المشاركة في احتفال المولد
يستعد الأهل في البلد لعمل احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم..
يستعد الأهل في البلد لعمل احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويطلب والدي من أخي الأصغر الذي يدرس في الجامعة أن يحضر بعض الطلبات لهذا الغرض ويسألني هل ينفذ ما طلبه والدي؟ وإذا كان المولد غير مشروع فكيف أقنعهم؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فإقامة احتفال باليوم الذي قيل إنه ولد فيه صلى الله عليه وسلم غير مشروع؛ لما فيه من مضاهاة الأعياد الشرعية، وذلك لأن حقيقة العيد: ما يعود كل سنة، ويكون فيه الاجتماع، وتظهر فيه الأعمال والأقوال؛ كالمطاعم والمشارب والتهاني؛ فكل سمات العيد موجودة في احتفال المولد الذي يعمله الناس؛ فهو عيد بلا ريب.
وقد أُوقفت أعياد الجاهلية، واستمر هذا ثلاثمائة سنة حتى أحدثه العبيديون، وكان المسلمون خلال هذه القرون الثلاثة المفضلة يرون النصارى يحتفلون بعيد ميلاد عيسى عليه السلام فلم يحاكوهم، ولم يروا مشروعية إقامة مثل هذه الأعياد.
ومن العقل: يقال: لا معنى يُستفاد من جعل الاحتفال به صلى الله عليه وسلم في يوم مولده؛ بل إن جعله في غير يوم مولده أقرب إلى المعنى والعقل؛ لأنه الوقت الذي قد تقع فيه الغفلة عن هديه وشمائله صلى الله عليه وسلم.
كما أن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج، وتتميز به كل أمة على بقية الأمم؛ فلا يجوز أن يُجعل مباحاً للحدث والابتداع.
وما استدلوا لمشروعيته بقوله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الاثنين: "ذلك يوم ولدت فيه" وأنه علل فعل عمل صالح بأنه يوم مولده فلا حجة فيه؛ لأننا أثبتنا بالبراهين الشرعية والعقلية أن الأعياد من جملة الدين المنزل الذي لا تجوز الزيادة فيه؛ فعليه يُقصر العمل التعبدي المخصوص ليوم المولد بصيام الاثنين فقط.
ولو جاز التوسع في القياس والاستدلال بالعمومات على ثبوت الأحوال المخصوصات للزم أن نقول بمشروعية صلاة سادسة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح مثلاً، يجتمع لها الناس، ويُنادى لها بالأذان؛ كالمفروضات؛ لأن الله أمر بالصلاة مطلقاً وعموماً، والأذان من جملة الذكر؛ بل حث على الصلاة في هذا الوقت وهي صلاة الضحى، وشرعت الجماعة حتى في النوافل، ومع هذا لم يقل بمشروعية ذلك أحد؛ رغم عدم الدليل الخاص على بدعية هذه الصورة؛ فدل ذلك كله أنه لا يجوز إحداث مثل هذه الأعياد.
هذا وللمولد بدائل مشروعة؛ كإقامة ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ودروس في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله في أيام كثيرة من السنة، وأن تكون محبته وتعظيمه وظيفة العام وليست وظيفة زمن معين.
ولكن يقال فيما سأل عنه السائل: إنه إذا ترتب على الإنكار أو الامتناع عن طاعته مفاسد أعظم؛ كالقطيعة مع الوالد، مع غلبة العوائد والمألوفات؛ فله حينئذ أن يجيبه إلى ما طلب مع التلطف في تعليمهم وإقناعهم، كان الله في عونك. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سليمان بن عبد الله الماجد
قاضي بالمحكمة العامة بالرياض
- التصنيف:
- المصدر: