الرئاسة المصرية في شباك الفخاخ الإعلامية
بقلم /علا محمود سامي
على الرغم من أن مؤسسة الرئاسة المصرية كان ينظر لها إبان النظام السابق على أنها الخط الأحمر الذي يمنع الاقتراب منه، أو إثارة الشبهات حولها، إلا أنه في ظل السيولة الثورية التي تعيشها البلاد حاليا يبدو المشهد مغايرا تماما، خاصة مع تولي أول رئيس جديد للبلاد بعد ثورة 25 يناير.
وفي أقل من أسبوع على تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة البلاد، ظهر أن مؤسسة الرئاسة أصبحت صيدا سهلا لشباك إعلامية مختلفة، وكأنه أريد لها أن يكون التعامل معها على غرار الحالة الثورية في الشارع المصري للدرجة التي جعلت البعض يتندر بأن مهمة المؤسسة الرئاسية حاليا هي نفي ما يتم التصريح به، بعدما كانت إدارة المؤسسة إبان النظام السابق موصوفة بالتكتم الرسمي عما يشهده المجتمع المصري.
هذا التندر لم يكن من فراغ في ظل الأخبار التي تنسب إلى المؤسسة ويتم لاحقها نفيها من قبل المتحدث المؤقت، الذي كان أحد أعضاء حملة مرسي الانتخابية، حتى أصبح يصدر في اليوم الواحد أكثر من تصريح صحفي منسوب إليها، وهو ما يقابله نفي على وجه السرعة، وهي محصلة فترة زمنية لم تتجاوز أسبوعا منذ استلام مرسي منصبه رسميا.
هذه الحالة جعلت المؤسسة بمثابة صيد سهل لشباك الفخاخ الإعلامية، والتي تسيطر عليها قوى ليبيرالية بالية، وأخرى من أذناب بقايا النظام المخلوع، في ظل حالة الانفلات الإعلامي الذي تعيشه مصر، استنادًا إلى السيولة الثورية منذ أحداث 25 يناير، وكأن الانفلات الأمني أصبح ممتدًا ليشمل أجهزة ووسائل الإعلام، ما جعل المتلقي المصري أمام جملة من التناقضات، خلاف حالات فقدان الثقة، واتساع الفجوة بين المواطن والنخبة.
وفي خلال أقل من أسبوع نسب إلى مؤسسة الرئاسة العديد من التصريحات والأخبار، التي أحيانا يتم نقلها عن المتحدث الرسمي باسم المؤسسة، ليصدر تاليا نفي هذه الأنباء، خلاف ما قد ينسب إلى الرئيس نفسه، ثم سرعان ما تصدر المؤسسة بيانا بنفي هذه التصريحات وعدم صحتها، على نحو ما حدث من مزاعم لوكالة فارس الإيرانية بإدلاء مرسي بتصريحات لها ليصدر المتحدث نفيا لصحة هذه التصريحات، عدا ما صرحت به زوجة المحامي المصري الموقوف بالسعودية بأن الرئيس أبلغها اتصاله بولي العهد السعودي للإفراج عن زوجها وأنه سيشمله العفو الملكي في شهر رمضان المقبل، لتصدر الرئاسة تصريحات بعد ذلك بعدم صحة مثل هذه التصريحات.
خلاف ما سبق فقد سبق أن كانت المؤسسة صيدًا أيضا لوسائل الإعلام الإسرائيلية التي زعمت أنباء عدة حول اتصالات هاتفية شملت مرسي ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو ودعوة الأخير لمباحثات مباشرة، وهو ما نفته مؤسسة الرئاسة أيضًا، مؤكدةً أن البرقية التي تلقتها كانت للتهنئة فقط بفوز مرسي، وأن وزارة الخارجية هي من قامت بالرد عليها، وفقا لما يؤمن به مرسي من دولة المؤسسات.
حالة الانفلات الإعلامي الذي جاء انعكاسا للسيولة الثورية في الشارع المصري يعلق عليها أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، د.سليمان صالح، بأنه من الضروري ألا تنساق أجهزة الإعلام إلى كل ما يصدر من تصريحات دون تدقيق حتى لا تفقد مصداقيتها أمام متلقيها، سواء كانت وسيلة مطبوعة أو مرئية لتقوم بتوثيق ما تم عن الغير، محذرًا من خطورة استمرار حالة الإعلام المصري على هذه الحالة من الانفلات (الأمر الذي يهدد مستقبله بالأساس).
ولا يخفى حجم رأس المال الذي تم توجيهه لإطلاق فضائيات بعد ثورة 25 يناير من قبل بقايا النظام القديم، (وهي الفضائيات التي لا يراد منها للثورة أن تنجح، أو أن يؤدي الرئيس مهامه على الوجه المطلوب، لتبدو مؤسسة الرئاسة عاجزة عن حل مشاكل المصريين، فضلا عن إثارة اللغط حولها، ما يستدعي ضرورة الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية، وتفعيل القانون على كل من يخالف هذه المواثيق، حتى لا تصبح مؤسسات الدولة، وليست مؤسسة الرئاسة وحدها، ضحية لحالات الانفلات الإعلامي).
ومؤخرا أعلنت فضائيات الفتنة والفلول عن وجهها عندما أصدر الرئيس مرسي قراراه بسحب القرار السابق بحل مجلس الشعب منتصف الشهر الماضي، وإعادة البرلمان إلى الانعقاد، وهو ما جعل مثل هذه الفضائيات تطلق مواخيرها محذرة من القرار وتداعياته، وأنه سيُدخِل البلاد في أزمة دستورية وقانونية، متجاهلين حق الرئيس المنتخب من أكثر من 13 مليون ناخب أن يصدر مثل هذا القرار، فيما كانوا ينحازون لقرار أصدرته مؤسسة فوَّضها شخص واحد لإدارة شئون البلاد، هو المخلوع حسني مبارك، ولم يفوضها وقتها الشعب، ما يؤكد أن كل هذه فزاعات يروج لها إعلام الفتنة والفلول، بغية إثارة المصريين ضد الرئيس المنتخب من شعبه، وما يفعله الإعلام حاليا من محاولات لإفقاد مؤسسة الرئاسة لهيبتها عن هذا السياق ببعيد.
هذا الدور يقوم به من يعرفون بالمتحولين الذين يبحثون عن فضلات رجال الأعمال وأصحاب المصالح، غير عابئين بمبدأ، ولا يعرفون للحق فضلا، أو المنكر ردًا، سوى الكل فقط على فتات كل الموائد.
كل هذا يعكس الدور الذي تبثه مثل هذه القنوات، وكيف أصبحت بمثابة فخاخ إعلامية لمؤسسة الرئاسة، بعدما كان الرئيس وأسرته من الخطوط الحمراء، التي لا يقترب منها أحد، ولا يتحدثها عنها إلا من يتقرب من مؤسسة الرئاسة ، ليغدق عليه الرئيس بعضا من نظراته، أو قدحا من خزائنه، والتي اكتشف المصريون لاحقا أنهم هم أصحابها.
- التصنيف:
- المصدر: