{وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}

منذ 2024-01-25

هذه وقفات مع قاعدة من قواعد القرآن الكريم، وهي قاعدة جامعة في النهي عن جميع الإثم الظاهر منه والباطن والسر والعلن، واللهَ أسأل أن ينفع بها ويتقبَّلها.

المقدمة:

هذه وقفات مع قاعدة من قواعد القرآن الكريم، وهي قاعدة جامعة في النهي عن جميع الإثم الظاهر منه والباطن والسر والعلن، واللهَ أسأل أن ينفع بها ويتقبَّلها.

 

الوقفة الأولى:

في دلالة الآية على وجوب ترك جميع الإثم، وهو ما كان من معصية صغيرة كانت أو كبيرة مما يتعلق بحقوق الله، وحقوق عباده.

 

قال الإمام ابن جُزَيٍّ في تفسيره على هذا الآية:  {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} لفظ يعم أنواع المعاصي.

 

وروى الإمام الطبري في تفسيره عن قتادة:  {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}؛ أي: قليله وكثيره.

 

الوقفة الثانية:

في دلالة الآية على ترك جميع الإثم الظاهر، من مثل السرقة والزنا وشرب الخمر وأكل المال الحرام بأنواعه، وغير ذلك من الإثم الظاهر.

 

قال الإمام القرطبي في تفسيره على هذا الآية: الظاهر ما كان عملًا بالبدن مما نهى الله عنه.

 

الوقفة الثالثة:

في دلالة الآية على ترك الإثم الباطن، والإثم الباطن أنواع منه ذنوب السر، ومنه ذنوب القلب بأنواعها من مثل اعتقاد غير الحق أو الهوى في مخالفة الشرع أو الحسد وغير ذلك.

 

روى الإمام الطبري في تفسيره على هذا الآية عن مجاهد:  {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} معصية الله في السر والعلانية.

 

وقال العلامة السعدي في تفسيره على هذا الآية: فنهى الله عباده عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن؛ أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب، ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبًا متعينًا على المكلف. وكثير من الناس، تخفى عليه كثيرٌ من المعاصي، خصوصًا معاصي القلب؛ كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة.

 

ويحسن نقل ما قاله الإمام الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى: إذا تورَّع الناس عن ذنوب الجوارح الظاهرة، فغضوا الأبصار، وأنصتوا عن الغيبة، وكفُّوا الظلم، وتركوا الخوض في الآثام، وتخلصوا من تناول الحرام، فكانوا من أتركهم له.

 

وتفقَّدوا مع ذلك ذنوب القلوب، فإنهن المهلكات القاصمات.

 

فإن منها: الشك والشرك والنفاق والكفر، ومنها الاغترار بالله عز وجل، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله.

 

ومنها: احتقار الذنوب، والتسويف بالتوبة، وقلة الاكتراث بتراكم الأوزار، والإصرار على المعاصي، والتيه والرياء.

 

ومنها: العجب والتفاخر، وحب الزينة، والمباهاة في الدنيا.

 

ومنها: النكث والخيانة والغدر.

 

ومنها: الحسد والغل والحقد، والشماتة والعداوة والبغضاء، وسوء الظن والتجسُّس، وإضمار السوء.

 

ومن معاصي القلوب: مساعدة الهوى، ومخالفة الحق.

 

ومنها: الحب والبغض بالهوى.

 

ومنها: الجفاء والقطيعة، والقسوة وقلة الرحمة.

 

ومنها: الطغيان بالمال، والفرح بإقبال الدنيا.

 

ومن معاصي القلوب: استقلال الرزق، واحتقار النعم.

 

ومنها: استعظام الدنيا، والحزن على ما فات منها.

 

فتدبَّروا ما أصِفُ لكم من معاصي القلوب، فإن العاملين بها قليل.

 

فجاهدوا على نفي ما خالف رضوان الله تعالى، من سرائركم، فما عصمتم منه، فاحمدوا الله عليه، وما بُليتم به فبادروا بالإنابة والانتقال منه، وتضرَّعوا إلى الله عز وجل بالعصمة والعفو؛ الوصايا (ص،150).

 

الوقفة الرابعة:

في دلالة الآية على جزاء من اقترف الإثم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره على هذا الآية:  {يَقْتَرِفُونَ}؛ أي: سواء كان ظاهرًا أو خفيًّا، فإن الله سيجزيهم عليه.

 

وقال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: إن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن، سيجزون على حسب كسبهم، وعلى قدر ذنوبهم، قلَّت أو كثرت، وهذا الجزاء يكون في الآخرة، وقد يكون في الدنيا، يعاقب العبد، فيخفف عنه بذلك من سيئاته.

 

الخاتمة:

إن استحضار هذه الآية والعمل بها هو حقيقة التقوى التي أمر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من ترك جميع الذنوب والمعاصي؛ صغيرها وكبيرها، ما يتعلق باللسان أو عمل الجوارح أو عمل القلب أو اعتقاده ونيته.

 

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

___________________________________________________________
الكاتب: يزن الغانم