لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات؟

منذ 2012-08-02

كيف يتعامل الليبرالي مع المرأة الليبرالية؟ كيف ينظر إليها؟ بطبيعة الحال أمامنا تصريحات الكتّاب الليبراليين الرسمية والمستمرة بأنه يجب النظر إلى المرأة باعتبارها إنسان، وكيان يجب احترامه، لا النظر إليها باعتبارها محلاً للشهوة والفتنة.


الحمدلله وبعد،
كيف يتعامل الليبرالي مع المرأة الليبرالية؟ كيف ينظر إليها؟ بطبيعة الحال أمامنا تصريحات الكتّاب الليبراليين الرسمية والمستمرة بأنه يجب النظر إلى المرأة باعتبارها إنسان، وكيان يجب احترامه، لا النظر إليها باعتبارها محلاً للشهوة والفتنة، وهناك ما هو أكثر من التصريح وهو أن الليبراليين يمارسون التعيير والإدانة المتكررة للناس وللمجتمع بأنهم ينظرون للمرأة نظرة جنسية، وأما هم -أي الليبراليين- فيتعاملون مع المرأة بمنظارٍ متسامٍ عن هذه النظرة الغريزية.

ويرى الليبراليون أن هذه الرؤية التي يحملونها هي (مبرر وجودهم) في الساحة الثقافية السعودية، فهم يعرضون أنفسهم كـ(مخلّص) للمرأة من براثن مجتمع يريد أن يضعها فوق سرير الجنس.

هذا هو ما يقوله الليبراليون عن أنفسهم، لكن.. هل تكفي يا ترى التصريحات المعلنة؟ هل هذا كل شيء؟
الواقع أن الصورة كانت غامضة نوعاً ما في بواكير الخطاب الليبرالي، لكن في الفترة الأخيرة تسربت شهادات متكاثرة من الداخل الليبرالي نفسه تكشف أن كل ما كان يقال لم يكن إلا (بيع كلام)، وأنه شعارات ترمى للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن الصورة كانت أكثر قتامة أخلاقية مما يتوقع المرتابون.

دعونا نتصفح شيئاً من هذه الشهادات الداخلية، إحدى هذه الشهادات أدلى بها الكاتب (منصور النقيدان)، وتأتي أهمية هذه الشهادة من عنصرين، أولهما أن الكاتب منصور النقيدان يتمتع بعضوية النادي الليبرالي، وفي نفس الوقت له خصومة تاريخية معروفة مع التيار الإسلامي؛ وبالتالي فيستحيل بأي وجه من الوجوه أن يكون النقيدان في محل تهمة بالتجني على الليبراليين، وأما العنصر الثاني لأهمية هذه الشهادة فهي أن النقيدان كشف معاناة فتيات ليبراليات كن يتصلن به ويخبرنه بما يجدنه من لا أخلاقيات الليبراليين.

أدلى النقيدان بهذه الشهادة في لقاء تلفزيوني على قناة الحرة، حيث يقول النقيدان فيه:
"ربما مع الأسف كثير ممن ينظر إليهم على أنهم مثقفين، وأصحاب رؤية واعية وراقية، ومتحررون، يعانون من هذه المشكلة الكبيرة مع المرأة، كثيرات يشتكين أن كثيراً منهم يريد أن ينام معها، يريد أن يصاحبها، يريد أن يصادقها، ولكنه يفاجئها يوماً ما بأنه لا يستطيع أن يتزوج بها، وهو نفسه في كتاباته، وفي حديثه، وحتى في ظهوره الإعلامي، يتحدث عن حقوق المرأة، وتحرير المرأة، وأنا تفاجأت فعلاً أن أكثر من زميلة من الزميلات يتحدثن عن آخرين ممن ينظر إلى شجاعتهم في الحديث عن المرأة، لكنهم يتحدثون مع زوجاتهم ومع الأخريات بشكل متخلف مع الأسف الشديد، أنا أتفهم شخصاً يفتي بثلاثة آلاف فتوى كلها تحاصر المرأة من ضفيرتها إلى ظفرها، أتفهم كيف أن مثل هذا الشخص ينظر إلى المرأة بمنظار أسود، لكني لا أتفهم شخصاً يدعو إلى تحرر المرأة، يدعو إلى تحريرها، يقف مع حقوقها؛ ثم ينظر إليها بمنظار مزدوج، يريد أن يصل منها إلى لذته ثم ينبذها ويبحث عن بنت قبيلته" (لقاء تلفزيوني مع منصور النقيدان، برنامج حديث الخليج، قناة الحرة، يونيو 2009م).

لاحظ ها هنا أن هذه ليست توقعات من ناقد خارجي، بل هذه وقائع ترويها فتيات، يصرحن بأن ثمة رموز ليبرالية، لهم حضور إعلامي، يتحدثون عن تحرير المرأة، لكن إذا وصلت الأمور إلى التعامل المباشر، وأطفئت كاميرات الإعلام؛ تحول الأمر إلى محاولة -كما يروي النقيدان- أن ينام معها ويحصل لذته ثم يبحث عن بنت قبيلته للزواج!

والله كلما قرأت هذا النص شعرت بالغبن يحرقني من خسة اللؤم والدناءة.. ومكثت مرة أتساءل: ما الذي يدفع الليبرالي لممارسة هذه الازدواجية؟ ويبدو لي أن هذا الليبرالي قام بحساب المعادلة حسبةً بسيطة، فكأنه يقول: هذه الفتاة التي قبلت أن تتبسط معي بالحديث وأنا أجنبي عنها، وقبلت أن تخرج معي؛ انهارت الثقة بها، ولا يمكن أن آمن أن تتبسط مع غيري وتخرج معه بعد أن أتزوج بها..

حسناً دعنا نواصل مع شهادات أخرى، هذه الروائية (أميرة القحطاني) والتي سبق أن أصدرت رواية بعنوان (فتنة)، وكان للرواية صدى في الصحافة السعودية، وتقول هي عن نفسها: "كتّابي وشعرائي كثر لكنني نشأت على حب اثنين: عبد الرحمن منيف، ونزار قباني"، المهم أن هذه الروائية سبق أن سجلت شهادة أليمة، ونشرتها في صحيفة الجزيرة، حيث تقول:
"عندما اقتربت من هذا الوسط الثقافي، وتعاملت من بعض المثقفين فيه؛ اكتشفت أنني عشت كذبة كبيرة، وأنا هنا لا أعمم فهناك من يعمل في هذا الوسط ويملك أخلاقاً نبيلة، ولكن الكفة الأخرى كانت هي الأثقل وهي الأعم، للأسف أقولها وأنا أحترق ألماً على عالمي الذي خلته جنةً من جنات الدنيا، هذا العالم الذي يحمل الكذابين والمنافقين والوصوليين و(النسونجيين)، وهذه الكلمة وحدها كارثة.." (مقالة بعنوان: مع الاعتذار للمثقفين المحترمين، صحيفة الجزيرة الثقافية، الاثنين 3/11/2008).

في النص السابق توضح الروائية (أميرة القحطاني) لحظة صدمتها بالانحطاط الأخلاقي في الداخل الليبرالي، واكتشافها الأليم لانتشار ظاهرة (الليبرالي النسونجي)، ثم تواصل الكاتبة (أميرة) بعض القصص حول هؤلاء الليبراليين النسونجيين، والتي حدثت لها حين كانت تكتب في مجلة ليبرالية شهيرة، فتقول:
"وعلى طاري النسونجيين إليكم هذه القصة القصيرة لمثقف نسونجي تخطى الستين عاماً، هذه القصة جرت معي عندما كنت اكتب في إيلاف، فقد تحدثت مع كاتب وصاحب مؤلفات لإجراء لقاء صحفي معه، وقبل إجراء الحوار -الذي لم يتم- دار بيني وبينه حديث حول الكتابة والنجاح والفشل، فقال لي حرفياً: "أنا أستطيع أن اجعل من الإنسانة العادية كاتبة كبيرة!" فقلت له وأنا في دهشة مما أسمع: الكتابة موهبة لا تصنع ولا تمنح، فقال لي بكل ثقة: "أنا جعلت من إنسانة عادية كاتبة كبيرة وقد أصبحت الآن مشهورة لكنها تنكرت لي عندما اشتهرت"، وعرفت من خلال حديثه أنه كان يريد ثمناً لذلك التوجيه الذي يقول أنه قدمه لتلك الكاتبة، وطبعاً عرض علي المساعدة (بشرط) أن يكون هناك ثمن لهذه المساعدة التي لم أطلبها منه أساساً، ودون أن أدخل معه في تفاصيل، وقبل أن أنهي معه مكالمتي سألته: هل هناك مثقفات يتعاملن معه ويتقبلن هذا الأسلوب في التعامل؟ قال وبصوت عالٍ جداً: (طبعاً)!، وأريد أن أنوه فقط بأن هذا الرجل لم يكن يخجل من الإفصاح عن رغبته، بل كان يتحدث بكل ثقة، وكأن نساء العالم كلهن ساقطات!" (مقالة بعنوان: مع الاعتذار للمثقفين المحترمين، أميرة القحطاني، صحيفة الجزيرة الثقافية، الاثنين 3/11/2008).

الواقع أن هذه القصة التي ذكرتها الروائية أميرة القحطاني تكشف جزءاً من اللعبة، وهو طبيعة الثمن الذي يقدمه بعض الليبراليين للمستغفلات من الليبراليات، وهو مساعدتها في الوصول للشهرة الإعلامية ولكن بمقابل (لا أخلاقي).

الطريف أن هذه المقالة لما صدرت أربكت الداخل الليبرالي حينها، وواجهت الكاتبة حملة من الضغوط الليبرالية والاتهامات الساخنة، ولذلك أعقبتها الكاتبة بمقالة أخرى ترد فيها على نقادها كانت بعنوان (مع الاعتذار لبعض المثقفين مرةً أخرى) وبدأتها بقولها: "أثارت مقالتي السابقة المعنونة بـ(مع الاعتذار للمثقفين المحترمين) حفيظة بعض الكتاب في المنتديات، خصوصاً بعض الذكور الذين يتوارون خلف أسماء نسائية،.." ثم واصلت الإجابة عن نقد ليبراليي المنتديات لها.

وفي عام 2008م أصدرت الروائية السعودية (سمر المقرن) رواية بعنوان (نساء المنكر) مكرسة لتشويه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الطريف أن الرواية منعت من دخول الكويت وأخذت صدى في الصحافة السعودية، وبعد هذه الضجة قام الإعلامي العماني خالد العلوي بإجراء حوار مع الروائية سمر المقرن، ونشر هذا الحوار في صحيفة الصوت الكويتية، ولكن الحوار تضمن في الحقيقة شهادة فاجأت الجميع، تقول سمر المقرن:

"الليبراليين في السعودية يتمسحون بالليبرالية وهم أبعد ما يكون عنها، فالليبرالية تعني الحرية وتعني الانفتاح، لكنهم ينظرون إلى الليبرالية من الجانب التنظيري فقط، فعلى أرض الواقع كل تلك التنظيرات تتبخر وتعد كلاماً على ورق، كما أنهم ينظرون إلى المرأة باعتبارها ماكينة تفريخ، أو أنها وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وينظرون لها نظرة لا أخلاقية" (حوار مع سمر المقرن، جريدة الصوت الكويتية، أجرى الحوار خالد العلوي).

سمر المقرن ممن اغتر بشعارات الليبراليين السعوديين، وكتبت روايتها على أساس المفاهيم التي تلقتها منهم، ولكنها حين احتكت فعلياً بهذا الوسط الليبرالي اكتشفت كما تقول سمر أن الليبراليين يريدون المرأة (وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وتتبخر تنظيراتهم السابقة في الهواء)!، أي أنهم لا يقبلون بها زوجة لأنهم لا يثقون بها، وهذا الكلام ليس كلام شيخٍ في مركز صيفي، بل هو كلام روائية ليبرالية اكتشفت الواقع المر وأطلقت آهتها على صفحات الصحف!

وهذه الكاتبة الليبرالية المتطرفة (نادين البدير)، سبق أن كتبت شهادةً عن لا أخلاقيات الداخل الليبرالي، ونشرتها في صحيفة الوطن، تقول الكاتبة نادين:
"من السهل الكشف عن أولئك الذين يدعون الليبرالية دون أن يؤمنوا بها أو يطبقوها على أنفسهم، فحياتهم الخاصة مليئة بالمفاجآت التي تعكس ازدواجية الشخصية، هناك الليبرالي الذي ينادي بخروج المرأة واختلاطها بالرجل، مطالبة واقعية ومنطقية ومفرحة، لكن لنسأله: أين زوجتك أو زوجاتك؟ أين أخواتك؟ أين بناتك؟ هل يخرجن فعلاً ويختلطن بالرجال؟ أين نساء عائلتك عن الندوات التي تعقدها مع غيرك من المثقفين؟ لمن إذاً توجه دعوات التمرد؟ إنها لنساء الغير، لزوجات الغير، وبنات الغير" (مقالة بعنوان: الليبرالية السعودية: موضة أم نفاق؟، نادين البدير، صحيفة الوطن، 29ديسمبر2005).

تلاحظ في هذه العبارة التي تقولها نادين (الليبرالي يوجه دعوات التمرد لنساء الغير) أنها تختصر الانتهازية الليبرالية اللاأخلاقية، ودجل شعارات تحرير المرأة وحقوق المرأة التي يتستر بها بعض الكتبة الليبراليين، وأن كثيراً من الليبراليين يقول هذه الشعارات ليحصل على بغيته من نساء الغير، لكنه لا يرضى أن تكون هذه المرأة الليبرالية زوجةً له لأنه لا يثق بها.

هذه الشهادات السابقة لم تعد لوناً نافراً في لوحة متماسكة، بل هي مجرد إصبع واحد من أصابع اتهام كثيرة صارت تشهر في وجه الليبرالية السعودية، وتجد هذه الإدانات ما يزكيها في سلوكيات الليبراليين الشخصية، فقد فاحت روائح العلاقات غير المشروعة حتى زكمت الأنوف، وبعض الليبراليين أصحاب الفجاجة لم يعد يخجل من إعلان نظرته الجنسية للمرأة، فهذا الكاتب الليبرالي عبد الله بن بخيت كتب قبل ثلاثة أشهر مقالاً في صحيفة الرياض التي يرأس تحريرها تركي السديري، يفتخر فيه بأنه يحدّق في أجساد المارّات في المطارات ويقارن بين أجسادهن، يقول ابن بخيت:

"أحياناً تبرز من بين مفردات الوجه مفردة واحدة تتفرد بالجمال، نقول البنت هذه عليها عيون أو شفايف أو خدود، وإذا دققنا سنرى أن الأنف إما أن يخرب التركيبة أو يضفي عليها سطوة الجمال الذي تأخذك إلى جحيم المتعة، من عادتي إذا جلستُ أنتظر في مكان عام، مطار دولي مثلاً، لا أضيع وقتي بالهواجيس أو القراءة، أقيم مسابقة جمال فورية لكل النساء اللاتي يمررن أمامي، إذا نادى المذيع لصعود الطائرة أغلق باب القبول وأعلن النتيجة، أحياناً أدهش لماذا صارت أم فستان أحمر الاسكندنافية أو الهندية أو السعودية ملكة جمال مطار هيثرو أو دبي، أقلّبها في دماغي، أقارنها بمنافساتها اللاتي انتزعت اللقب منهن، أول اكتشاف أن لون البشرة لم يكن حاسماً، لأن منافساتها كن على ألوان مختلفة، سمراء وبيضاء وغامقة وحنطية.. الخ. ألاحظ أيضاً أن الطول لم يلعب دوراً كبيراً، المتنافسات اللاتي وصلن للأدوار النهائية مختلفات الأطوال، كما أن العمر لم يكن له تلك القيمة فالعشر الأوائل يقعن في مسافة عمرية تتفاوت من الأربعينيات إلى العشرينيات، من ناحية السمنة ألاحظ أن المتنافسات يبدأن من المربربة حتى النحيلة المغطاة بكمية كافية من الأنوثة.." (مقالة بعنوان: جمال المرأة، ابن بخيت، صحيفة الرياض، 15سبتمبر2010).

لاحظ أنه يعتبر (القراءة) مضيعة وقت، فيقول أنه لا يضيع وقته في القراءة وإنما يتفرس ويحدِّق في أجساد المارّات ويقارن بينهن، حسناً.. أين كلام الليبراليين الطويل والعريض أن المرأة إنسان، ويجب النظر إليها على أنها ذات رأي وعقل ودور اجتماعي؟! تبخرت هذه الشعارات وصار الليبرالي يقارن بين النساء (هذه سمينة وهذه نحيلة مغطاة بكمية كافية من الأنوثة)!

كنت وأنا أقرأ كلام ابن بخيت السابق أفكر في مشاعر زوجة ابن بخيت المسكينة لو وقعت عينها على هذا الكلام الذي يكتبه زوجها، وكيف يتبجح بأنه يتلذذ بإلصاق عينيه في النساء العابرات؟! افترض أنك نسيت حق الله في غض بصرك، فأين حق زوجتك المسكينة؟!

ربّاه .. وهل يلام الفقهاء في تحريم الاختلاط لتسلم نساء المسلمين من هذه العيون المريضة وأمثالها؟!
وفي العام 2004م وصلت إلى السعودية الصحفية الأمريكية (إليزابيث روبين)، وقامت بجولة واسعة في أرجاء السعودية، والتقت بعدد من الكتّاب الليبراليين وأخذت منهم تفاصيل مطولة عن حياتهم الشخصية ونقدهم للتيار الإسلامي في السعودية، وممن التقت بهم هذه الصحفية الأمريكية الكاتب الليبرالي (عبد الله ثابت) الذي كتب رواية (الإرهابي 20)، وقد أفصح عبد الله ثابت لهذه الصحفية بكل تبجح أنه يتمنى ممارسة العلاقات غير المشروعة بذات الطريقة البهيمية العبثية، وقد نشرت الصحفية إليزابيث تصريح عبد الله ثابت هذا في مجلة (نيويورك تايمز)، وهي مجلة أمريكية أسبوعية معروفة تُنشر ملحقة بعدد الأحد من صحيفة النيويورك تايمز، وتنشر فيها عادةً المقالات والتحقيقات المطولة، تقول الصحفية إليزابيث روبين في هذه المجلة:

"بينما كنا أنا وعبد الله ثابت نلتف حول جبال عسير ذات القمم الصخرية الحادّة؛ صادفنا على المنحدرات الصخرية مئات القردة من فصيلة البابون، وكانت تمارس الجنس وتستمني وتعوي وتضحك، تمهل عبد الله في سيره وأخذ يستمتع بحيويتها، ثم قال "أتمنى أن أعيش مثلها"، ثم واصل مسيره".
[NY Times Magazine, 7March2004].

والحقيقة أن أي قارئ سبق أن طالع أية مطالعة عابرة في المنتديات الإنترنيتية الليبرالية السعودية فلن يعوزه اكتشاف التأزم الغريزي لدى الشريحة الليبرالية، فالصور التعبيرية التي يضعها أعضاء هذه المنتديات تحت أسمائهم كثيرٌ منها صور لنساء في أوضاع إباحية ومخلة بالفطرة السليمة والذوق الراقي، ثم لا يجدون أية غضاضة في التظاهر بالحديث عن أن المرأة إنسان وليست محلاً للشهوة والفتنة، وأننا يجب أن لا ننظر للمرأة نظرة جنسية! وهل ينظر للمرأة نظرة جنسية أحدٌ سواكم؟!

وأشهد لله شهادةً يسألني عنها الرقيب الحسيب يوم الفزع الأكبر، أنني سبق أن جلست عدة مجالس مع رموز تغريبية معروفة على الساحة، وكانوا يتوصفون أجساد المذيعات ويقارنون بينهن على سبيل التشهي والتلذذ، ولما رأوا نفوري صرفوا حديثهم، ثم يخرجون على الناس في وسائل الإعلام ويتحدثون عن تحرير المرأة وأنها إنسان وليست محلاً للشهوة والفتنة، مساكين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9].

ومما يزيد الأمر خطورة أن هذا التوجه الليبرالي الشهواني المتستر بحقوق المرأة ليس مجرد كتابات متناثرة عابرة، بل هناك ريموتات خفية تعطي الضوء الأخضر من هنا وهناك، وتُساند وتُبارِك وتؤز، بل يصل الأمر إلى تدخل قوى خارجية كبرى بشكل يستبعده كثير من القراء غير المتابعين لهذا التيار، من يستطيع أن يتصور -مثلاً- أن الأمريكان قريبين، وقريبين جداً، إلى درجة المشاركة الفعلية في مؤتمرات تغريب المرأة؟! أنا شخصياً كنت أضحك ممن يقول هذا الكلام، لكن تفضل خذ هذه القصة المرعبة التي روتها الدكتورة الفاضلة نورة السعد في مقالةٍ لها نشرتها قبل أيام، تقول الدكتورة نورة:

"في عام 1423هـ وفي الفترة من "15-17ذو القعدة" كان احتفال الافتتاح في الليلة السابقة للافتتاح الرسمي لمنتدى جدة الاقتصادي، تحت رعاية حرم أمير المنطقة، وشاركنا بالحضور في القاعة التي كانت خاصة بالنساء فقط، ولكن عندما حضرنا في صبيحة اليوم التالي وجدنا أن الصالة واحدة بين الرجال والنساء، وهناك حاجز فقط، ولكن المشاركين في المنصة تستطيع النساء في الصفوف الأولى أن تشاهدهم وهم يشاهدونهن! سألت إحدى المسئولات عن التنظيم، وكانت أمريكية ترتدي بدلة لونها أزرق فاتح: لماذا هذا التنظيم الذي لم يكن بالسابق؟ قالت لي: نحن تعمدنا هذا حني نلغي الحاجز تدريجياً (gradually)، قلت لها: من قال لك أننا نريد إلغائه؟ أدركت المرأة إني لست ممن يرحبن بالاختلاط وإزالة الحاجز تدريجياً! فارتبكت قليلاً، ثم أشارت إلى امرأة أخرى بريطانية ترتدي بدلة لونها وردي وقالت لي: تلك المرأة هي المسئولة عن التنظيم, فذهبت إليها وسألتها السؤال نفسه، فنظرت لي طويلاً ثم قالت: "أنا لدي "تعليمات" بهذا التنظيمorders" (مقالة بعنوان: قضايا المرأة تحت مظلة منتدى جدة، د.نورة السعد، الخميس 30ديسمبر2010).

لاحظ كيف أن الموظفة الأمريكية والبريطانية لديهن (تعليمات) بمسلسل تدريجي لإلغاء الحاجز بين الرجال السعوديين والنساء السعوديات على أرض السعودية نفسها! يا ألطاف الله، كيف يصل الاختراق إلى هذه الدرجة؟!

ونتيجةً لهذه الصورة الأخلاقية المتعفنة للداخل الليبرالي؛ فإن كثيراً من المراقبين أطلقوا على الليبراليين السعوديين توصيفات طريفة، ومن هؤلاء الكاتب الوطني في صحيفة عكاظ الأستاذ "خالد السليمان" حيث يقول:
"المشروع الليبرالي ليس أكثر من مشروع أنثوي يبدأ بالمرأة، وينتهي بالمرأة، مروراً بالمرأة" (عكاظ، 26مايو2007).

ومن هؤلاء المراقبين -أيضاً- الكاتب الديمقراطي د.محمد الأحمري، حيث يقول عن الليبراليين السعوديين:
"مجموعات من الليبراليين فهمت الليبرالية على أنها "ليبرالية الجزء الأسفل من الإنسان" ولذلك -مثلاً- الروايات السعودية روايات جنسية، وطابع الانفتاح هو انفتاح في القضايا التافهة، وليس في قضايا من مصلحة الناس" (لقاء مع د.الأحمري، برنامج إضاءات، 9فبراير2009م).

ولكن هل يا ترى هذه النظرة الشهوانية المتسترة بتحرير المرأة خصيصة لليبرالية السعودية، أم أن الليبرالي العربي يعاني -أيضاً- من نفس المرض؟ أميل شخصياً إلى أن هذه عاهة عامة في غالب التغريبيين، وليست خاصة بالتغريبيين السعوديين فقط، فغالب التغريبيين يتحسر في الإعلام على تحرير وحقوق المرأة وإنسانية المرأة، وإذا جاء مستوى التعامل المباشر رفرفت الشعارات بعيداً بعيداً. خذ مثلاً بعض الأمثلة، فهذا المثقف اليساري الملتزم بوعلي ياسين، والذي قدم عدة دراسات اجتماعية للمجتمع السوري، وكان ضليعاً في تراث ماركس، يقدم شهادةً أخرى على التغريبي العربي، حيث يقول في كتابه عن أزمة المرأة شارحاً كيف لا يثق الليبرالي في المرأة الليبرالية، وأنه يريدها للمتعة فقط:
"الرجل المثقف في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب المرأة بأن تكون نداً للرجل ولكنه نادراً ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه أو الند له، إنه يقبلها صديقة، رفيقة، زميلة؛ لكنه يخافها ويبتعد عنها كزوجة.. إنه يريدها غرّة، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات" (أزمة المرأة في المجتمع الذكوري، بوعلي ياسين، ص89).

لاحظ هذا التصوير الذي يقدمه بوعلي ياسين الليبرالي السوري الذي يرفع شعار تحرير المرأة، إنه قريب جداً من الحالة الليبرالية السعودية، فهو يريد المرأة صديقة للمتعة لكنه لا يقبل بها زوجة!

وهذا المفكر المصري المعروف د.جلال أمين، يكشف عن نفسه وعن زملائه النظرة النسونجية للمرأة، وليس في الشارع ولا في السوق، بل وهو في موقع دكتور جامعي وأمام طالبات جامعيات يفترض أنهن يثقن فيه ويعتبرن العلاقة معه علاقةً علمية بحتة، حيث يقول في كتابه (ماذا علمتني الحياة؟):
"وكم ظلت رؤية وجه جميل لطالبة معينة أو أخرى، واستثارة تعبير الإعجاب منه؛ حافزاً إضافياً لديّ للذهاب بحماس لإلقاء المحاضرة، وقد اعترف لي مرة أستاذ مصري كبير بأن شيئاً كهذا هو الشيء الوحيد الذي يجعله يطيق مهمة التدريس أصلاً!" (ماذا علمتني الحياة؟، د.جلال أمين، ص287).

واخيبتاه إذا كانت هذه هي سلوكيات الأستاذ الجامعي!

حسناً .. أعتقد أن الشواهد والمعطيات السابقة كافية جداً لتزويدنا بمؤشرات في غاية الخطورة حول حجم التدهور الأخلاقي في الداخل الليبرالي والتغريبي، فالسؤال الآن: ما هي الثمرة من هذا التصور؟ وماذا يفيدنا تكلف فحص المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي؟

الحقيقة أن فحص وتحليل المعطيات حول الواقع الأخلاقي الليبرالي برغم أنها مؤذية لمشاعر المؤمن؛ إلا أنها مهمة جداً لتحقيق عدة استنتاجات وخلاصات، منها:

أن بعض الذين ينسبون أنفسهم للتجديد الإسلامي من المتصالحين مع المشروع التغريبي يتورطون في تدليس حقيقة الصراع مع التيار الليبرالي، وتراهم يكررون دوماً بأن الصراع مع التيار الليبرالي صراع مفتعل، وساذج، وحول قضايا تافهة، وأنه يدور حول مشاغل ليست من حاجات المجتمع الحقيقية، ونحو هذا الكلام، وهذا تلبيس فظيع على الناس، بل الصراع بين الإسلاميين وجمهور الليبراليين هو صراع بين الفضيلة والرذيلة، وليس هذا مجرد دعوى، بل هذا باعتراف وشهادة كثير ممن هم داخل التيار الليبرالي نفسه.

وهل حفظ الفضيلة في المجتمع المسلم، وحماية فتيات المسلمين من هذا المشروع الانحلالي المذهل؛ ليس من حاجات المسلم الحقيقية، يا لله العجب، وهل على المسلم شيء بعد التوحيد أغلى من الأعراض؟! ألا بئست تلك النفوس التي زهدت في حفظ أعراض المسلمات..

ومن أعجب الإشارات القرآنية إلى هذا التيار الانحلالي المفسد أن الله تعالى قابل بين إرادة الله التوبة، وإرادة هؤلاء المفسدين انتشار العلاقات غير المشروعة، وهذا تنبيه لطيف من الله تعالى أن ضد مراد أولئك من تشريعات الزكاء والطهر ما شرعها الله لنا إلا ليتوب علينا ويزكينا ويطهرنا، قال تعالى موضحاً هذه المقابلة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا} [النساء: 27].

وما رأيت أكثر مجازفة من هؤلاء المفسدين، فإن الله لم يكتف بالعقوبة الأخروية، بل حذرهم عقوبتين، عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، والدنيوية أعم من الحد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19] ويحك إنك لا تطيق عقوبة ملك من ملوك الأرض، فكيف تطيق عقوبة ملك الملوك في الدنيا والآخرة؟!

ومن أهم النتائج لاستيعاب الانحدار الأخلاقي في الداخل التغريبي أن الشاب المسلم حين يرى ذلك يرفع يديه بحمد الله وشكره والثناء عليه أن شرفه وذاده وجنّبه الدخول في هذه المستنقعات الليبرالية، فهذا كله فضل من الله وحده جل وعلا، كما أشار كتاب الله لذلك: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:21].

بل تأمل في قرب تأثير الشيطان لولا لطف الله بالعبد كما يقول تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً} [النساء: 83]
يا الله .. لاتبعنا الشيطان إلا قليلاً؟!

فكيف لو حجب الله التوفيق عن العبد؟! والحقيقة أن تأمّل هذا يوجب للعبد مزيد تعلق بالله، وشدة تفويض الأمور إليه، والبراءة من الاغترار بالقدرات الذاتية، فإن الله تعالى إن وكلك إلى نفسك فوالله لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلكت، كما أشار كتاب الله لهذه الحاجة المركوزة في فطر بني آدم إلى لله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

ففي القلوب صدع لا يرأبه إلا الإقبال على الله، وفي النفوس وحشة لا يطمئنها إلا ذكر الله والتعلق به {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

ومن أعظم ثمرات هذا التصفح للواقع الأخلاقي الليبرالي الأليم؛ أن فيه أمارة من أمارات نبوة محمد، وتصديقاً لخبره صلى الله عليه وسلم، فكلما رأيت شدة وانهماك التغريبيين في التركيز على (ملف المرأة) تعاظم يقيني بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق خبره، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء» (مسلم، 7124).

وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (البخاري: 5096).

ومن أعظم ثمرات اكتشاف تغرير الليبراليين بالفتيات السعوديات تحت شعارات تحرير المرأة وحقوق المرأة وعمل المرأة ونحوها؛ أننا يجب أن لا نقف متفرجين مكتوفي الأيدي، بل يجب أن نتحرك بكل ما في وسعنا لإنقاذ أكبر عدد يمكن إنقاذه من هؤلاء المستغفلات، وفي الداعيات والمثقفات الإسلاميات خير كبير، وهن الأمل -بعد الله- في تنفيذ هذه المهمة الإنقاذية بشكل إسعافي عاجل.

ومن نتائج الوعي بالمكر الليبرالي الخطير في ملف المرأة؛ معرفة فضل العلماء الربانيين المحتسبين الذين صاروا مرصاداً لهؤلاء المفسدين، وعامة علمائنا ولله الحمد لهم جهود مشكورة في تعليم الناس الفضيلة وتحذيرهم من مخططات هؤلاء المفسدين، ولكن الأحداث الأخيرة أظهرت إمامين اختصا بجهاد لا يكل ولا يفتر، وهما الإمامان عبد الرحمن البراك وعبد المحسن العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأسأل الله أن يزيدهما شرفاً في الدنيا والآخرة، لقاء ما قدما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلم.

صفر 1432هـ

إبراهيم السكران

بكالوريوس شريعة- ماجستير سياسة شرعية-جامعة الإمام- ماجستير قانون تجاري دولي-جامعة إسكس-بريطانيا.

  • 5
  • 0
  • 8,434

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً