لا تصح المرابحة بربح متغيّر
ما قولكم فيما قاله بعض الباحثين من جواز بيع المرابحة بربحٍ متغير وغير ثابت؟
الأصل المقرر عند جمهور الفقهاء أن معلومية ثمن المبيع عند التعاقد ركنٌ من أركان عقد البيع، ولا يصح البيع بدون تسمية الثمن، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة. ولا يقول الحنفية بركنية تسمية الثمن، لأن ركن البيع عندهم الإيجاب والقبول، ولكنهم يقولون بلزوم تسمية الثمن، فإن لم يسم الثمن يفسد العقد، بناءً على أصل الحنفية في التفريق بين الباطل والفاسد، حيث إن الحنفية يفرقون بينهما في المعاملات، فالباطل عندهم ما كان الخلل فيه واقعاً في أصل العقد، والفاسد ما كان الخلل فيه واقعاً في صفة العقد. (انظر الموسوعة الفقهية الكويتية9/10).
قال الكاساني الحنفي: لأنه إذا لم يعلم رأس ماله كان ثمنه مجهولاً، وجهالة الثمن تمنع صحة البيع (بدائع الصنائع11/165).
وقال الحصكفي الحنفي: وشرط لصحته- البيع- معرفة قدر مبيعٍ وثمن (حاشية ابن عابدين4/529).
وجاء في المادة (237) من مجلة الأحكام العدلية: تسمية الثمن حين البيع لازمة فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً.
وجاء في المادة (238) وشرحها من مجلة الأحكام العدلية: يلزم أن يكون الثمن معلوماً والعلم بالثمن (1) العلم بقدره (2) العلم بوصفه صراحةً أو عرفاً. وكل ذلك لازم لئلا يفسد البيع، فإن الجهل بالثمن مؤدٍ إلى النزاع فإذا كان الثمن مجهولاً فالبيع فاسد (شرح درر الحكام1/217-218).
وقال ابن رشد الجد: لما صح النكاح دون تسمية، كالبيع الذي لا ينعقد إلا بتسمية الثمن (المقدمات2/30).
وقال الدسوقي: فلا بد من كون الثمن والمثمن معلومين للبائع والمشتري وإلا فسد البيع (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير11/1).
وقال أبو إسحق الشيرازي: ولا يجوز إلا بثمنٍ معلوم القدر، فإن باع بثمنٍ مجهولٍ كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع فلان سلعته وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل، لأنه عوض فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه (المجموع9/332).
وقال الإمام النووي: يشترط في صحة البيع أن يذكر الثمن في حال العقد فيقول: بعتكه بكذا، فإن قال: بعتك هذا واقتصر على هذا فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعـاً بلا خلاف ولا يحصل به الملك للقابل على المذهب وبه قطع الجمهور. (المجموع9/171).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: لأن العلم بالثمن شرطٌ لصحة البيع فلا يثبت بدونه (المغني 4/144).
وذكر المرداوي الحنبلي من شروط صحة البيع: أن يكون الثمن معلوماً، يشترط معرفة الثمن حال العقد على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب (الإنصاف4/309).
ولما كان الربح في بيع المرابحة هو بعض الثمن فلا بد أن يكون معلوماً أيضاً، وقد نص الفقهاء على ذلك قديماً وحديثاً، فمن شروط صحة بيع المرابحة عند الفقهاء أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون الربح معلوماً، لأن المرابحة من بيوع الأمانات التي يشترط فيها الإخبار عن ثمن السلعة وتكلفتها التي قامت على البائع وبيان مقدار الربح.
قال السرخسي: لأن بيع المرابحة والتولية بيعٌ بمثلِ الثمن الأول، وزيادةُ ربحٍ مسمَّى في عقد المرابحة (المبسوط 25/393).
وقال الكاساني الحنفي: أن يكون الربح معلوماً،لأنه بعض الثمن والعلم بالثمن شرطُ صحة البياعات (بدائع الصنائع11/428)، وورد في الفتاوى الهندية: المرابحة بيعٌ بمثلِ الثمن الأول وزيادة ربح (الفتاوى الهندية 22/120)، وقال علي حيدر: بيع المرابحة هو البيع الذي يقع بعد بيان البائع ثمن المبيع الذي اشتراه به على ربحٍ معلومٍ زيادةً على ذلك الثمن، وذلك كأن يقول البائع للمشتري: قد كلفني هذا المال مائة قرشٍ فأبيعه لك بمائة وعشرة قروش (درر الحكام1/215).
وقال أيضاً: يشترط في المرابحة أن يكون الربح معلوماً فإذا كان الربح مجهولاً، لا تصح (المرابحة درر الحكام 2/285).
وقال الحافظ ابن عبد البر: البيع جائزٌ مساومةً ومرابحةُ، فأما المرابحة فإنه يجوز بيع المرابحة على ربحٍ معلومٍ بعد أن يعرف رأس المال ويبلغه (الكافي).
وقال الدردير: المرابحة وهو بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به وزيادة ربحٍ معلوم لهما (الشرح الكبير3/159).
وقال الزرقاني: بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به، وزيادة ربحٍ معلومٍ يتفقان عليه (شرح الزرقاني على مختصر خليل 3/173).
وقال الخطيب الشربيني: ويصح بيع المرابحة من غير كراهة لعموم قوله تعالى: {} بأن يشتري شيئاً بمائة مثلاً ثم يقول لغيره وهما عالمان بذلك بعتك بمائتين أو بما اشتريت أي بمثله أو برأس المال أو بما قام عليَّ أو نحو ذلك وربح درهم لكل عشرة (مغني المحتاج 7/71).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: معنى بيع المرابحة هو البيع برأس المال وربحٍ معلومٍ ويشترط علمهما -البائع والمشتري- برأس المال فيقول رأس مالي فيه أو هو عليَّ بمائة، بعتك بها وربح عشرة، فهذا جائز لا خلاف في صحته ولا نعلم فيه عند أحد كراهة (المغني 4/280).
وهذا ما قررته المجامع الفقهية والمؤسسات التي تعنى بشؤون المصارف الإسلامية، فقد جاء في المعيار الشرعي رقم 8 من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين المتعلق بالمرابحة ما يلي: يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حالٍ أن يترك تحديد الثمن أو الربح لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ويجعل الربح معتمداً على مستوى الليبور الذي سيقع في المستقبل. ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء على أساس نسبةٍ معلومةٍ من التكلفة ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن.
وجاء في الضوابط الشرعية لهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد السعودي -مصرف إسلامي- ما يلي: للبنك أن يُفصح عن ثمن السلعة، وربحها في بيع المرابحة للآمر بالشراء على أن يكون الثمن الإجمالي للسلعة محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حالٍ أن يربط تحديد الثمن أو الربح بأمر مستقبلي مثل مؤشر الليبور (libor) أو السيبور (sibor).
إذا تقرر هذا فإن بيع المرابحة بربح متغير إذا كان المقصود به أن يتم توزيع الربح على الأقساط في سجلات البنك فهذه مسألة تعود للبنك ولا ضير أن يوزعها كيفما يشاء طالما أن المدين يعلم مقدار ربح البنك ومقدار التكلفة بالمجمل وتوزيع الربح على الأقساط لا يدخل في باب تغير التكلفة. www.kantakji.com
وأما إذا كان المقصود به، عدم تحديد الربح وربطه بأحد المؤشرات، أو ربطه بسعر السوق وقت السداد، أو ربطه بمتوسط أرباح المصارف الإسلامية وقت السداد، فكل ذلك لا يجوز، بل هو باطل لاشتماله على الجهالة المبطلة لعقد المرابحة، وقد يشتمل على الربا أيضاً، لأنه يحتمل زيادة الدين الذي استقر في ذمة المشتري عند السداد، والذي يتضح من هذه الصورة أنها مرابحة بثمن معلوم وربح مجهول يعتبر ديناً في الذمة مربوط بمؤشر يُعلم عند سداد القسط،وهذا الدين تصاحبه زيادة فهو في معنى الربا وإن لم يكن هناك أجلٌ في مقابلة تلك الزيادة مقدمة بحث أهم الحلول للعائد المتغير للدكتور العياشي فداد.
ومن المعلوم أن الدين إذا استقر في الذمة، فكل زيادة تطرأ عليه تكون رباً. وكذلك فإن فيه غرراً لأن الثمن مجهول عند العقد فلا يدري المشتري مقدار المبلغ الذي سيدفعه عند السداد، فهو من بيوع الغرر. وفي الحقيقة فإن المرابحة بربحٍ متغير إنما هي تقليد لما هو معروف في النظام الرأسمالي من القروض المتغيرة في نسبة الفائدة، كما أن طريقة احتساب الربح المتغير هي ذاتها في الفائدة المركبة، وهذا يبين أن منزع الصيغتين واحد، وهو أن إجمالي الدين في ذمة المدين غير محدد وليس له سقف بل يقبل الزيادة والتغير حسب الأسواق المالية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما إذا كان السعر لم ينقطع بعد ولكن ينقطع فيما بعد ويجوز اختلاف قدره فهذه قد منع منه -الإمام أحمد- لأنه ليس وقت البيع ثمن مقدر في نفس الأمر والأسعار تختلف باختلاف الأزمنة فقد يكون سعره فيما بعد العقد أكثر مما كان وقت العقد، فأما إذا باعه بقيمته وقت العقد فهذا الذي نص أحمد على جوازه (انظر المرابحة بربحٍ متغير للسويلم).
والمرابحة بربحٍ متغيرٍ ما هي إلا تكييفٌ ربوي لعلاقة شهيرة في أسواق الربا وليس لها أدنى علاقة بنسب الربح الشرعية، لأنها مبهمة ومجهولة تماماً، مما يجعل المرابحة المبنية عليها غير صحيحة بالمرة. www.kantakji.com
وخلاصة الأمر أن المرابحة من بيوع الأمانات التي يشترط فيها الإخبار عن ثمن السلعة وتكلفتها التي قامت على البائع وبيان مقدار الربح، وأن معلومية ثمن المبيع عند التعاقد ركنٌ من أركان عقد البيع، ولا يصح البيع بدون تسمية الثمن ويجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع.
ولا يجوز بأي حالٍ أن يُترك تحديد الثمن أو الربح لمتغيراتٍ مجهولةٍ أو قابلةٍ للتحديد في المستقبل، وإذا كان المقصود بالمرابحة بربحٍ متغيرٍ أن يتم توزيع الربح على الأقساط في سجلات البنك بعد الاتفاق على الثمن والربح، فهذا جائزٌ ولا بأس به. وأما إذا كان المقصود به عدم تحديد الربح وربطه بأحد المؤشرات، أو ربطه بسعر السوق وقت السداد، أو ربطه بمتوسط أرباح المصارف الإسلامية وقت السداد، فكل ذلك لا يجوز، بل هو باطل لاشتماله على الجهالة والربا والغرر. والمرابحة بربحٍ متغيرٍ ما هي إلا استنساخٌ للقروض الربوية المتغيرة في نسبة الفائدة.
تاريخ الفتوى: 15-06-2012.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: