهم المسلمين "غازان"، وما حدثتْ هذه الظاهرة من قبلُ إلا للإسلام.
إن الشخصية المسلمة إذا كانت تطبيقًا صحيحًا لمنهج الإسلام والإيمان، فإنها لا محالة ستكون على درجةٍ من الجاذبية، تَشُدُّ إليها كلَّ نافر عنها؛ ولهذا السبب لم يكن المسلمون أتباعًا لغيرهم في أمر من الأمور، حتى كان لهم في العلم سبق لم يسبقهم إليه أحد.
إن العالم شَهِد عصارات أذهان تفتَّقتْ بكل علم، إلا أنه لم يشهد أبدًا مكتبة بحجم المكتبة الإسلامية التي قذف بها التتارُ في نهر دِجْلة، يُقِيمون بها جسرًا ليَعبُروا عليه للضفة الأخرى، ترى كم مليونًا من المجلدات يمكن أن يكفي لردم نهرٍ مثل دجلة؟!
ولقد كانت عظيمة من حيث الكيف، بقدر ما كانت عظيمة من حيث الكم.
ولقد كان لهذه الأمة من الرئاسة العلمية ما يُجبِر الناسَ جميعًا على تعلُّم لسانها العربي، ولو لم يكونوا مسلمين.
وكان لها من الرئاسة ما يُلجِئ الناس إلى التماس التعلُّم في معاهدها، حتى قال الملك الإسباني لأمير أندلسي: نحن نقبل أيادي المِنَن؛ كي تتقبَّلوا ابنتَنا للتعلم في معاهدِكم العظيمة.
ثم بين عشيةٍ وضحاها تبدَّل حالها وانقلب، وما كان ذلك إلا نتيجة طبيعيةٍ لترك المسلمين خصائصَ الشخصية الإسلامية، واصطباغِهم بصبغة زائفة، تبدي الذهبَ وتخفي الصدأ.
إن مَن لا يعبد الله لا بد أن يعبد شيئًا سواه، ومَن لا يتبع منهج الله لا بد أن يتبع منهجَ مَن سواه، وهو ما حدث للمسلمين منذ بداية تحلُّلهم من تعاليم الدين وأخلاقياته شيئًا فشيئًا.
ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الميل حين قال: «لتتبعنَّ سننَ مَن قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جُحْر ضبٍّ لسلكتموه»؛ (البخاري: 3456).
والواقع يشهد بتراكمات من انحرافِ الشباب عن منهج الدين القويم، مخيفة رهيبة، اتباع أعمى في المظهر والجوهر.
كلما ابتدع لاعبٌ - أو مطرب، أو ممثل - بدعةً في شعره، أو ملبسه، لم يأتِ الصباح إلا وقد ظهرتْ على رؤوس الشباب وأجسادهم.
وكلما قال أحدهم كلمةً، أو أشار إشارةً، تجدُ آلاف النسخِ من شبابنا لها يحفظون، وبها يعملون.
يقول أحد الدعاة: "أفلح الغرب في أن يخلق جيلاً من الشباب يقاد من غرائزه"، وحين تعمل الغريزة لن تعمل العقول.
ولولا قول عمر بن الخطاب: "أميتوا الباطلَ بعدم ذكره"، لكنتُ فصَّلت لكم أنواعًا من الضلال تغزو شبابَنا هذه الأيام، ولكن من أعظم ما يستفيد المؤمن في هذا الزمان جهلُ ما يضرُّ ولا ينفع، ولكن أذكر فقط أحدَ المظاهر التي تُبدِي مدى السرعة الهائلة لانتشار الضلال، من آخر ما دخل على مجتمعاتنا الإسلامية - بحيث يمكن وصفه بأن شبابنا محشورون في جُحْر الضبِّ وراء الغربيين - رقصةٌ ابتدعها رجل مغمور في مدينة أمريكية، ونَسَب إليها اسمَ رقصته، ثم عضده مطرب شهير - متخصِّص في أغاني الراب - من المدينة نفسها؛ تقوم على "الجنونية والعشوائية"، وما أن بدت حتى ظهرت!
وكما هو معروف في التكتيكات الصهيونية أن الضلال المعين الذي لا يستطيعون إدخاله على المجتمعات الإسلامية بصورة مباشرة، يُدخِلونه بصورة سريعة جدًّا عن طريق إدخاله إلى الغرب، فينقله مسوخ العرب إلى قومهم، فيصبح العسير سهلاً دون تخطيط كثير ولا تدبير.
وهذا ما كان!
فانتقلتْ تلك الرقصة من أمريكا إلى تونس، ولما أحسَّت السلطات بجنونية الرقصة وخطورتها، حظرتها وجرَّمت أتباعها، فما كان من هؤلاء الشباب إلا التحدي.
دائما نجد التحدِّي ماردًا في وجه الحق فقط، أما الباطل، فالنفوس مهيأة للوقوع فيه!
وكذلك انتشرتْ في مصر مؤخرًا بين شباب من المعارِضين للحكم فيها، يعبرون عن خطط الفلاح المستقبلية بهذه الرقصة التي ستصير شعبية.
في لقاء تلفزيوني على قناة إسرائيلية مع الدكتور اليهودي "مالحوم أخنوف" - القائم على برنامج "ستار أكاديمي" - شرح كيفية انتقال مثل هذا البرنامج إلى البيئة الإسلامية العربية؛ فذكر أنهم يُنشِئون المخطط في البلاد الغربية أولاً، ثم ينتقل بالتبعية للبلاد الإسلامية، وهذا مقتضى انطباق الحديث النبوي الشريف على الواقع المعاصر للأمة الإسلامية؛ فيصير بين المسلمين دعاةٌ للشر يدْعون إليه ليل نهار.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذَّرنا من هؤلاء وما يدْعون إليه، قال كما في حديث حذيفة: "كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني... حتى قال عن فترة من فترات الشر.. عن رؤوسها: «دعاة على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها، قذفوه فيها»، قال: قلتُ: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»، إنهم قوم يدعون إلى "النار".
فما أحمق المستجيبين!
________________________________________________________
الكاتب: د. محمد شلبي محمد
- التصنيف: