الجذورُ الدِّينيةُ للعقيدةِ الرَّافضيةِ

منذ 2012-07-11


الحمدُ للهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى رَسولِ اللهِ، وعَلى آلهِ وصَحبهِ ومَنْ وَالاهُ، أَمَّا بَعدُ:

فَلوْ أَجرى الباحثُ عمليةً نقديةً تحليليةً للعقيدةِ الرَّافضيةِ: في أصولهِا العقديةِ وشرائعهِا العمليةِ، لَوجدَ أَنَّهَا بلا مِريةٍ ليسَتْ مرتكزةً على دينٍ منزلٍ منْ عندِ اللهِ، لا في واقعِها الذي انتهتْ إليهِ، ولا حتى في أصلِها المؤَسَّسَةِ عليه، وإِنَّما هي على الحقيقةِ دينٌ بشريٌّ تَوالدَ عبرَ الأزمنةِ المتطاولةِ منْ خلالِ أهواءٍ شيطانيةٍ لعينةٍ.

ويبقى السؤالُ قائماً: ما هي الجذورُ الدِّينيةُ لهذهِ العقيدةِ الرَّدِيَّةِ؟
الحقيقةُ المقرَّرةُ عند أئمةِ الإسلامِ أَنَّ هذهِ العقيدةَ الرَّدِيَّةَ بصورتِها الحاليةِ التي انتهتْ إليها هي خليطٌ مركبٌ مِنَ الدِّيانةِ اليهوديةِ والنصرانيةِ والمجوسيةِ، وليس هذا قولُهم فحسبْ، بلْ هو ما قَرَّرهُ كذلكَ المناوئونَ للإسلامِ منْ أئمةِ الرَّافضةِ أنفسهم وأهل الاستشراق؛ كما سيأتي بيانُ ذلكَ بالتفصيل إنْ شاءَ اللهُ في تضاعيفِ هذا المقالِ الَّذي سيدور حول ثلاثةِ محاور:

أولها: أثرُ الدِّيانةِ اليهوديةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ.
الثاني: أثرُ الدِّيانةِ المجوسيةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ.
الثالث: أثرُ الدِّيانةِ النَّصرانيةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ.

أولاً: أثرُ الدِّيانةِ اليهوديةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ[1]:
إِنَّ أثرَ الدِّيانةِ اليهوديةِ يَبدو واضحاً جِدًّا في العقيدةِ الرَّافضيةِ، وذلكَ من جهتينِ اثنتينِ:

أولاهما: أَنَّ المؤسِّسَ للعقيدةِ للرَّافضيةِ هو اليهوديُّ الخبيثُ (عبدُ الله بنُ سبأ)، رأسُ الفتنةِ، الَّذي دخل في دهاليز النفاق؛ متستِّراً باسم الإسلامِ زوراً وبهتاناً.

وإليكَ أيها القارئُ اللبيبُ ما قَالَهُ أهلُ العلمِ على اختلاف مشاربهم في بيانِ هذهِ الحقيقةِ التاريخيةِ:
1- يقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: "وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ مَبْدَأَ الرَّفْضِ إنَّمَا كَانَ مِنْ الزِّنْدِيقِ: عَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ؛ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ الْيَهُودِيَّةَ وَطَلَبَ أَنْ يُفْسِدَ الْإِسْلَامَ كَمَا فَعَلَ بولص النَّصْرَانِيُّ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فِي إفْسَادِ دِينِ النَّصَارَى"[2].

ويقولُ في موضعٍ آخر: "فَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا يُقَالُ لَهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ) فَأَرَادَ بِذَلِكَ إفْسَادَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ (بولص) صَاحِبُ الرَّسَائِلِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى حَيْثُ ابْتَدَعَ لَهُمْ بِدَعًا أَفْسَدَ بِهَا دِينَهُمْ وَكَانَ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ النَّصْرَانِيَّةَ نِفَاقًا فَقَصَدَ إفْسَادَهَا وَكَذَلِكَ كَانَ (ابْنُ سَبَأٍ) يَهُودِيًّا فَقَصَدَ ذَلِكَ وَسَعَى فِي الْفِتْنَةِ لِقَصْدِ إفْسَادِ الْمِلَّةِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ" [3].

2- يَقولُ أحدُ كبارِ علماءِ الرافضةِ وهو (الكشيُّ) (ت340هـ) نقلاً عن بعضِ علمائهم: "ذَكرَ بعضُ أهلِ العلمِ أَنَّ عَبدَ الله بنَ سبأ كانَ يهودياً فأسلم، ووالى عَلياً عليه السلام، وكَانَ يقولُ و هُو على يَهوديتهِ في يُوشعِ بنِ نُونٍ وصيُّ موسى بالغلوِ، فَقَال في إِسلامهِ بعد وفاةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في عَليٍّ عليه السلام مثلُ ذلك، وكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَشْهرَ القَولَ بِفرضِ إِمامةِ عَليٍّ، وأظهرَ البراءةَ مِنْ أَعدائِه، وكَاشفَ مُخالفيهِ وأَكْفَرهم، فَمِنْ ها هنا قَالَ مَنْ خَالفَ الشيعةَ: أصلُ التشيعِ والرَّفضِ مأخوذٌ من اليهودية" [4].

3- يَقولُ المستشرقُ الألمانيُّ يوليوس فلهوزن: "ومنشأُ السبأيةِ يَرجعُ إلى زمانِ عليٍّ والحسنِ، وَتُنْسبُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سبأ، وَكَما يَتَّضحُ منْ اسمهِ الغريبِ فَإِنَّهُ كَانَ أَيضاً يَمنِيّاً، والواقعُ أَنَّهُ منَ العاصمةِ صنعاءَ، و يُقالُ أيضاً إِنَّهُ كَانَ يهَودياً، وهَذا يَقودُ إلى القولِ بأصلٍ يهودِيٍّ لفرقةِ السَّبأيةِ، والمسلمونَ يُطلقونَ اليهوديَّ عَلى ما ليسَ في الواقعِ، بَيْدَ أَنَّه يلوحُ أَنَّ مذهبَ الشِّيعةِ الَّذِي يُنسب إلى عبدِ الله بنِ سبأ أَنَّهُ مُؤسسه إنما يَرجعُ إلى اليهودِ أقربُ مِنْ أَنْ يَرجعَ إلى الإيرانيينَ" [5].

4- يقولُ المستشرقُ المجريُّ أجناس جولد تسيهر: "إِنَّ قواعدَ نظريةِ الإمامةِ، والفكرةَ الثيوقراطيةَ المناهضةَ لنظريةِ الحكمِ الدُّنيويةِ، وكذا الفكرةَ المهديةَ الَّتي أَدَّتْ إلى نظريةِ الإمامةِ، والَّتي تَجلَّتْ مَعالمها في الاعتقادِ بالرَّجعةِ ينبغي أَنْ نُرْجِعَها كُلَّها كما رأينا إلى المؤثِّراتِ اليهوديةِ والمسيحيةِ، كما أنَّ الإغراقَ في تَأليهِ عَليٍّ الَّذِي صَاغَهُ في مَبدأِ الأمرِ عبدُ الله بنُ سبأ، حَدَثَ ذلكَ في بيئةٍ ساميةٍ عَذراءَ لم تَكُنْ قَدْ تَسرَّبتْ إليها بعدُ الأفكارُ الآرِيَّةُ" [6].

الثانية: التَّشابهُ الكبيرُ بين العقيدةِ الرَّافضيةِ و الدِّيانةِ اليهوديةِ سواءٌ أكانَ ذلك في الأصولِ العقديةِ أو في الشَّرائعِ العمليةِ، وها هو ذا الإمامُ الشَّعبي يرحمه الله يَكشفُ الغطاءَ عَنْ هذه الحقيقةِ، فيما نَقَلَهُ عَنه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله في سياقِ حديثهِ عَنِ الرَّافضةِ؛ إذْ يَقولُ:

"وَلهذا كَانَ بينهم وبينَ اليهودِ مِنَ المشابهةِ في الخبثِ واتباعِ الهوى وغيرِ ذَلكَ مِنْ أخلاقِ اليهودِ ... وغيرِ ذلكَ، ومَا زَالَ النَّاسُ يَصفونهم بِذلكَ...

كَما رَوى أبو حفصِ بنُ شَاهين في كتابِ (اللَّطيف في السُّنة): حدَّثنا محمدُ بنُ أبي القاسمِ بنُ هارونَ حدَّثنا أحمدُ بنُ الوليدِ الواسطيُّ حدَّثني جعفرُ بنُ نصيرِ الطُّوسيُّ الواسطيُّ عَنْ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مالكِ بنِ مغولٍ عَنْ أبيهِ قَالَ: قالَ لي الشعبي: أُحَذِّرُكم هَذهِ الأهواءَ المضلِّةَ وشَرَّها الرَّافضةُ لم يَدْخلوا في الإسلامِ رَغبةٍ ولا رهبةٍ، ولكنْ مَقتاً لأهلِ الإسلامِ وبغياً عَليهم قَدْ حَرَّقَهم عَليٌّ رضي الله عنه بالنَّارِ، ونَفَاهُمْ إلى البلدانِ منهم عَبدُ الله ابنُ سبأ يهوديٌّ منْ يهودِ صنعاءَ نَفَاهُ إلى ساباط، وآيةُ ذَلكَ أَنَّ مِحنةَ الرَّافضةِ مِحنةُ اليهودِ: قَالتِ اليهودُ: لا يَصلحُ الملكُ إلا في آل دَاودَ، وَقَالتِ الرَّافضةُ: لا تَصلحُ الإمامةُ إلا في ولدِ عليٍّ، وقَالتِ اليهودُ: لا جِهادَ في سبيلِ اللهِ حَتَّى يَخرجَ المسيحُ الدَّجالُ، ويَنزلُ سيفٌ مِنَ السَّماءِ، وقَالتِ الرَّافضةُ: لا جِهادَ في سَبيلِ اللهِ حَتَّى يَخرجَ المهديُّ، ويُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ، واليهودُ يُؤَخِّرونَ الصَّلاةَ إلى اشتباكِ النُّجومِ وكَذلكَ الرَّافضةُ يُؤخِّرونَ المغربَ إلى اشتباكِ النُّجومِ...، واليهودُ تَزولُ عَنِ القبلةِ شَيئاً وكَذلكَ الرَّافضةُ، واليهودُ تَنودُ في الصَّلاةِ وكَذلكَ الرَّافضةُ، واليَهودُ تُسدلُ أَثْوابَها في الصَّلاةِ وَكَذلكَ الرَّافضةُ، واليهودُ لا يَرونَ على النِّساءِ عِدَّةً وَكَذلكَ الرَّافضةُ، واليهودُ حَرَّفُوا التَّوراةَ وكذلك الرَّافضة حَرَّفوا القرآنَ، وَكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ لا يَخلصونَ السَّلامَ على المؤمنينَ إِنَّما يَقولونَ السَّأمُ عَليكُم؛ والسَّأمُ الموتُ، وكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ لا يَأكلون الجري والمرماهى والذِّنابَ، وَكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ لا يَرونَ المسحَ على الخفينِ، وَكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ يَستحِلُّونَ أموالَ النَّاسِ كُلِّهم، وكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ تَسجدُ على قُرونِها في الصَّلاةِ، وكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ لا تَسجدُ حَتَّى تَخفقَ برؤوسِها مِراراً شِبه الرُّكوعِ، وَكَذلكَ الرَّافضةُ واليهودُ تُبغضُ جِبريلَ، وَيقولونَ هو عَدُّونا منَ الملائكةِ وكَذلكَ الرَّافضةُ يَقولونَ غَلطَ جِبريلُ بِالوحْيِ عَلى مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" [7].

وعلاوةً على ذلك؛ فإنَّ اليهودَ يَعتقدونَ أَنَّ هنالك مسيحاً يهودِيًّا سيخرجُ في آخرِ الزَّمانِ يحكمُ العالمَ بشريعةِ داودَ عليه السلام، ويُبْعثُ لَهُ وزراءُ مِنْ أصحابِ موسى ويُوشع بنُ نون، والرَّافضةُ تَعتقدُ كما اليهودُ أَنَّ مهديهم المنتظرَ المسردبَ في سِردابِ سامراءَ سوفَ يحكمُ بحكمِ داودَ ويُبْعثُ مَعَهُ وزراءُ مِنْ أصحابِ موسى ويُوشع بنُ نون.

