ديمقراطية جوانتانامو وحرية أبي غريب

منذ 2005-03-02
13/1/1426
22/02/2005
كل يوم تتكشف لنا ملامح جديدة من ملامح الديموقراطية الأمريكية، تلك الديمقراطية التي تتغنى بها الإدارة الأمريكية الحالية، وتدّعي أن الحرب في العراق وسيلة لا بد منها لإحلالها محل ديكتاتورية صدّام، هذا طبعًا بعد أن أصبح الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والتي قامت الحرب أصلاً لنـزعها، أكذوبة تجلب السخرية وتدين إدارة بوش وبلير وكل من سار في فلكهما.

الملمح الجديد الذي كشفته جريدة (نيويورك تايمز) أوسع الصحف الأمريكية انتشارًا يروي وقائع بشعة للتعذيب تعرض لها أحد المسلمين المتهمين بالإرهاب يُدعى ممدوح حبيب يحمل الجنسية الأسترالية على يد الجنود الأمريكيين في معتقل جوانتانامو، ومن يستطيع أن يكمل قراءة ما نشرته (النيويورك تايمز) من هذه الوقائع (دون أن يُصاب بالغثيان)، يدرك بجلاء أن أسلوب التعذيب المتبع في معتقل جوانتانامو لا يختلف حتى في أدق التفاصيل عما تكشف من قبل من وقائع تعذيب المواطنين العراقيين في سجن أبو غريب بالعراق، بدءًا من الاعتداءات الجنسية بممارسات شاذة، والصعق بالكهرباء والإيذاء البدني مرورًا بالإرهاب النفسي والتهديد، وصولاً إلى السخرية بالإسلام وتشويه قيمه وأخلاقياته ومبادئه والحطّ من هُويّة وكيان المسلمين!!

هذا الملمح يرشدنا إلى أن الديمقراطية الأمريكية التي يتشدقون بها لا تفرق بين المتهم بالتورط في أعمال إرهابية ضد الأمريكان أو غيرهم، وبين العراقي الذي يرفض أن يتجرع العلاج الديموقراطي الأمريكي رغمًا عنه، خوفًا من مرارته أو أن يكون سمًا يقتله أو مخدرًا يسلبه إرادته ويسلبه قبل ذلك وبعده ثروات بلاده وهويته العربية الإسلامية.

فالآلاف من العراقيين والمئات من المسلمين المعتقلين في جوانتانامو في نظر الإدارة الأمريكية وديموقراطيتها أعداء للمصالح الأمريكية، لا فرق بين المتهم بالإرهاب حتى وإن لم يثبت تورّطه، وبين الرافض للاحتلال الأمريكي لبلاده حتى وإن ثبتت وطنيّته وأعلن دوافعه.

فحين يتعلق الأمر بالمصالح الأمريكية لا مانع من أن يتم تجاهل حقوق الإنسان أو إهدار هذه الحقوق بما في ذلك حق أي متهم من المثول أمام القضاء، واحترام آدميّة الإنسان وعقيدته، هذا الإهدار الذي سبق ودفع عدداً من المعتقلين في جوانتانامو إلى محاولة جماعية للانتحار، وهو ذات الأمر الذي يعترف به الإسترالي المسلم ممدوح حبيب ذو الأصل المصري بقوله: "إن كل ما أراده في جوانتانامو هو أن يموت ليستريح من صنوف التعذيب التي تعرض لها".

قد يقول البعض ممن لا يريدون رؤية الديموقراطية الأمريكية على حقيقتها التي تكشفت في أبو غريب وجوانتانامو أن وقائع التعذيب هذه والتي روعت ضمير كل إنسان حر وسوي عندما نُشرت صورها في وسائل الإعلام- مجرد تصرّفات فردية لعسكريين أمريكيين غلاظ القلب قساة النفوس، ورغم أن اعترافات الجنود الأمريكيين، ومنهم مجندات في قضايا تعذيب الأسرى في أبو غريب، تؤكد أنهم تلقوا أوامر من قيادتهم بما قاموا به لانتـزاع اعترافات من الأسرى -نقول رغم ذلك- إن كانت هذه التصرفات البشعة فردية، لماذا تتكرر في "جوانتانامو" بعد فضيحة سجن أبو غريب؟ ولماذا تزدحم كتب التاريخ الحديث بقصص مماثلة وموثقة حول التعذيب الأمريكي للفيتناميين وقبلهم الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وغيرهم الكثير ممن اعتبرتهم الديموقراطية الأمريكية أعداء لها؟

ولنتساءل: ألا تتحمل الثقافة التي تروّجها الديموقراطية الأمريكية وتصريحات أبرز أعضاء الإدارة الأمريكية جزءًا من مسؤولية غلظة قلوب هؤلاء المنتسبين للمؤسسة العسكرية الأمريكية وعدائهم الصارخ للإسلام والمسلمين؟

إن الإجابة عن هذا السؤال، والتي تستند إلى وقائع حية تعترف بها وسائل الإعلام الأمريكية ويؤكدها صمت المسؤولين الأمريكيين كما في واقعة ممدوح حبيب أو تدعمها اعترافات الجنود المتورطين في قضايا تعذيب الأسرى كما في حالة سجناء أبو غريب -في العراق والموثقة في سجلات المحاكم الأمريكية- هي أن الديموقراطية الأمريكية تقبل التلون والتبدل إلى حد التنكّر لمبادئها وشعاراتها، إذا ما تعلق الأمر بالمصالح الأمريكية أو مصالح أصدقاء الأمريكان المبهورين بتفوق النموذج الديموقراطي الأمريكي دون أن ينتبهوا أنها ديموقراطية خادعة وإلا ما احتاجت لقوة السلاح لفرضها أو حمايتها.

ومقارنة بسيطة بين الممارسات الأمريكية، أو لنقل ممارسات العسكر الأمريكان في أبي غريب وجوانتانامو، وبين الممارسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة تصل بنا إلى نتيجة واحدة، وهي أن الديموقراطية الأمريكية تكاد تكون مرادفًا للاحتلال الإسرائيلي. ولا عجب في ذلك لأن ديموقراطية "جوانتانامو" هي التي تحمي قادة العصابات الصهيونية من أن يُحاكموا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وفي المقابل فإن الصهيونية العالمية هي التي تروج للديموقراطية الأمريكية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
المصدر: موقع الإسلام اليوم

محمد بن سعود البشر

أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض .

  • 1
  • 0
  • 14,434
  • nada

      منذ
    اناماا حصل فى سجن ابوغريب دليل على حقدوكرههم للسلام والمسلمين ولوانا هذا حصل فى دوله مسلمه لاقامت امريكا باحرب ضدها وحاكمت المتورطين فيهابدعوى انها لاتراعى حقوق الانسان انا ما ريته فى سجن ابوغريب شى لايعقل ان يفعله انسان ولكى تحس بمعانتهم تخيل انا شخص غالى على قلبك مكانهم.وكلمتى الى ضحايا سجن ا بو غريب اننى ولله حسيت بما عانيتم ولقد ذرفت عيناى حزنن عليكم وانى اعلم انهم فعلو بكم شى اعظم لم تبث فى وسائل الاعلام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً