هل من توبة لمن خانت زوجها أمام الصغار مرارًا
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 17]
ماما كانت بتخون بابا وهو مسافر السعوديه عشان الشغل وكده كانت بتزنى مع راجل صاحبه وهو كان بيفضل قاعد عندنا في البيت طول ما هو مسافر كان بياكل ويشرب معانا ويدخل ينام معاها واحنا شايفين وعارفيين انها بتعمل حاجه غلط بس كنا صغيرين ومنقدرش نتكلم ولا نقول لبابا حاجه وفي مره الراجل اللي كان بيزني معاها سرق الفلوس اللي بابا جايبها من السعوديه كانت بالدولار سرقها ومشي وماما معرفتش عنه حاجه بعدها بقت تروح الجوامع تستغفر وتصلي وشويه وبطلت تصلي او تستغفر ونست الموضوع بس هي بتعامل بابا وحش اوي ودايما تدعي عليه مع انه راجل طيب وشايلها من على الارض وبابا كان متجوزها وهي ارمله ومعاها بنت وولد وبابا هو اللي ربي ليها عيالها لكن هي كانت بتخونه رغم اللي عمله معاها ودايما ظالماه وكمان ظالمتنا احنا كمان كتيير وفرقت في المعامله بينا وبين اخواتنا اللي كانوا من اب تاني وجت علينا كتير واحنا بقي عندنا حاله نفسيه من ساعة لما كنا بنشوفها بتخون ابونا واحنا صغيرين انا اسفه اني طولت لكن سؤالى هو هل ربنا هيسامحها على كل ده وكل الظلم ده واحنا مش مسامحنها ومش ناسين اللي عملته ومحدش فينا بيحبها هل ربنا هيغفر كل ده ويسامحها ؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء والآثار الثابتة عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، تدل على أن كل من تاب لله توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة الصادقة أنه يقطع بقبول توبته تفضلاً من الله ورحمة، كما يقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلامًا صحيحًا؛ وذلك لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد، وقد قال سبحانه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147]، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136] وقوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 17]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا.
وجميعها يدل على أن الله تبارك وتعالى شرع لعباده التوبة من الذنوب، ووعدهم بمغفرته وقبول التوبة من كل من جاء بها على وجهها، مستوفية لشروطها من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله، فيغفر له مهما كان ذنبه عظيمًا، قال الله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب، كمن لا ذنب له)؛ رواه ابن ماجه.
وقال أبو العباس القرطبي في كتابه "المفهم لما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم" (17/ 10):
"والذي أقوله: أن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسنة، وتتبع ما فيهما من هذا المعنى -علم على القطع واليقين أن الله تعالى يقبل توبة الصادقين". اهـ.
وقد بين الإمام ابن القيم معنى التوبة المقبولة وغير المقبولة ومن يقطع له بالمغفرة ومن لا يغفر له، فقال في "مدارج السالكين" (1/ 316-317)
"جعل وقاية شر السيئات - وهو تكفيرها - بزوال ما يكره العبد، ودخول الجنات - وهو حصول ما يحب العبد - منوطًا بحصول التوبة النصوح، والنصوح على وزن فعول المعدول به عن فاعل قصدًا للمبالغة، كالشكور والصبور، وأصل مادة (ن ص ح) لخلاص الشيء من الغش والشوائب الغريبة، وهو ملاق في الاشتقاق الأكبر لنصح إذا خلص، فالنصح في التوبة والعبادة والمشورة تخليصها من كل غش ونقص وفساد، وإيقاعها على أكمل الوجوه، والنصح ضد الغش.
النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:
الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولته.
والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها، بحيث لا يبقى عنده تردد، ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرًا بها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته، ومنصبه ورياسته، ولحفظ حاله، أو لحفظ قوته وماله، أو استدعاء حمد الناس، أو الهرب من ذمهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل.
فالأول يتعلق بما يتوب منه، والثالث يتعلق بمن يتوب إليه، والأوسط يتعلق بذات التائب ونفسه، فنصح التوبة الصدق فيها، والإخلاص، وتعميم الذنوب بها، ولا ريب أن هذه التوبة تستلزم الاستغفار وتتضمنه، وتمحو جميع الذنوب، وهي أكمل ما يكون من التوبة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله". اهـ.
أما ما يظنه كثير من الناس: أنه يفعل ما يشاء من الآثام ثم يتوب متى يشاء، فهذا بلا شك تصور ساذج، وإنما يقوله من لا يعرف الله ولا شرعه الحنيف، لأنه يخشى على من تمادى في الذنب أن يختم الله على قلبه، ويحول بينه وبين التوبة جزاء وفاقًا، وهذا عدل من الله تعالى، وقد حذر الله سبحانه وتعالى عباده من هذا المصير فقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، وقال سبحانه {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال: 24].
"فيفصل بينه وبين قلبه ويستحوذ على هذا القلب ويحتجزه، ويصرِّفه كيف شاء، ويقلبه كما يريد، وصاحبه لا يملك منه شيئاً وهو قلبه الذي بين جنبيه! إنها صورة رهيبة حقًا يتمثلها القلب في النص القرآني، ولكن التعبير البشري يعجز عن تصوير إيقاعها في هذا القلب، ووصف هذا الإيقاع في العصب والحس! إنها صورة تستوجب اليقظة الدائمة، والحذر الدائم، والاحتياط الدائم.
اليقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته، والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافة أن يكون انزلاقًا، والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف والهواجس، والتعلق الدائم بالله – سبحانه - مخافة أن يُقلب هذا القلب في سهوة من سهواته، أو غفلة من غفلاته، أو دفعة من دفعاته.
إنها صورة تهز القلب حقاً ويجد لها المؤمن رجفة في كيانه حين يخلو إليها لحظات، ناظرًا إلى قلبه الذي بين جنبيه، وهو في قبضة القاهر الجبار وهو لا يملك منه شيئًا، وإن كان يحمله بين جنبيه ويسير!"، قاله صاحب الظلال (3/1495)
إذا تقرر هذا أدركت السائلة الكريمة حكم ما تسأل عنه من هل تقبل توبة أمها أم لا،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: