هل أزني مرة واحدة لأقلع عن العادة السرية؟
أنا شاب مدمن العادة السرية، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أقلع عنها، ولكن كلها باتت بالفشل، فهل لي أن ازني مرة واحدة لكي أقلع عنها؟
أنا شاب مدمن العادة السرية، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أقلع عنها، ولكن كلها باتت بالفشل، فهل لي أن ازني مرة واحدة لكي أقلع عنها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن السائل لم يدرك خطورة ما ذكره في رسالته، وأنه تفكيرٌ شيطانيٌّ خالص، وأن السبب الرئيسي هو التمادي في المعاصي، حتى طفئ نور القلب الذي يفرق به بين الحق والباطل.
وأخشى أن تستمر على هذا، أن تتمكَّن تلك الهواجِس منه، فلا يستطيع دفْعها، فيقع في المحظور، بل قد يتطوَّر الأمرُ وتكون العاقبةُ أعظم مِن ذلك، فيدمن الكبائر، ويصِرُّ عليها، فيحال بينه وبين التوبة.
فالأمرُ جدُّ خطير، وليس بالبساطة التي يتكلَّم بها السائل.
وأول خطوات العلاج، الإعْرِاض عن تلك الخطرات الشيطانية، والتعوَّذ بالله العظيم مِن شرّ شياطين الإنس والجن؛ قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112، 113].
وإن كان حقًّا يبحث عن سُبُل النجاة، فلا سبيل إلا الَصْدُقَ مع الله، ثم سلوك الأسباب الموصِّلة إليها، وسألَخِّص الحلول في نقاطٍ ليسهلَ العمل بها:
أولاً: شغلْ الوقت بما ينفع في الدين والدنيا، والابتعاد عن رفقاء السوء؛ فالصاحبُ ساحبٌ، واستبدالها بصُحبة الأخيار ومُلازمتهم، فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أن المتخالِّين على مَعصية الله تنقَلِب خُلتُهم يوم القيامة عَداوةً؛ لأن خلَّتهم ومحبتهم في الدنيا لغير الله، إلا مَن كانتْ محبتُهم لأجله سبحانه؛ فقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين} [الزخرف: 67].
ثانيًا: الإعرِاض عن التفكير في الحرام؛ فهو يحفِّز على الوقوع فيها، وإذا توارد على القلب فليدفع بعدم التفكير فيه؛ لأنَّ المعاصي إنما تبدأ بخطرة تتطوَّر إلى فكرة، ثم تنقلب عزمًا؛ ولذا قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه مِن الزِّنا، أدْرك ذلك لا محالة، فزِنا العين النظَر، وزنا اللسان المنْطِق، والنفسُ تمنى وتشتهي، والفرْجُ يُصَدِّق ذلك أو يكذِّبُه»؛ متفق عليه.
ثالثًا: صْدُق اللجوء إلى الله، والإكثارْ مِن الدعاء بصرفَ السوء والفواحش، وطَهِّارةَ القلب وتحَصِّين الفرج، والتضرَّعْ بين يديه سبحانه، وسؤاله الإعانة، والإكثار مِن الدُّعاء النبويِّ: «اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سمعي، ومِن شرِّ بصري، ومِن شرِّ لساني، ومِن شرِّ قلبي، ومِن شرِّ مَنِيِّي»، «اللهم فاطر السموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنتَ ربُّ كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، أعوذ بك مِن شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطان وشركه، وأن أقترفَ على نفسي سوءًا، أو أجره إلى مسلم».
رابعًا: التفكر في قُبْح العادة السرية وقبح الزِّنا، وأنه مِن أكبر الكبائر، وأبشَع الجرائم، وعلاجُه بالاستعانة بالله جل وعلا، واستحضار فضيلة العِفَّة وترويض النفس على التحلِّي بالأخلاق الحسنة، فهي تُكْسَب بالتعوُّد، فمن تكلَّف العفاف الذي هو قمع الشهوة الجِبِلِّيَّة المركوزة في النفس أعفَّه اللهُ وتدارَكه بمعونته.
خامسًا: المداوِمة على أذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن الكريم بتدبُّر.
سادسًا: إذا زينت النفسُ المعصية، فلا أقل من تذكَّر أن الله مُطَّلِع عليك، والتفكر في عواقب الزنا الوخيمة على المرء في الدنيا والآخرة، ويكفي أن الله نهى عباده عن الزنا، وعن مقاربته، ومُخالَطة أسبابه ودواعيه بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وبئس طريقًا ومَسْلكًا - كما قال المفسِّرون.
سابعًا: اليقينٍ والثقةٍ بأنَّ الله تعالى بكرمه ومَنِّه أَوْجَبَ على نفسه المبارَكة إعانةَ إعانة كل من فرّ إليه بصدق.
ثامنًا: عدم الأمن من مكْرَ الله، فالله تعالى عاقَبَ أبا البشر رسوله آدم - عليه السلام - الذي خَلَقَه بيديه، وأسْجَد له ملائكته - عاقَبَهُ لِمُخالفتِه أمرًا واحدًا، وأشْعَلَ الشملة نارًا على مَنْ غلَّها وقد قُتِل شهيدًا في المعركة، وأمر بقطْع اليد في ثلاثة دراهم، وجلد الحد في القدْرِ القليل من الخمر، وأدخل امرأةً النار في هِرَّة.
تاسعًا: مجاهِدْة النفس، وقهرْ الهوى ومغالبة الشهوة، وأعظم وسيلة لتحصيل هذا، هو استشعرِ اطِّلاع الله؛ قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].
عاشرًأ: الدوِامْ على فِعْل الطاعات التي مِن أعظمها الصلواتُ الخمس، وإدمان الصيام فهو خيرُ قاطع للشهوة، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَن استطاع الباءة فليتزوجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء».
وبالجملة، فالصلاحُ سببٌ لعصمة صاحبه مِن الزلَل؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
هذا؛ والله أعلم
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: