الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم
علينا أن نعرض أعمالنا على ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام فان كانت موافقة فمحبتنا له صحيحة ودعوانا لها ما يدل عليها من البرهان، وإن كان العمل خلاف ذلك فمحبتنا ناقصة بقدر هذا النقص
ما الواجب على الفرد المسلم عمله حيال من يستهزئ من الكفار بالرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
الذي يستهزئ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- من المسلمين هذا مرتد -نسأل الله السلامة والعافية- قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [(65-66) سورة التوبة].
والاستهزاء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو بشيء من سنته, الذي يستهزئ مثلاً باللحية أو بقصر الثوب أو بشيء مما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- هذا خطر عظيم بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة للكفار فليس بعد الكفر ذنب فقد حصل الاستهزاء به ورمي بالنقائص وقيل عنه ساحر وقيل عنه أنه مجنون, لكن على المسلم الذي يستطيع أن يرد على هؤلاء الكفار يجب عليه ذلك ولا يجوز له أن يسمع الكافر وهو يسب ويقع في النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي عرضه ويسكت...!
نعم لا يجوز له بحال هذا إذا كان يستطيع التغيير فمن استطاع التغيير فعليه أن يغير غيرةً لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- وهنالك وسائل وطرق ذكرها أهل العلم في كيفية هذا التغير ولشيخ الإسلام -رحمه الله- كتاب عظيم في الباب اسمه: "الصارم المسلول على شاتم الرسول" وبهذه المناسبة وما يثار حول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأيام مما يدعو المسلمين إلى النظر في سيرته فكثير من الناس في غفلة تامة عن سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن خصائصه وعن شمائله ومعجزاته، فعليهم أن ينظروا في هذه الأمور لتزداد محبته في قلوبهم ولكي يتسنى لهم أن يتبعوه عن قناعة, فكثير من الناس يتعبد ولا يعرف عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شيء فكيف تدخل محبته -عليه الصلاة والسلام- القلوب وهم في إعراض تام عن سنته وعن سيرته وعن شمائله وأوصافه وخصائصه.
لا تتم هذه المحبة إلا بمعرفة ذلك ومحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- شرط في صحة الإيمان؛ لأنها تحقيق لشهادة أن محمداً رسول الله فاتباعه من محبته ومخالفته -عليه الصلاة والسلام- في أوامره وفي نواهيه -عليه الصلاة والسلام- هذا دليل على عدم محبته؛ لأن المحب يتبع محبوبه.
فإذا أحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ادعى محبته فلينظر في عمله فإن كان موافقاً لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو صادق في محبته، وإن كان مخالفاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو كاذب في دعواه؛ فعلى المسلم أن يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما يحب نفسه فضلاً عن غيره من ماله وولده والناس أجمعين.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) كما رواه البخاري في الصحيح من حديث أنس -رضي الله عنه- في كتاب الإيمان.
وقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: ((لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيئ إلا من نفسي. فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي. فقال: الآن يا عمر)). [رواه الإمام البخاري في الأيمان والنذور من صحيحه].
فعلينا أن نحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد مما نحب أنفسنا وأولادنا وأموالنا.
وكثير من المسلمين يقولون ذلك لكن إذا نظرت إلى تصرفاتهم وأفعالهم رأيت أن هذه مجرد دعوى فبمجرد ما يطلب الولد من أبيه ما يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويلبي طلبه هذا قدم ولده على محبة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه * هذا لعمري في القياس شنيع.
لو كان حبك صادقاً لاطعته * إن المحب لمن يحب مطيع.
فعلينا أن نعرض أعمالنا على ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام فان كانت موافقة فمحبتنا له صحيحة ودعوانا لها ما يدل عليها من البرهان، وإن كان العمل خلاف ذلك فمحبتنا ناقصة بقدر هذا النقص...
والله المستعان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.