كَما يَعتقدُ اليهودُ بجوازِ البداءِ على اللهِ تعالى، وهو أَنْ يَأمرَ اللهَ بأمرٍ ثُمَّ يبدو لهُ خطؤُهُ فيأمرَ بخلافهِ -تعالى اللهُ عَنْ ذلك عُلوًّا كبيراً-، والبداءُ على اللهِ يُشكِّلُ أصلاً مِنَ الأُصولِ العقديةِ لدى الرَّافضةِ قبَّحهم اللهُ.

يَقولُ الباحثُ (موسى الجار الله) بعد بحثٍ عميقٍ في أسفارِ اليهودِ وكتبِ الرافضةِ ومقارنةٍ بينهما: "فالبداءُ عقيدةٌ يهوديةٌ أَتتْ بها أسفارُ اليهودِ، وكتب العهد العتيق، منْ غيرِ أن يكونَ فيها مجالٌ لمجازٍ... ثُمَّ أُعِدَّتْ عقيدةُ البداءِ: عدوى الوباءِ مِنْ أسفارِ التَّوراةِ بألسنةِ الأئمةِ في قلوبِ الشَّيعةِ إلى كتبِ الشَّيعةِ؛ فترى فيها عقيدةَ البداءِ في أخبارٍ مستفيضةٍ، بمبالغاتٍ مسرفةٍ شيعيةٍ إماميةٍ لا يأتي بمثلها إلا إمامٌ مُفوَّضٌ منْ عندِ اللهِ" [8].

واليهودُ أَخزاهم اللهُ يَعتقدونَ بِما يُسمَّى بـِ(عقيدة الرَّجعةِ) الَّتي تعني أَنَّ لأنبيائهم وحاخاماتهم القدرةَ على إرجاعِ الحياةِ لِذواتهم بعدَ موتهم، وأَنَّ هذه الرَّجعةَ تكونُ في آخرِ الزَّمانِ؛ مِنْ أجلِ الانضمامِ إلى جيشِ مسيحهم المنتظرِ ونصرتهِ، وكذلكَ الرَّافضةُ تعتقدُ أَنَّ لأئمتهم القدرةَ على إرجاعِ الحياةِ لأنفسهم بعد أنْ يصيروا أمواتاً؛ كيما ينضموا إلى جيش مهديهم المنتظرِ في آخرِ الزَّمانِ.

يَقولُ الإمامُ الطَّبري رحمه الله: "عَنْ عَطيةَ عنْ يزيدَ الفقعسيِّ قالَ كانَ عبدُ الله بنُ سبأٍ يهودياً مِنْ أَهلِ صنعاءَ، أُمُّهُ سَوداءُ، فَأسلمَ زَمانَ عثمانَ، ثُمَّ تَنقَّلَ في بُلدانِ المسلمينَ يُحاولُ ضلالتهم؛ فَبدأَ بالحجازِ، ثُمَّ البصرةِ، ثُمَّ الكوفةِ، ثُمَّ الشَّامِ؛ فَلمْ يَقدرْ عَلى ما يُريدُ عِندَ أحدٍ مِنْ أَهلِ الشَّأمِ؛ فَأخرجُوه حَتَّى أَتى مِصرَ فاعتمرَ فيهم؛ فَقالَ لهم فيما يقولُ: لَعجبٌ مِمنْ يَزعمُ أَنَّ عيسى يَرجعُ ويُكذِّبُ بِأنَّ محمداً يَرجعُ، وَقَدْ قَالَ اللهَ عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85]، فَمحمَّدٌ أَحقُّ بِالرُّجوعِ منْ عِيسى، قَالَ فَقَبِلَ ذَلكَ عَنه، وَوَضَعَ لهم الرَّجعةَ فتَكلَّموا فيها"[9].

ويقولُ الإمامُ أبو الحسنِ الأشعري يرحمه الله: "السَّبائيةُ: أَصحابُ عبدِ الله بنِ سَبأ. يَزعمونَ أَنَّ عَلِيّاً لم يَمتْ، وَأَنَّهُ يَرجعُ إلى الدُّنيا قَبلَ يومِ القيامةِ فَيملأُ الأرضَ عَدلاً كما مُلِئتْ جَوراً" [10].

ويَعتقدُ اليهودُ أيضاً بِضرورةِ تنصيبِ وَصِيٍّ بعدَ النَّبيِّ، يَقومُ مَقامَهُ في إرشادِ النَّاسِ، وَ هَذا نَصٌّ مِنْ (سِفرِ العددِ) يُجلِّي هذهِ الحقيقةَ: "فَقالَ الرَّبُّ لموسى خُذْ يوشعَ بنَ نون رجلاً فيه روحٌ، وَضَعْ يَدكَ عليهِ، وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ العذارِ الكاهنِ، وقُدَّامَ كُلِّ الجماعةِ، وَأَوْصِهِ أمامَ أعينهم"[11].

وَالرَّافضةُ تَسيرُ في رِكابِهم، وتَنْسجُ على منوالهم، وتَحذو حَذْوهم حَذْو القُذَّةِ بالقُذَّةِ؛ إذْ تَعتقدُ أَنَّ عَلِيًّا وَصِيُّ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ تَسرَّبتْ هذهِ العقيدةُ الفاسدةُ إلى العقيدةِ الرَّافضيةِ بواسطةِ اليهوديِّ المجرمِ (عبدِ اللهِ بنِ سبأ).

يَقولُ الإمامُ الطَّبري رحمه الله: "إِنَّهُ كَانَ ألفُ نَبيٍّ، وَلكُلِّ نَبيٍّ وَصِيٌّ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَصِيَّ مُحمدٍ، ثُمَّ قَالَ مُحمدٌ خاتمُ الأنبياءِ وعَليٌّ خَاتمَ الأوصياءِ"[12].

وقَد نَقَلَ البغدادي رحمه الله أَنَّ الإمامَ الشَّعبي رحمه الله ذَكَرَ لأهل الكوفةِ "أَنَّهُ وَجَدَ في التَّوراةِ أَنَّ لكُلِّ نَبىٍّ وصياً، وأَنَّ عَلياًٍ وصِيُّ مُحمدٍ، وَأَنَّهُ خَيرُ الأوصياءِ كما أَنَّ مُحمداً خيرُ الأنبياءِ"[13].

وأَختمُ هذا المحورَ بكلمةٍ رائقةٍ لشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ حولَ الرَّافضةِ؛ حيثُ يَقولُ رحمه الله: "وَقَدْ أَشْبَهُوا الْيَهُودَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا سِيَّمَا السَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ؛ فَإِنَّهُمْ أَشْبَهُ بِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ: يُشَبِّهُونَهُمْ فِي دَعْوَى الْإِمَامَةِ فِي شَخْصٍ أَوْ بَطْنٍ بِعَيْنِهِ، وَالتَّكْذِيبِ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ بِحَقِّ غَيْرِهِ يَدْعُونَهُ، وَفِي اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ، أَوْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِ غَيْرِهِمْ"[14].

ثانياً: أثرُ الدِّيانةِ المجوسيةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ[15]:
أَمَّا أثرُ الدِّيانةِ المجوسيةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ؛ فإِنَّهُ واضحٌ ملموسٌ مِنْ خلالِ أربعةِ وجوهٍ:

الأَوَّلُ: أَنَّ الرَّافضةَ جعلوا الإمامةَ والزَّعامةَ في عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه وذريتهِ مِنْ بعدهِ؛ منْ منطلقِ التقديسِ لهم؛ كما هو الشَّأنُ في المجوسِ الفرسِ الَّذين عَاشوا ردحاً منَ الزمنِ تحت الحكمِ الوراثيِّ السَّاسانيِّ المقدَّسِ لديهم.

يَقولُ الشيخُ محمد أبو زهرةَ رحمه الله: "إنَّا نعتقدُ أنَّ الشيعةَ قد تأثَّروا بالأفكارِ الفَارسيةِ حولَ الملكِ والوراثةِ، والتَّشابهُ بينَ مَذهبِهم ونظامِ الملكِ الفارسيِّ واضحٌ، ويُزكِّي هذا أنَّ أكثرَ أهلِ فارسٍ مِنَ الشِّيعةِ، وأنَّ الشِّيعةَ الأوَّلينَ كانوا مِنْ فَارس"[16].

الثاني: تَعظيمُ أبي لؤلؤةَ المجوسيِّ أخزاهُ اللهُ قَاتِلِ أميرِ المؤمنينَ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه الَّذي أطفأَ اللهُ جل وعلا بهِ نارَ المجوسيةِ الكِسرويةِ؛ مِنْ حيثُ إِنَّهم يُطلقونَ عليهِ (بابا شجاع الدِّينِ)[17]، كما أَنَّهم عياذاً بالله يَعتبرونَ يومَ مقتلِ عُمرَ رضيَ الله عنه على يَدهِ بخنجرهِ المسمومِ عيداً مِنْ أعيادهم[18].

الثالث: احتفالُهم بِجملةٍ منَ الأعيادِ المجوسيةِ؛ وبخاصَّةٍ (عيد النيروز) [19].

الرَّابعُ: اعتقادُهم بِتحريم النَّارِ على كسرى قَاتَلهُ اللهُ؛ فَقدْ رَوَى المجلسيُّ عَنْ أَميرِ المؤمنينَ عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: "إنَّ اللهَ قَدْ خَلَّصَهُ -أَيْ كسرى- مِنَ النَّارِ، وَإنَّ النَّارَ مُحرَّمةٌ عليهِ"[20].

ثالثاً: أثرُ الدِّيانةِ النَّصرانيةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ [21]:
إِنَّ للدِّيانةِ النَّصرانيةِ أَثراً واضحاً في العقيدةِ الرَّافضيةِ، يتجلَّى ذلكَ في وجوهٍ عديدةٍ، لعلَّ أبرزها ما يلي:

1- في الدِّيانةِ النَّصرانيةِ غُلوٌّ شنيعٌ في حقِّ المسيحِ عيسى عليه السلام، وكذا في حقِّ رهبانِهم؛ حتى صاروا أرباباً منْ دونِ اللهِ، وقد سَرَى هذا الكفرُ المبينُ في العقيدةِ الرافضيةِ؛ إذْ رفعوا أئمتهم إلى درجةِ الربوبيةِ والألوهيةِ؛ نتيجةً لداءِ الغلوِّ المتوغِّلِ في أعماقِ نفوسهم.

يَقولُ الشهرستانيُّ في سياق حديثهِ عنِ الرَّافضة: "هَؤلاءِ هُم الَّذِينَ غَلُوا في حَقِّ أَئمتِهم حَتَّى أَخرجُوهم مِنْ حُدودِ الخليقيةِ، وَحَكَموا فيهم بأحكامِ الإلهيةِ فَرُبَّما شَبَّهوا واحداً مِنْ الأئمةِ بالإلهِ، ورُبَّما شَبَّهوا الإلهِ بالخلقِ، وهُم على طَرفي الغُلوِّ والتقصيرِ.

وَإنَّما نَشأتْ شُبهاتُهم مِنَ مَذاهبِ النَّصارى إذِ النَّصارى شَبهتِ الخلقَ بالخالقِ فَسرتْ هذه الشبهاتُ في أذهانِ الشِّيعةِ الغلاةِ حَتَّى حَكمتْ بأحكامِ الإلهيةِ في حَقِّ بعضِ الأئمةِ"[22].

ويقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: "وَلهذا كَانَ بينهم وبينَ اليهودِ مِنَ المشابهةِ في الخبثِ واتباعِ الهوى وغيرِ ذَلكَ مِنْ أخلاقِ اليهودِ وبينهم وبينَ النَّصارى مِنَ المشابهةِ في الغُلوِّ والجهلِ وغيرِ ذلكَ مِنْ أَخلاقِ النَّصارى ما أَشْبَهوا بهِ هُؤلاءِ مِنْ وَجهٍ وهَؤلاءِ مِنْ وجهٍ"[23].

2- ولايةُ الفقيهِ أصلٌ مِنْ الأصولِ العقديةِ في العقيدةِ الرَّافضيةِ، وقد نفذَتْ إليها بعد الغيبةِ الكبرى، وأخذتْ طابعاً عقائدياً في ظلِّ التَّمددِ الكبيرِ في عقيدةِ الإمامةِ، بحيثُ صارتْ منصباً إلهياً، أُنيط بالإمامِ، كخليفةٍ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأَنَّ الإمامَ القائمَ في اعتقادِ الرَّافضةِ غائبٌ يُنتظرُ لم ينفك عَنْ سلطتهِ الإلهيةِ بسببِ غيبتهِ؛ فَإِنَّ هَذهِ السُّلطةَ تَنتقلُ مِنه إلى نُوّابهِ، ولَمَّا كانَ النَّائبُ يَقومُ مَقامَ المنوبِ عنهُ على حدِّ اعتقادهم في كُلِّ شَيءٍ، لا غروَ بعدئذٍ أَنْ تَجدَ أئمةَ الرَّافضةِ المتسربلينَ بـِ(ولاية الفقيه) يُمارسونَ أبشعَ ألوانِ الظلمِ والبغي والفسادِ باسمِ (الحقِّ الإلهيِّ) المزعومِ هذا!!

والحقيقةُ أَنَّ ولايةَ الفقيهِ هي في أصلها التاريخيِّ البعيدِ عقيدةٌ حلوليةٌ نفذتْ في أغوارِ العقيدةِ الرَّافضيةِ عَنْ طريقِ الدِّيانةِ النَّصرانيةِ الَّتي تَزعمُ إفكاً وزوراً أَنَّ اللهَ تجسّد في المسيحِ عليه السلام، ومنْ ثَمَّ تجسّدَ في الحبرِ الأعظمِ -تعالى اللهُ عَمَّا يقول المجرمونَ عُلوًّا كبيراً-.

ومنْ هنا كانَ البابا في عَصرِ مَحاكمِ التَّفتيشِ يَحكمُ أوربا، ويقضي على النَّاسِ بالإعدامِ والحرقِ والسجنِ باسمِ السُّلطةِ الإلهيةِ المطلقةِ!!
____________________
[1] انظر: "أثر اليهود والنصارى والمجوس في التشيع": (ص/55، 59، 65، 68، 70، 71، 72، 73، 74، 77، 145، 155، 347، 372) للسيد أبي علي المرتضى بن سالم الهاشمي، و(بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود): (ص/182، 216، 258، 297، 334، 418، 486، 583، 618، 649) لعبد الله الجميلي، و(الشيعة والسنة): (ص/23-24) لإحسان إلهي ظهير، و"أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية": (ص/40) لسفر الحوالي، و(لله ثم للتاريخ): (ص/74) لحسين الموسوي.
[2] (مجموع الفتاوى): (28/483).
[3] (مجموع الفتاوى): (35/184).
[4] (رجال الكشي): (ص/71) للكشي، ونَقَلَ عبارة: "فَمِنْ ههنا قَالَ مَنْ خَالفَ الشيعةَ: أصل التشيعِ والرَّفضِ مأخوذٌ من اليهودية) غيرُ واحدٍ منْ علماءِ الرَّافضةِ؛ كالأشعري القمي (ت301هـ) في (المقالات والفرق): (ص/20)، والنوبختي(ت310هـ) في (فرق الشيعة): (ص/44)، والمامقاني(ت1351هـ) في (تنقيح المقال): (2/184).
[5] (الخوارج والشيعة): (ص/243-244) ليوليوس فلهوزن.
[6] (العقيدة والشريعة في الإسلام): (ص/229) لأجناس جولد تسيهر.
[7] (منهاج السنة): (1/22-27).
[8] (الوشيعة في نقد عقائد الشيعة): (ص/113-114) لموسى الجار الله.
[9] (تاريخ الطبري): (2/647).
[10] (مقالات الإسلاميين): (1/32).
[11] (الإصحاح السابع والعشرون)، فقرات (15-23).
[12] (تاريخ الطبري): (2/647).
[13] (الفرق بين الفرق): (ص/235) للبغدادي.
[14] (مجموع الفتاوى): (28/480).
[15] انظر: (أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية): (1/84-87) ناصر القفاري، و(أثر اليهود والنصارى والمجوس في التشيع): (ص/258، 259)، و(وجاء دور المجوس): (ص/61-63).
[16] (تاريخ المذاهب الإسلامية): (1/38) لمحمد أبو زهرة.
[17] انظر: (الكنى والألقاب): (2/55) لعباس القمي.
[18] انظر: (الأنوار النعمانية): (1/108).
[19] انظر: (بحار الأنوار): (98/419) للمجلسي.
[20] انظر: (بحار الأنوار): (41/4) للمجلسي.
[21] انظر: (أثر اليهود والنصارى والمجوس في التشيع): (ص/289-291)، و(العقيدة والشريعة في الإسلام): (ص/215)
[22] (الملل والنحل): (1/172) بتصرف.
[23] (منهاج السنة): (1/22-27).

المصدر: الكـاتب: النميري بن محمد الصبار
  • 7
  • 0
  • 7,128

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً