إنهم يحرقون الوطن!
د. هشام برغش عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
لا يملك أي عاقل ينظر إلى تسارع الأحداث في مصر، وما رافق ذلك من حجم هائل من التشريعات المحبطة، إلا أنها تمثل انقلابًا صريحًا من العسكري ضد الثورة والدولة المدنية -بغض النظر عن محاولة بعض المنتفعين تبرير ذلك الانقلاب بأنه يأتي لمواجهة تخوفات على مستقبل مصر- إلا أن الجميع متفق على أن هذا انقلاب حقيقي بكل معاني الكلمة!
وفي الحقيقة أنا لا أنظر إلى الذي يحدث باعتباره انقلابًا؛ لأن الانقلاب يعبر به عن تغيير الموقف أو قلب الأوضاع ونحو ذلك من المعاني!! أما ماحدث فهو إظهار للأمور على حقيقتها؛ فلم يكن يومًا المجلس العسكري ورجال النظام السابق مع الثورة، وإنما فقط كانت انحناءة يسيرة للعاصفة حتى تهدأ أو يتم تشتيت قوتها وكسر حدتها! وكل من كان يغض الطرف عن هذه الحقيقة، إنما كان يضع رأسه في الرمال ويمني نفسه بأماني الغرور لتهدأ وتقنع وترتخي.
وإذا كانت حقيقة هؤلاء العسكر، وذلك المجلس كانت واضحة لفريق، وقد اتضحت وظهرت لكثيرين أخيرًا؛ فإن قطاعًا كبيرًا من لابسي لبوس الوطنية والثورية والحرية والكرامة، والدولة المدنية ونحو ذلك من العبارات البراقة، هؤلاء جميعًا قد انكشفت حقيقتهم وظهرت بطولاتهم الزائفة وسقطت مبادئهم، التي صدعوا بها الجماهير، هم قد سقطوا معها سقوطًا مريعًا في أعين أنفسهم قبل أن يسقطوا في أعين المخدوعين بهم!
وهؤلاء رغم قلتهم إلا أنهم يحدثون شغبًا وتشويهًا وتشويشًا بما يملكونه، ويُقدم لهم من مساحات إعلامية واسعة وإبراز متعمد من أنصار الانقلاب العسكري! ولا يدري هؤلاء وأولئك أنهم بذلك يمهدون لإحراق الوطن وإسقاطه سقوطًا قد لا يقوم منه قبل أحقاب طويلة ويدخلون الوطن في اضطرابات وصراعات مريرة لا يعلم مداها وخطرها إلا الله عز وجل.
إنهم يرسلون رسائل إحباط واضحة الدلالة لكل شعب مصر بجميع أطيافه أنه ليس هناك شيء اسمه إرادة شعبية أو اختيار شعب، وأن هذا الشعب ليس إلا قطيعًا من القطعان لا كرامة له ولا قيمة له ولا أثر لرغبته! فالاستهانة بهذا الشعب ومقدراته وكرامته وإرادته لا تعدل عند هؤلاء كلمة أو قرارًا يصدر من أرباب هذا الانقلاب، وعلى هذا القطيع أن ينفذ على الفور وإلا كان خارجًا عن الشرعية.
بجرة قلم يجد الشعب نفسه أسيرًا لقانون أشد وطأة من الطوارئ التي اكتوى بنارها ثلاثين عامًا قبل أن ينهيها بشق الأنفس مجلسه المنتخب، وبجرة قلم يجد الشعب مجلسه، الذي ناضل وكافح لأجل انتخابه وبذل في ذلك غاية جهده وسعيه، وكان مصدر فخره ومبعث أمله؛ إذا بجرة قلم من غير ذي صفة يذهب هذا المجلس أدراج الرياح!
ومع إصرار الشعب على الصبر وإكمال مسيرة الإصلاح والثورة تأتي نتائج الانتخابات وأرقامها الموثقة لتؤكد هذا الإصرار بنجاح الدكتور مرسي، رغم التخويف والتشويه واحتشاد قوى الشر في الداخل والخارج ضد مرشح الثورة، تأتي إرهاصات استمرار مسلسل استغفال الشعب والضرب بإرادته عرض الحائط في مسلسل هزلي هابط بالغ الإسفاف يقوم بدور البطولة فيه أعراس متحركة لم يحسن القائمون بتحريكها إخفاء الخيوط التي تتولى التحريك والتوجيه!
وتبدأ حملات الاستخفاف والاستهبال لهذا الشعب، بدءًا بقصة التسويد المزعوم، ورغم أن المستشار حاتم بجاتو قال في حوار صريح مع مذيعة لها قصة مشهورة وقضية معلومة في تشويه سمعة نساء مصر-قال إن التسويد كان لكلا المرشحين، رغم ذلك إلا أن التشويه والترهيب المتعمد هو لمرشح الثورة وحده!
ثم تأتي ثالثة الأثافي لتجعل الشطارة وسرعة الرصد والتفوق في ذلك استباقًا للنتائج وسطوًا عليها؛ وفي نفس اللقاء السابق عندما سألته المذيعة سالفة الذكر عن الموعد قال بالنص: "إن الموعد الرسمي لن يكون قبل الأربعاء لكن النتائج تعلن باللجان الفرعية وإنتم وشطارتكم!" فإذا كان جماعة الشاطر هم الشطار والآخرون هم الكسالى والفشلة يقولون استباقًا وسطوًا..!
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه اللجنة يأتي قرارها بالتأجيل لنظر الطعون، مع العلم أن جريدة الجمهورية الرسمية ذات الصلات العميقة والوثيقة بأصحاب القرار نشر في صفحتها الرسمية هذا العنوان: (بجاتو: فحصنا 400 طعن بكل دقة ولا نعتد بنتائج الحملات) وجاء في الخبر نفسه: "أكد المستشار حاتم بجاتو الأمين العام للجنة أن اللجنة فحصت جميع الطعون المقدمة بكل دقة واستمعت لمحامي المرشحين حول الدفوع في هذه الطعون التي تقدم بها المرشحان وتم دراستها بتأن ودقة". إذًا فهناك تأكيد وهناك انتهاء فعلام التأجيل وما أسبابه؟!
وهذا رابط الخبر: http://www.algomhuria.net.eg/algomhuria/to...ge/detail01.asp
وقد احتفظت بصورة له تحسبًا للظروف! مع ملاحظة أن اللجنة لم تقبل تظلم أحد المتظلمين من الاستبعاد قبل ذلك إلا الفريق شفيق! كما لم تقبل أي تظلم من المتظلمين من قبل؛ فهل تسير على سنتها وطريقتها معه وحده؟!
فأخشى أن تأتي جرة القلم هذه المرة بإسقاط مرشح الثورة وتزييف إرادة الشعب، التي ظهرت للقاسي والداني لتكون هذه الجرة هذه المرة القشة التي قصمت ظهر البعير، والبعير هنا هو الوطن، أو مستصغر الشرر الذي يشعل الوطن..
إن أخطر رسالة تقدمها هذه القرارات وتلك التصرفات لشعب مصر الثائر وشبابه المتحمس أن اضربوا رءوسكم في الحائط؛ فلا يوجد شيء في مصر اسمه إرادة الشعب ولا الصندوق الشفاف، فابحثوا عن غير ذلك، ولا معنى لهذا إلا إحراق الوطن!
- التصنيف: