الاستغفار... فَتْحٌ ربّانيٌ

منذ 2012-04-27

حين تكثر الذنوب على ابن آدم يحصل الضعف فى إرادته وتلين عزيمته وتتأثر نفسه وتكاد تنهار عند مواجهة أي مشكلة من مشكلات الحياة ومتاعبها التي تواجهنا كل دقيقة وكل يوم..


قال تعالى -عز من قائل-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

وعن أبى هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه اعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره فقال اعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي فقال اعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء» (متفق عليه).

يروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه:
"يا بني، عوِّد لسانك : اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يردُ فيها سائلاً".

وقال الحسن رضى الله عنه:
"أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة".


الاستغفار... نعمة مجهولة وطريق للنور:
حدثت قصة في زمن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، حيث كان الإمام أحمد بن حنبل يريد أن يقضي ليلته في المسجد، ولكن مُنع من المبيت في المسجد بواسطة حارس المسجد, وقد حاول مع الإمام ولكن لا جدوى، فقال له الإمام سأنام موضع قدمي، وبالفعل نام الإمام أحمد بن حنبل مكان موضع قدميه، فقام حارس المسجد بجرّه لإبعاده من مكان المسجد، وكان الإمام أحمد بن حنبل شيخ وقور تبدو عليه ملامح الكبر، فرآه خباز فلما رآه يُجرّ بهذه الهيئة عرض عليه المبيت، وذهب الإمام أحمد بن حنبل مع الخباز، فأكرمه ونعّمه، وذهب الخباز لتحضير عجينه لعمل الخبز، فسمع الإمام أحمد بن حنبل الخباز يستغفر ويستغفر، ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال فتعجب الإمام أحمد بن حنبل، فلما أصبح سأل الإمام أحمد الخباز عن استغفاره في الليل، فأجابه الخباز: أنه طوال ما يحضر عجينه ويعجن فهو يستغفر، فسأله الإمام أحمد: وهل وجدت لاستغفارك ثمرة؟ وقد سأل الامام أحمد الخباز هذا السؤال وهو يعلم ثمرات الاستغفار، فقال الخباز: نعم، والله ما دعوت دعوة إلا أُجيبت، إلا دعوة واحدة، فقال الإمام أحمد: وما هي فقال الخباز: رؤية الإمام أحمد بن حنبل، فقال الإمام أحمد: أنا أحمد بن حنبل، والله إني جُررت إليك جراً.


الاستغفار... حياة الروح:

أَكثر من الاستغفار.. يَقْرُبُ الفرج.
أكثر من الاستغفار.. فالله غفور.
أَكثر من الاستغفار.. فالله لن يُضيّعك.
أَكثر من الاستغفار.. فالدنيا ساعة وستفنى.
أَكثر من الاستغفار.. فالعمر حتما زائل وإن كان يطول.
أَكثر من الاستغفار.. يكن الله معك.
أَكثر من الاستغفار... كما كان هدى نبيك.. مستغفرا دائما.
أَكثر من الاستغفار.. تملك قلبا طاهرا ونفسا مطمئنة.
أَكثر من الاستغفار.. فكم نادى به الله فى القرآن الكريم.
أَكثر من الاستغفار.. تتطهر من الخطايا.
أَكثر من الاستغفار.. يهدأ بالك وترتاح نفسك.
أَكثر من الاستغفار.. تكون به نعم المُتوكل على ربه والمنيب إليه والخاضع المتذلل.

*************

أَكثر من الاستغفار.. فكم من استغفار كان سببا فى تحويل فشلٍ إلى نجاح وتمّيز.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من استغفار كان سببا فى تحويل محنةٍ إلى منحة.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من استغفار كان سببا فى تحويل مرضٍ إلى عافية.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من استغفار كان سببا فى تحويل ضيقٍ إلى سعة.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من استغفار كان سببا فى شفاء معيونٍ ومحسودٍ ومسحور.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من فقير بالاستغفار صار ميسوراً وذا مال.
أكثر من الاستغفار.. فكم من مديون سدّد الله عنه دينه وعافاه من غلبة الدَيْن وقهر الرجال.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من الشباب طال شوقه للزواج لضيق اليد ثم بالاستغفار تزوج وفرح.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من الفتيات طال انتظارهن للستر والعفاف ثم أكثرن من الاستغفار فتزوجن وفرحن.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من عقيمٍ شفاه الله بالاستغفار ورُزق البنين والبنات بعدما ذهب حلمه ومات.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من حُلم تحقق بالاستغفار, وكم من أمل صار واقعا ومحققا بالاستغفار.
أَكثر من الاستغفار.. فكم من ليلٍ طال سواده ثم بالاستغفار تحوّل لحظة لفجرٍ جديد وصبحٍ مجيد وعيد سعيد.
أَكثر من الاستغفار.. فالجنة تشتاق والنبي ينتظرك والحور الحسان تتهيأ للمستغفرين.

*******************

أَكثر من الاستغفار.. حتى تذهب عنك الوساوس والمخاوف.
أَكثر من الاستغفار.. حتى تنجح و لاتفشل ولا تخسر.
أكثر من الاستغفار.. حتى تكيد إبليس وتقهره.. فالاستغفار إهلاك له وعليه دمار.
أَكثر من الاستغفار.. حتى يحبك الله.. فالله حبيب المستغفرين.
أَكثر من الاستغفار.. حتى يُسرع إليك اليسر مهرولا بعد العسر.

********************

أكثر من الاستغفار.. فإن بالاستغفار مع الصبر يأتى النصر.
أَكثر من الاستغفار.. فإن من طَرَقَ باب الله بالاستغفار لا يخيب وحتما سيُفتَح.
أَكثر من الاستغفار.. يكن الله معك.. ومن كان الله معه فماذا يكون قد فقد.
أَكثر من الاستغفار.. فإن لزومه يكفيك من كل همّ وغمّ.
أَكثر من الاستغفار.. فإن من اشتغل بالاستغفار أعطاه ربه ما لم يعطى السائلين.
أكثر من الاستغفار.. فهو يُبدّد ظُلْمَة القلب.

اعلم..

اعلم أن الإكثار من الاستغفار.. هو من لزوم شِيَمِ المؤمنين.
اعلم أن الإكثار من الاستغفار.. هو رجوع إلى الله وإيمان به وتصديق ويقين.
اعلم أن الإكثار من الاستغفار.. هو حقيقة من حقائق الخوف والوجل من الله.
اعلم أن الإكثار من الاستغفار.... هو إيمان بالربوبية لله وتفرده بالألوهية ووحدانيته بالوحدانية.
اعلم أن الإكثار من الاستغفار... يعني إيمانك بالحساب والجنة والنار.

إن أكثرت الاستغفار لله:

إن أكثرت الاستغفار لله.. فثق به ولا تيأس من رَوحه أبداً.
إن أكثرت الاستغفار لله... فثق به ولا تقنط من رحمته يوماً.
إن أكثرت الاستغفار لله.. فثق أن الدنيا مهما ضاقت فى وجهك, والأبواب مهما غُلّقت والأسباب مهما تقطّعت؛
فستنفتح فتحا مبينا وستيسر تيسيرا عظيماً.
إن أكثرت الاستغفار لله.. فُزْتَ, فإنّ من لم يستغفر كثيرا صار متمردا على الله خارجا عنه متبعا للشيطان
وهواه.
إن أكثرت الاستغفار لله.. فلا تقنط, فالقنوط من دلائل الضلال.


اجعل مشروعك.. استغفار للغفّار:
حين تكثر الذنوب على ابن آدم يحصل الضعف فى إرادته وتلين عزيمته وتتأثر نفسه وتكاد تنهار عند مواجهة أي مشكلة من مشكلات الحياة ومتاعبها التي تواجهنا كل دقيقة وكل يوم.
وحين يفشل مثل هذا الآدمي المؤمن في موقف ما فإنه قد يصاب بالإحباط الذي يكون بمثابة همّ ثقيل يمنعه من العيش بصورة طبيعية فيرتبك ويقبع ولا يقدر على العمل والإنتاج لتغيير واقعه بسبب عدم الاستغفار وسيطرة الإحباط أو اليأس على نفسه وخوفه من كل ما هو آت فى المستقبل, فهذا الآدمي في حقيقته ما هو إلا إنسان قد غفل تماما عن حقيقة الاستغفار العظيمة التي بها ينفتح على مولاه وينطرح بين يديه لعظمته وهيبته وينال من كل أمر مبتغاه ومايتمناه.
وهذا فى نهايته ما هو إلا بمثابة إعصار نفسي سيء قد أصاب نفسه به وبنفسه لابتعاده عن الاستغفار.. لأن عدم الاستغفار يقعد بالهمم عن العمل ويشتت القلب بالألم ويقتل فيه روح الأمل.
إن العبد المؤمن الكثير الاستغفار لربه لا يمكن لليأس أن يتمكن منه أبداً.. ولا للإحباط أن يعرف إليه سبيلا.


وهذه حياة المستغفرين:
فهو يواجه أمور حياته كلها بالاستغفار.. فيصبح ذا إرادة قوية ولجوء تام إلى خالقه وعزم صادق وإيمان راسخ وثقة فى الله لاتتزعزع ويعمل باستمرار على الأخذ بأسباب الهداية والثبات.. ويقرأ القرآن دائما فتنبعث فى نفسه روح الأمل والتفاؤل عندما يقرأ قوله تعالى: {رَ‌بَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَ‌حْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8], وهو يؤمن بأن الأمور مهما تعقدت، والخطوب مهما اشتدت، والعسر مهما تعسر، فالفرج من الله قريب طالما أن الألسن تلهج لبارئها أبدا تستغفره ليل نهار: {حَتَّى إِذَا إسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110].
إن الإنسان مادام على قيد الحياة حيًاً يتحرك فلا بد له أن يكثر من الاستغفار, فنحن أنفس بشرية قد ينتابها الضعف في كثير من الأحيان وعندها لا تجد سبيلا للراحة إلا بحسن الانطراح بين يدي الخالق العظيم باستغفار كثير, فطوبى لمن وجد فى صحيفته يوم القيامة استغفارا كثيرا. وأنه يجب أن يكثر المسلم من الاستغفار حتى يبعث في نفسه روح الأمل وجميل الظن بالله, فيراجع نفسه دائما ويوبّخها باحثاً عن أسباب عدم التوفيق والتعسر ليتجنبها في المستقبل لكونها قد تكون سببا فى التعسّر, فيرجو من ربه تحقيق المقصود ويجعل رايته دائما: (سَأُستغفرُ ربى ما حييت).

خاتمة:
نستغفر الله من الذنوب التي تحل النقم، ومن الذنوب التي تغيـِّر النعم ومن الذنوب التي تورث الندم ومن الذنوب التي تحبس القسم, ومن الذنوب التي تعجِّلُ الفناء, ومن الذنوب التي تقطعُ الرجاء, ومن الذنوب التي تمسك غيث السماء, ومن الذنوب التي تكشف الغطاء, نستغفر الله العظيم حياءً من الله نستغفر الله العظيم رجوعاً إلى الله نستغفر الله العظيم تندماً واسترجاعاً، نستغفر الله العظيم فراراً من غضبِ الله إلى رضاء الله، نستغفر الله العظيم فراراً من سخطِ الله إلى عفوِ الله، أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه من الإفراط والتفريط ومن التخبيط والتخليط ومن مقارفة الذنوب ومن التدنس بالعيوب ومن عدم الحضور في الصلاة ومن جميع التقصير فيها وفي الزكاة ومن القنوط من رحمة الله ومن عدم القيام بحق الله وخلق الله ومن عدم التشميرِ لطاعةِ الله ومن عقوقِ الآباءِ والأمهاتِ ومن الظلمات والتبعات ومن الخُطى إلى الخطيئات.
ومن قطيعةِ الأرحام ومن اكتسابِ الآثام ومن حُبِ الجاهِ والمال ومن شهوةِ القيلِ والقال ومن رؤية النفس بعين التعظيم ومن نهر السائل وقهر اليتيم ومن الكذب والحسد ومن الغيبة والنميمة ومن سائر الأخلاق المذمومة ومن سائر الذنوب القلبية و القالبية.

ومن اتباع الهوى وهجر التقوى والميل إلى زخارف الدنيا ومن جميع ما يكره الله ظاهراً وباطناً، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتتوب إليه من كل ذنب يصرف عنا رحمتك أو يحل بنا نقمتك أو يحرمنا كرامتك أو يزيل عنا نعمتك ومن كل ذنب يورث الأسقام والضنا ويوجب النقم والبلاء ويكون يوم القيامة حسرةً وندامة.

ومن كل ذنب تبنا اليك منه ونقضنا فيه العهد فيما بيننا وبينك جراءة منا عليك لمعرفتنا بعفوك. ومن كل ذنب يزيل النعم ويحل النقم ويهتك الحرام ويورث الندم ويطيل السقم ويعجل الألم ومن كل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك يارب السموات ومن كل ذنب يميت القلب ويجلب الكرب ويشغل الفكر ويرضي الشيطانَ وَيسخِطُ الرحمن ومن كل ذنب يعقبُ اليأسَ من رحمتك والقنوط من مغفرتك والحرمان من سعة ما عندك ومن كل ذنب يوجب سواد الوجه يوم تبيض الوجوه وتسوّد الوجوه.

ومن كل ذنب يدعو إلى الكفر ويطيل الفكر ويورث الفقر ويجلب العسر ويصد عن الخير ويهتك الستر ويمنع اليسر ومن كل ذنب يُدنـي الآجال ويقطع الآمال ويشين الأعمال ومن كل ذنب يدنِّس منا ما طهرته ويكشف عنا ما سترته أو يقبِّح منا ما زيَّنته ومن كل ذنب لاينال به عهدك ولا يُؤمن معه من غضبك ولا تنزل معه رحمتك ولا تدوم معه نعمتك. ومن كل ذنب يورث النسيان لذكرك أو يعقب الغفلة عن تحذيرك أو يتمادى به الأمن من مكرك أو ينسِّينا من خير ما عندك.

ومن كل ذنب جرى به قلمكَ وأحاط به علمكَ فينا وعلينا إلى آخر عمرنا ولجميع ذنوبنا كلها أولها وآخرهَا عَمْدُها وخطؤها قليلها وكثيرها صغيرها وكبيرها قديمها وحديثها خفيُّها وعلانيتها نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتتوب إليه استغفاراً يزيد في كل طرفة عين وتحريك نفس مائة ألف ضعف يدوم مع دوام الله ويبقى مع بقاء الله الذي لا فناء ولا زوال ولا انتقال لملكه أبد الآبدين ودهر الداهرين سرمداً من سرمدك، استجب يا الله يا أرحم الراحمين.



نبيل جلهوم - كاتب إسلامي

 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 33
  • 2
  • 26,064

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً