صداق المرأة بعد وفاتها إذا لم يدخل بها
شخص تزوَّج امرأةً ودَفَع صداقَها، ثُمَّ ماتتْ قبل أن يَدْخُل بها, فما حكم الصداق في هذه الحالة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالصَّداق يَجِبُ للمرأة بنفس العقد ويتأكَّد جميعُه بأمورٍ مِنْها: وفاةُ أحدِ الزَّوْجَيْنِ، ويَحِلُّ المؤجَّلُ منه بِحُلولِ أجله؛ فقد روى أبو داود والترمذي والنسائيُّ عن علقمةَ عنِ ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّه سُئِلَ عن رجُلٍ تزوَّج امرأةً ولم يفرض لها صَداقًا ولم يدخل بها حتى مات, فقال ابن مسعود: لها مثل صَداق نسائِها, لا وَكْسَ ولا شَطَط, وعليها العِدَّة, ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في برْوَع بنتِ واشق -امرأة منَّا- مثل الذي قضيتَ، ففرح بها ابن مسعود"، وصحَّحه ابنُ مهدي وابنُ حزم والألباني في "إرواء الغليل"، والحديث نص في محل النزاع، كما قال ابن قدامة، وهو مذهب ابن مسعود وأبي حنيفة وأحمد وقول للشافعي.
قال الشوكاني في "السيل الجرَّار": فيه دليل على ثبوت المهر بالموت بطريق الأولى لأنَّه إذا ثبت مع عدم التَّسمية يثبُتُ معها بِفَحْوَى الخطاب، فهذا الحديث يَكْفِي في الاستدلال به على أنَّ الموت يجب به المهرُ والميراثُ، وأمَّا قولُه سبحانه: {} [البقرة: 237] فلا معارضة بينه وبين هذا الحديث؛ لأنَّ هذا الحديث في الموت والآية في الطلاق، وقياس الموت على الطَّلاق قياسٌ في مُقابلة النَّصِّ وهو فاسد الاعتبار، والحديث صحيحٌ وله شواهِدُ، ولم يُصِبْ مَن أعلَّه بالاضطراب". اهـ.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع": "فالمَهْرُ يَتَأَكَّدُ بأَحَدِ مَعَانٍ ثَلاثَةٍ: الدُّخُولُ وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ وَمَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ" انتهى، وقال في "الهداية": "وما سُمِّي مهرًا -عشرة فما زاد- فعليْهِ المسمَّى إن دخل بها أو ماتَ عنها"، وقال الصنعاني في "سبل السلام": "والحديث دليلٌ على أنَّ المرأة تستحق كمال المهر بالموت، وإن لم يُسَمِّ لها الزوج، ولا دَخَلَ بِها، وتستحقُّ مَهْرَ مِثلها".
قال ابن قدامة في "المغني": "ولو مات أحدُهُما قبل الإصابة، وقبل الفرض، ورثه صاحبه، وكان لها مَهْرُ نسائِها" أمَّا الميراث فلا خلافَ فيه وأمَّا الصَّداق، فإنَّه يكمل لها مهر نِسائِها، في الصحيح من المذهب ... فإنَّ الموت يَتِمُّ به النكاح فيكمل به الصَّداق، والطلاق يقطَعُه ويُزِيله قبل إتمامه، ولذلكَ وَجَبَتِ العِدَّة بالموتِ قبل الدخول، ولم تَجِبْ بالطلاق، وكمل المسمَّى بالموت ولم يكمل بالطلاق.
وعليه؛ فالزوجة بوفاتِها تستحقُّ المَهْرَ كاملاً -مقدَّمه ومؤخَّره- فيضافُ إلى ما خلفتْهُ من تركة ثُمَّ يُقْسَمُ على ورثَتِها الشرعيِّين ومنهم الزوج،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: