الشعب يريد إعادة التأهيل

منذ 2012-07-26

لم يتغير الشعب بالدرجة الكافية والمطلوبة، فانعكس ذلك على واقعهم، فهلَّا تداركنا الأمر وأصلحنا الخلل، بأن نقرن بين تأهيل الشعب وتطويره، وبين إصلاح الواقع وتغييره.



إنه ذلك الشعار الذي أصبح رمزًا للثورات العربية: الشعب يريد إسقاط النظام.
شعار مختصر بليغ، ممتلئ بالمعاني، فهو من نوع الشعارات التي يرفعها الشعب دون أن يتوفر لكل شرائحه إدراك كامل لدلالاتها ومعانيها.

نعم الشعب يريد إسقاط النظام.. لكن هل يدرك الشعب أن النظام لن يسقط بصورة كاملة ما لم تسقط دعائمه في داخل النفوس أولًا.

النظام السياسي -العربي- يعتمد في استقراره داخليًا على ثلاثة عوامل أساسية: الشرعية، القوة، تحييد المجتمع.


فلا بُدَّ للنظام من شرعية يسوغ بها حكمه، لكن هذه الشرعية لا يشترط أن تكون كاملة، أو حقيقية، هي مجرد بند في العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع: شرعية قانونية، دستورية، تقليدية، كاريزمية، ثورية، أو حتى شرعية الإنجاز.

أما القوة، فهي الأساس، وهي التي تعوض النقص في الشرعية، والمقصود بها قدرة النظام على ممارسة القمع ضد أي طرف أو فعل يهدد استقراره، وليس استقرار المجتمع، من هنا اختزلت المهام الحقيقية لأجهزة أمن الدولة؛ لتصبح (أمن النظام) ثم تقلصت أكثر لتصبح (أمن الرئيس)..

أما تحييد المجتمع، فيعمل أثره في اتجاهين:
الأول: رسم خطوط حمراء للنشاط المعارض لا يتخطاها في اتجاه المجتمع، أو في اتجاه النظام، فمن المهم أن تبقى المعارضة حية، لكن فاقدة للسيطرة.

الثاني: تغييب العقل الجمعي، وإغراقه في مسارات متعرجة، وتدميره ثقافيًا وفكريًا، وتحطيم القواعد الاجتماعية والأخلاقية، وإشاعة فوضى ممنهجة في كافة المجالات، حتى لا يستقيم للمجتمع عود، ولا يرقى للتفكير خارج إطار متطلبات الحياة اليومية والمعيشية.


قامت الثورة في مصر، فسقط رأس النظام، وفقد شرعيته، ثم ضعفت قوته -أي النظام- وتلاشت الخطوط الحمراء أمام القوى المعارضة، وبقي فقط تأثير عامل وحيد، هو: العقل الجمعي المغيَّب.

تحــركت القــوى السياسية -وفي مقدمتهم الإسلاميون- بناء على افتراض -تبين خطؤه- أن الشعب الذي أسقط النظام في الواقع، سوف يُسقط بقاياه داخل النفوس، وأن مشاركة الملايين في الثورة، تعني أن الشعب كلَّه يؤيد الثورة وتداعياتها.


من نتائج هذه الفرضية، أنه لا أحد أبدى اهتمامًا واضحًا بإعادة تأهيل الشعب، وإزالة رواسب ثلاثين عامًا من التشويه والتدمير الداخلي، فبقيت السلبيات والأمراض كما هي، ولنتخيل الأمر عن طريق هذا المثال الافتراضي:

أحد الأشخاص جاءه صديق فأخبره أنه تعرَّض لخسارة كبيرة نتج عنها فقد جميع ممتلكاته، فأصيب هذا الشخص بأزمة قلبية حادة، ثم تبين له لاحقًا أنه لا خسارة، وأن الأمر كان مجرد مزحة، فهل يتلاشى المرض بتلاشي سببه؟ طبعًا لا.. كذلك لا يمكن أن نتخيل زوال المرض الذي أصاب الشعب على مدى ثلاثين عامًا، بمجرد زوال مسببه، فهناك فرق بين زوال سبب المرض والشفاء من أعراضه.

تلك هي بعض المعاني التي يقدمها لنا التأمل في قول الله عزَّ وجلَّ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].

لم يتغير الشعب بالدرجة الكافية والمطلوبة، فانعكس ذلك على واقعهم، فهلَّا تداركنا الأمر وأصلحنا الخلل، بأن نقرن بين تأهيل الشعب وتطويره، وبين إصلاح الواقع وتغييره.



أحمد فهمي
26/07/33 هـ

مجلة البيان العدد 300 شعبان 1433هـ، يوليو 2012م.
 
  • 0
  • 0
  • 1,316

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً