أحببته وخانني ، مع علمي بعدم استحقاقِه للحبِّ

منذ 2014-03-20
السؤال:

تعرفتُ إلى قريبٍ لي، أعجبتُ به، وبادلني الشعور نفسه، وبعد سنوات تقابلْنا وعبَّر عن إعجابه بي، ثم أخبرني بأنه يريد أن يبدأ حياته معي، وقال لي كلامًا كثيرًا، لكني رفضتُه؛ لأني كنتُ أعلم أنه زير نساء! إذ كان يخرج مع أي امرأة؛ لأجل اللهو والعبث، ولإرواء غرائزه ليس إلا!

أخبرتُه بكل هذا، فأخبرني أنه يريدني لأساعده على العودة إلى الطريق المستقيم؛ لأنه أحبني، وأنا أول فتاة تدخُل قلبه. انقطعتُ عنه مدة، ثم حدث تواصلٌ عن طريق الهاتف، فصارحني مباشرةً بحبِّه الكبير لي منذ أول مرة رآني فيها، وبأنه لم ينسني! ثم اتهمني بالتكبر والغرور.

أحببتُه وزاد تعلُّق كلٍّ منا بالآخر، ثم تقدَّم لخطبتي، وتمت الخطبة، وكنتُ أسعد فتاةٍ على وجه المعمورة، جهزتُ نفسي كأي عروس، وكان هو أيضًا يفعل الشيء نفسه، وكان يخبرني كلما اشترى شيئًا خاصًّا بعشنا الزوجي بكل فرحٍ وسرورٍ، خطَّطنا لحياتنا الزوجية جيدًا، وكنتُ أُطيعه في كلِّ شيء، حتى في خروجي من البيت، وحضور المناسبات، فما كنتُ أخرج إلا بإذنه، وإذا رفَض أطيعه؛ إرضاءً له، رغم اعتراض أهلي؛ لأنه في نظرهم لم يعقدْ عليَّ -شرعًا- ولا يجب أن يتدخل في أموري!

كنتُ مخْلِصَةً ووفيَّة له إلى أبعد الحدود، و كان يثق بي ثقةً عمياء، رغم بُعد كل منَّا عن الآخر. حدثتْ مشكلاتٌ بسبب كتابة العقد، وزادت الخلافاتُ بين الأهل، وظلت الأمور شهورًا عدة ونحن على هذه الحال، وكانتْ هذه الفترة أصعب ما يكون في حياتي؛ لأني كنتُ واقفةً على الجمر، فالأهلُ يصرون على رأيهم، وأهله كذلك، ولا جديد!

بدأ صبر خطيبي ينفذ شيئًا فشيئًا؛ حيث بدأ يغضب مني لأتفه الأسباب، ولا يلتمس لي الأعذار، بل يلومني لأني لم أقنعْ أهلي، واتهمني بالسلبية في تعاملي معه!

كلمتُ أهلي، وأخبرتهم بضرورة تغيير رأيهم، وأن ينزلوا على رغبة أهل خاطبي، ثم هددتهم إن لم يفعلوا بالانتحار، نزل والدي عند رأيي، واتصلتُ بخاطبي لأخبره بالخبر السعيد، لكنه قال: لماذا لم يحدثْ هذا في السابق، فقد أنهيتُ كلَّ شيء، وأنهيتُ الخطبة!

بكيتُ بحرقةٍ، وقلت: هل ستتخلى عني بهذه السهولة بعد أن وافَقَ أهلي؟ أين الحبُّ الذي يجمعنا؟ أين العِشْرة التي بيننا؟ أين الوعود والعهود؟ أراد خاطبي بفعله وإنهاء الخطبة أن يردَّ الاعتبار لنفسه؛ لأن عائلتي أهانته - كما قال، ولم تحسبْ له حسابًا، فأراد أن يثأرَ لنفسه!

حاولتُ أن أرضى بالنصيب، ولم أجد مِن ملجأ سوى الله - عز وجل - فهو كان سندي الوحيد، وكنت أصطنع السعادة، وأوزِّع البسمات على كل مَن حولي، ولا أنكر أن هذا كان له أثرٌ طيِّبٌ على نفسي! لكن قلبي لم يتوقفْ عن النزيف، دومًا أبكي، لم أنسه لحظة واحدةً، كنتُ أراه في يقظتي ومنامي، لا أنكر أني كنتُ أُمنِّي نفسي دومًا بالعودة إليه، وربما هذا ما زاد مِن ألمي واحتراقي.

علمتُ منذ أيام أنه خطب فتاةً صغيرة في السنِّ، فبدأت العبرات تخنقني، ولا أصدق ما جرى، ولا أستطيع أن أصفَ لكم شعوري، لقد حطَّم حياتي، عيشي أصبح جحيمًا لا يُطاق، دمَّر مستقبلي، وخطف مني الفرحة بكل شراسة!

فهل هذا مَن أحبَّني وأحببتُه؟ كيف يمكن أن ينساني بهذا الشكل؟ كيف لم يبالِ بمشاعري ولا بقلبي الذي ينزف الدماء؟ كيف يقرِّر إعادة بناء حياته هكذا وبكل سهولة بعدما أخذ مني شرفي وأخلاقي ومبادئي؟

لقد كنا نفعل كلَّ ما يفعله الأزواجُ إلا النكاح طبعًا، وحتى ما هو محرَّم بين الأزواج! كل هذا بدعوى حبِّه وشوقه الكبير لي، وكنتُ أُسايره حتى لا يغضبَ مني، وخوفًا مِن أن يتركني، ويعود كما كان يفعل في السابق مع النساء!

لقد استحلَّ جسدي، ومارس عليه كل طقوسه، ونزواته الحيوانية طوال السنوات الماضية، أحسستُ نفسي كأي بائعة هوى حقيرة، أحسستُ نفسي أحقر خلْق الله، لم يكن ينقص حينها سوى أن يعود إلينا صديقُه برُفقةِ مجموعةٍ من الأصدقاء ليُمارِسوا حظَّهم في هاته السافلة التي أتى بها صديقهم!

الحمد لله، لقد سترني الله رغم عصياني له، وبُعدي عنه، والله العظيم تبتُ منذ فترة، وتحسنتْ أموري كثيرًا لما اقتربتُ من ربي، لكن حينما أسترجع شريط حياتي الذي قضيتُه معه، أتذكر كل شيء، كيف كان يستغل حبي الكبير له، ويمارس نزواته، بدعوى أنه لا يستطيع التحمل، أو الصبر عليَّ، فهو لا يثق في النساء، وأعلم أني كنت الوحيدة التي وثق بها، وواثقة مما أقول، ونظرًا لخوفه مِن التورط مع امرأة لعوبٍ، أو ذات سوابق غرامية، فضَّل هذا النوع من الزواج، حتى يحظى بامرأة عفيفة!

يؤلمني فراق هذا الشخص الذي كان الوحيد الذي وهبتُه قلبي، لا أستطيع أن أستمرَّ في العيش، وكأن شيئًا لم يكن، لم يعدْ يُفرحني شيء، لم يعدْ يهمني شيء بعده، أهملتُ مظهري، وكل حياتي تكاد تضيع مني. ورغم كل ما فعله بي، ما زلتُ أدعو الله أن يحفظه ويحميه؛ لأني واثقة من أني سوف أموت إن حصل له مكروه.

لا أستطيع الزواج مِن آخر، فقد تقدم لي منذ انفصالنا ثلاثة أشخاص، ولم أجدهم مناسبين؛ لأني لن أجد شخصًا مثله في اعتقادي. أعلم أني مخطئة، لكن مشاعري تتغلب عليَّ، وتكاد تودي بي إلى نهاية سحيقةٍ، ما زلتُ أحتفظ بذكرياته، صورِهِ، حديثِهِ الذي كنت أسجِّله، وأعلم بأنه عليَّ التخلصُ من هذا.

لماذا يحصل لي كل هذا؟ لقد عشتُ اليُتم، وعانيتُ من الجوع والحرمان، والخوف منذ طفولتي، ثم وجدته ففتحتُ قلبي له وأحببتُه، كان البلسم الشافي لي، كحلم جميل، أشعر أني على حافة الجنون، هذا إن لم أكن فعلًا قد جُننت.


أخبروني ماذا أفعل لأخرج مما أنا فيه؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فعلى الرغم مِن الحزن البالغ الذي كتبتِ به رسالتَكِ -أيتها الأختُ الكريمةُ- واليأس البادي عليك؛ فعلاجه غاية في البساطة، وهو ميسورٌ -إن شاء الله- إن اتَّبعت ما أقوله لكِ:

أولًا: لن ينجيك مما أنت فيه إلا الصدقُ معك في النُّصح، والصدقُ منك في الفعل؛ فأنت تعلمين في قرارة نفسك أنك لم تتوبي بعدُ مما جنتْه يداك توبةً صادقة، ولا نصف صادقة، فقلبك مُعلَّق به، وصوره وتسجيلاته وكلُّ متعلَّقاته عندك، رغم خِسَّتِهِ الشديدة معك، والتي لا تحتاج لعاقلٍ يُدركها، بل أنت تدركين ذلك وتخادعين وتخدعين نفسك؛ فأنت مَن ذكرتِ أنه زيرٌ للنساء، ومَن كان على هذه الصفة فلا قيمة عنده للمشاعر، ولا للأعراض، وإنما هو رجلٌ صائدٌ يصطادُ فريسته بما يُناسبها من الفخاخ، وأنت مِن الصيد الذي لا يصلح معه إلا فخُّ الحب، فكوني صادقةً مع نفسك؛ فرسالتك الطويلة وما قلتِهِ فيها عن هذا الشخص لا تدَع له في القلب موضعًا؛ اللهم إن كان الاستحقار، والبُغض في الله، ويكفي المشهد الأخير الذي جَعَلَكِ تشعرين كأنك بائعة هوى حقيرةٌ على حدِّ تعبيرك، وبعد كل هذا تقولين: كيف يمكنني أن أعيش بدونه؟! أو تدعين الله له أن يحفظه!

فهل يُرجَى مِن مِثْل هذا خيرٌ، أو صحوةُ ضمير؟! هذا لا يظنه عاقلٌ قرأ رسالتك ألبَتَّة؛ فقد حبانا اللهُ جميعًا العقل، وجعله مناطًا للتكليف الشرعيِّ، والعقل يأمرك أن تخلعيه مِن قلبك غير مأسوفٍ عليه.

عفوًا -واعذريني- لقد سُلِّطَ هذا الشخصُ عليك؛ لأن مِن السنن الكونية التي لا تتبدل ولا تتخلف: أنَّ مَن أحَبَّ شيئًا سوى الله تعالى، ولم تكن محبته له لله تعالى، ولا لكونه مُعينًا له على طاعة الله تعالى عُذِّبَ به في الدنيا قبل يوم القيامة ولا بد، هذا هو سر المسألة الذي به ينكشف ما أَلَمَّ بك من بلاءٍ لن يزول عنك إلا بتوبة نصوح، وصدق اللُّجْءِ إلى مَن يجيب المضطر إذا دعاه، فتطرحي نفسك بين يديه -سبحانه- على بابه مستغيثةً به متضرعةً متذللةً مستكينةً، فمتى وُفِّقْتِ لذلك فقد قَرَعْتِ باب التوفيق، فلتَعِفِّي، ولتكتُمِي سرك.

ومن شروط تلك التوبة النصوح الصادقة أن تأخذي نفسَكِ بالحزم، وألا تضيعي دينك ودنياك من أجل سراب ظننتِه عسلًا، وليس مجرد ماء، فإذا هو أمرُّ من الحنظل، وأشد قسوة من الحجارة، وأبشع مِن السم الزعاف، وأقبح من حلول النقم، بل هو أفظع من الموت، وأنفذ من السهم، وأمرّ من السقم، ولا تغضبي إذ أقول لك: إن تلك عادةُ الله فيمن يتقحمون ما تَقَحَّمتِه من المهالك المردية؛ وقد قال الله -عز وجل- في مثل هذا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 27-29]، وقال: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

فالواجبُ على اللبيب -أيتها الفاضلة- الاستجارةُ بالله مما يورط فيه الهوى، وما يقود إليه من الهلاك الحاضر الظاهر، الذي يستوي في فهمه العالِمُ والجاهلُ، ويستجير بالعصمة التي تحتاج لبصيرةٍ وعقلٍ كاملٍ عند حلول الشهوات، واستبدلي بتحسرك على فَقْدِ هذا المتلاعب تحسرًا على ما اقترفتِهِ معه، وندمًا عليه، وحمدًا لله تعالى أن لم يجعل له في الزواج منك نصيبًا، وأنه نجَّاك من الارتباط به؛ فمثلُه لا يصلح لك زوجًا، فقد تبين لكِ أنك كنت مغرورة به غرورًا شديدًا، فلله الفضل والمنة أن كَشَفَه لك قبل فوات الأوان، وأوقفك على حقيقته قبل التورُّط في الزواج منه، فاحمدي الله كثيرًا على ذلك.

واستعيني بالله -جل وعلا- لنسيان هذا الماضي المحزن البائس، وأكثري من الدعاء والإلحاح عليه -سبحانه- فهو الغفور الودود الذي يغفر لمن تاب إليه، ويوده، ويحبه؛ فهو –سبحانه- الموصوف بشدة البطش، ومع ذلك هو الغفور الودود؛ المتودد إلى عباده بنعمه الذي يود من تاب إليه، وأقبل عليه، وهو الحبيب المحب لأوليائه، يحبهم، ويحبونه؛ قال شعيب عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90].

واقترن اسم الودود بالرحيم وبالغفور؛ لأن الإنسان قد يغفر لمن أساء إليه، ولا يحبه، وكذلك قد يرحم من لا يحب، أما الرب -سبحانه وتعالى- فيغفر لعبده إذا تاب إليه، ويرحمه ويحبه، فإنه يحب التوابين، وإذا تاب إليه عبده أحبه، ولو كان منه ما كان.

انشغلي كليًّا بالواقع الذي تعيشينه، وبكل نافعٍ ومفيدٍ؛ سواءٌ كان دينيًّا أو دنيويًّا، واملئي وقتَكِ بما ينفعُكِ، ويُبْعِدُ عنك هواجس الماضي، وإذا تذكرتِهِ أو جَالَ بخاطرك هواجسُه، فأكثري من ذِكْر الله تعالى، وتعوَّذي بالله من الشيطان.

اقْبَلِي بأي زوجٍ مناسبٍ، واحذري كثرةَ الرفض؛ فلا يصح في العقل أن تُوقِفِي حياتَكِ على رجلٍ مهما كان هو، فكيف إذا كان من تتبتلين من أجله على ما وصفت من صفات، وإذا تقدم لك أحدُ الخطاب، فلا تجعلي نفسك في حال مقارنة بينه وبين الآخر.

وأخيرًا احذري الاستسلام للذكريات، فكلما جاءتْك فحاولي طردها عن نفسك، وانشغلي بغيرها.

وراجعي على موقعنا الاستشارات: "حبُّه في قلبي يمزقني"، "أتمنى الموت بسبب ما جرى بيني وبين خطيبي!"، "كيفية التوبة".

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام