علاقة المتزوج بالمتزوجة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تحيه طيبة وبعد،
إنني أعرف زوجة وأقوم بالاتصال معها عبر الهاتف، وأداوم على الاتصال، وبعض الأحيان أقوم بقطع الاتصال، وأعرف أنه حرام، ولكن الشهوة عندي من ناحية النساء شديدة وقوية جداً، ولم أعرف السبب هل هو بُعد زوجتي عني؟ أم هي لا تكفيني؟
وأثناء الاتصال مع الزوجة المتزوجة يكون هناك أحاديث خليعة لا داعي لذكرها ... وأضعف وقد نقول أشياء تعتبر جنساً في الهاتف، ولم يبق إلا الرؤية فقط، وهي - للأسف - منتقبة وأنا أيضاً - للأسف - ملتحٍ، وأخاف أن ينطبق عليَّ لفظ: "المنافق".
فأرجو النصح والإفادة لي.
جزاكم الله خيراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن العلاقة الآثمة مع المرأة الأجنبية من أخطر الذنوب، وهي مع المتزوجة أشدّ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « »؛ رواه أحمد وأبو داود و الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
والتخبيب معناه: الإفساد، وهو إفساد الرجل زوجة غيره عليه.
وهو من الكبائر كما حقَّقه الهيثمي في كتاب (الزواجر)، ومن أعظم فعل الشياطين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وكما في صحيح مسلم: « ».
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «
»، وخيانة المسلمين في أعراضهم لون من الغدر؛ والواجب على كل مسلم حفظ أعراض إخوانه المسلمين كما يجب عليهم حفظ عرضه.وكفى بهذا الوعيد زاجراً عن الإقدام على تلك الأفعال المشينة التي حمل عليها طغيان الشهوة، وإهدار حقوق المسلم على أخيه، وإفساد ذات البين، فشأن المؤمن أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه، وقد صان الإسلام العلاقات بين الأفراد، وحدَّها بسياجٍ يلائم النفسَ البشرية، فحرم العلاقة بين الرجال والنساء إلا في ظل زواج شرعي، فلا يصح أن يخاطب الرجل المرأة، ولا المرأة الرجل إلا لحاجة.
وإن كانت ثَمَّ حاجةٌ داعيةٌ إلى الخطاب بينهما فليكن ذلك في حدود الأدب والأخلاق، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب: 32].
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى توبةً صادقةً نصوحاً؛ بالندم على ما فعلت، والإقلاع عن هذا الذنب المشين، والعزم على عدم العود إليه، وأكثر من الدعاء والاستغفار، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التحريم: 8]، وسُدَّ على نفسك أبواب الشيطان بالبعد عن كل ما يقربك من تلك المرأة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
وكن على حذر من أن تُجازى بجنس عملك إن لم تتب إلى الله تعالى، فعادة الله في خلقه أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، والحذر الحذر فقد ترى ما تكره في زوجتك ومحارمك، قال بعض السلف: "نظرت إلى امرأة فنظر رجل إلى امرأتي نظرة أكرهها"، وقال الفضيل بن عياض: "إني لأعصي الله فأجد شؤم معصيتي في خُلُق دابتي وزوجتي".
واستح من نظر الله إليك وأنت على تلك الحال، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، وقال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40]، وقال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]، وقد يرفع الله ستره عنك؛ فتكون مثلبة لأهل السنة – لأنك ملتح كما ذكرت و المرأة منتقبة – وتكون مثلاً سيئاً لأهلك وأبنائك، والحال أنك القدوة والراعي لهم.
أما هل أنت منافق أو لا؟ فإن ما فعلته دليل على ضعف الإيمان؛ حيث إن ضعف الإيمان باعث على الوقوع في المعاصي، وعلى كل حال هو من النفاق العملي لا الاعتقادي.
وننصح لك: أن تستعين بالله تعالى ولا تعجز، وأن تأخذ بأسباب العفة التي شرعها الله؛ من غض البصر, وإن كانت زوجتك لا تكفيك - فيمكنك أن تستعين بالله - وتتزوج بأخرى تعفك، وعليك بالإكثار من الدعاء: « » الذي رواه مسلم، ودعاء: « »؛ رواه أحمد وأصحاب السنن، وأن تكثر من ذكر الله دائماً فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: « »؛ أخرجه أحمد والترمذي والحاكم.
وحافظ على الصلوات المفروضة في جماعة، وأكثر من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]، وأكثر من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين للنووي، والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري، والزواجر للهيثمي، والكبائر للذهبي، وعليك بملازمة البيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة عموماً.
والله نسأل أن يرزقك توبةً صادقةً وخلاصاً مما ابتليت به،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام