(مرسي) و(قنديل).. هل ينجحان دون مواجهات حاسمة؟
أريد منه أن يكون صريحا بشأن دور العسكري الحالي في السلطة, وأن يبتعد عن الموائمة لأن الأمر ببساطة أخطر بكثير مما يعتقد فهم يريدون إفشاله وعزله وتفريغ الثورة من مضمونها وتشويه التيار الإسلامي كله ممثلا فيه..فهل سيتركهم أم يضع الشعب الذي اختاره أمام الحقيقة كاملة؟
بعيدا عن كل التوقعات التي رشحت العديد من الاسماء اختار الدكتور محمد مرسي أول رئيس لمصر بعد ثورة يناير, الدكتور هشام قنديل ليشكل الحكومة الجديدة بعد تأخير لم يكن مبررا على الإطلاق رغم كل ما قيل من أعذار, ولعل هذا التأخير هو أول الصعوبات التي وضعها الرئيس مرسي أمام قنديل لأن الدكتور مرسي وعد بإصلاحات معينة خلال 100 يوم ولم يكن من المتصور ـ وهو ما حدث ـ أن يتم انجاز هذه الوعود من خلال حكومة مترهلة وفاشلة مثل حكومة الجنزوري, وبالتالي أضاع الدكتور مرسي ما يقرب من شهر في البحث عن رئيس للوزراء ثم حتى يتم تشكيل الحكومة ويتولى الوزراء الجدد حقائبهم ويستوعوبوا تفاصيل المهام المكلفين بها أمامهم شهرا آخر على الاقل؛ فكم يتبقى على المائة يوم؟ خصوصا أن أعداء الإسلاميين وأعداء الثورة في لهفة شديدة حتى يكتبوا عن "فشل أول رئيس إسلامي" أو على الاقل "عدم وفائه بوعوده"...
أصعب ما يواجهه الرئيس مرسي وما سيواجهه قنديل أيضا هو "المجلس العسكري" أولا عند اختيار الوزراء وفيما بعد عند تنفيذ السياسات المختلفة, لا يمكن أن نصدق أبدا أن المجلس العسكري لا يتدخل أو لا يريد التدخل في اختيار الوزراء السياديين مثل وزير الخارجية والداخلية والإعلام ـ إن وجد ـ ناهيك عن وزارة الدفاع ويمكن أيضا بعض الوزارات الاخرى مثل التعليم والثقافة والاوقاف والتي سيطلب على الاقل إبعادها عن الإسلاميين, المجلس العسكري يبدو الآن كحامي للعلمانية في مصر مثل الجيش التركي والعجيب أن التيارات الليبرالية واليسارية التي كانت تنتقده ظنا منها أنه يحابي الاسلاميين فتحت معه الآن طرقا ومعابر وأصبحت تستنجد به أمام ما يسمونه "هجمة الإسلاميين ومحاولتهم اختطاف مصر" ويظهر ذلك جليا في كلامهم عن اللجنة التأسيسية وعملها القائم الآن في كتابة الدستور والقضية المرفوعة بشأن بطلانها ومطالبتهم للمجلس بتشكيل لجنة "تمثل المجتمع المصري كله" ـ بحسب دعواهم ـ وطبعا المقصد أن تمثل جميع التيارات العلمانية ويوضع الإسلاميون على الهامش كتيار وحيد وكأنه لا يمثل 70 في المائة من الشعب كما أوضحته أول انتخابات نزيهة تشهدها البلاد منذ 60 عاما...
من الصعوبات كذلك التي سيواجهها قنديل الموائمة بين التيارات السياسية عند تشكيل الوزارة وعند تنفيذ السياسات فكل وزير سيتم وضعه في خانة حزب ما أو تيار ما حتى ولو لم يكن ينتمي إليه مثل ما حدث معه تماما فهو لمجرد أنه متدين تم وضعه في "خانة الإخوان" وكأن مصر كتب عليها أن يتولى أمرها من لا يعرف من أمر دينه شيئا..حالة التربص بالوزارة واصطياد الاخطاء لها من قبل الكتاب والإعلاميين العلمانيين المناوئين بشدة للتيار الإسلامي والذين يسيطرون منذ العهد البائد على مواقع ومنافذ إعلامية عديدة سيشكل عقبة رئيسية خصوصا مع حالة الاحباط التي يعيشها الشعب, والاهم من ذلك الطابور الخامس من المسؤولين والموظفين ورجال الاعمال المنتفعين من النظام السابق والمنتشرين في العديد من المواقع وبعضهم غير ولاءه إلى المجلس العسكري ويعتبر أن المرحلة الحالية هي مرحلة صراع على السلطة يجب أن تحسم لصالح المجلس أو للتيار الذي يمثله المجلس وهو تيار قريب من النظام السابق على شاكلة أحمد شفيق وعمر سليمان وغيرهما ...
الرئيس مرسي ومعه رئيس الوزراء الجديد هشام قنديل لا يواجهان أزمات الشعب المتوارثة منذ عشرات السنين والتي زادت بفعل حكومات المجلس العسكري خلال السنة والنصف الماضية فحسب ولكن يواجهان أيضا تيارات علمانية لا يهمها إلا مصلحتها فقط ولو ينهار الوطن طوبة طوبة, كما يواجهان المجلس العسكري الذي يرى أنه حارس لما يعرف "بمدنية الدولة" والمقصود بها علمانيتها وابتعادها عن الدين فيما عدا القشور التي كانت الانظمة السابقة تضحك بها على الشعب, كما يواجهان القضاء الذي يتحالف مع المجلس العسكري والعلمانيين من أجل مواجهة المد الإسلامي مستخدما القوانين المطاطية, والذي خرج واحد منهم ليهدد رئيس الدولة إذا ما تجرأ وغيّر وزير العدل..ما هذا العبث؟ وهل كان يجرؤ على فعل ذلك مع الرئيس المخلوع الذي يقضي عقوبة المؤبد الآن؟!
الكمين المنصوب الآن للدكتور مرسي والدكتور قنديل متعدد الأذرع والحل الوحيد كما أراه حتى يفوتا الفرصة على المناوئين أن يتحليا بالشجاعة الكاملة في مواجهة الجميع وأن يحصلا على صلاحيات كاملة في اختيار جميع الوزراء و في السياسات وإذا لم يحدث يخرجا أمام الشعب ويشرحا له جميع الحقائق.. أنا أريد من الرئيس مرسي أن يوضح لنا بالضبط لماذا تأخر في اختيار رئيس الوزراء حتى وضعه في هذا المأزق؟ وما هي الضغوط التي تعرض لها وتحدث عنها القيادي الإخواني البارز عصام العريان؟ كما أريد منه اتخاذ خطوات جادة وصارمة لإصلاح القضاء دون تأخير وأن يقوم بواجباته كرئيس في هذا الصدد.
كما أريد منه أن يكون صريحا بشأن دور العسكري الحالي في السلطة, وأن يبتعد عن الموائمة لأن الأمر ببساطة أخطر بكثير مما يعتقد فهم يريدون إفشاله وعزله وتفريغ الثورة من مضمونها وتشويه التيار الإسلامي كله ممثلا فيه..فهل سيتركهم أم يضع الشعب الذي اختاره أمام الحقيقة كاملة؟
خالد مصطفى - 9/9/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: