الحملة العالمية لمقاومة العدوان

منذ 2005-04-06
منذ انهيار النظام الدولي القديم، تفردت الولايات المتحدة بالهيمنة على مقدرات العالم في صيغة إمبراطورية تعبر عن حالة دولية فريدة في نسقها، تكاد لا تجد ما يشبهها في العصر الحديث على الأقل. فرادة الظاهرة الأمريكية الجديدة ليست بحجم فائض القوة الذي تستخدمه في قهر الشعوب، ولا في طبيعة الأدوات السياسية والدبلوماسية التي تستخدمها لتحقيق أغراضها الاستعمارية. إنما تفرّد هذه الظاهرة المتغطرسة يتأتى من الرغبة الجامحة لدى العقل الأمريكي في إلغاء الآخر، وطمس هويته، وإيجاد ثقافة بديلة بمفردات محلية ملتبسة توحي بثنائية الحداثة والعصرنة، التي تسلب العقول المفتونة بفلسفة التطور المفرطة وفق المفهوم الغربي العلماني الشامل، الموغل في المادية المتجردة من بُعدي الأنسة والمقدس، وفي المحصلة صناعة عالم "على صورة أمريكا" ووفق قيمها.

خطورة الهجمة الإمبريالية الحالية بنسختها الأمريكية -أو اللحظة الأمريكية بحسب تسمية بول كنيدي- في أنها ليست "تبشيريّة" في نسق ديني، كما أنها ليست حملة كولونيالية عسكرية محضة، وإن استخدمت العسكرة وفرط القوة كعصا غليظة للإكراه، إنما هي هجمة تجمع بين القوتين "الناعمة والصلبة" في آن واحد، أو كما سماها كنيدي نفسه بـ(حيل التغيير الأمريكية).

فالحرية "الأمريكية" تسوّق في الوقت الراهن بنكهة البارود، ومع ذلك تجد من يأكلها مع (الهامبورجر) الأمريكي بشهية جامحة، رغم أجواء الممانعة التي لا يخلو منها الفضاء الإسلامي. الحملة الإمبريالية الحديثة تتستر بما يسمى "مكافحة الإرهاب" لتستهدف -وبشكل مباشر- مفردات أساسية في مكونات الهوية للأمة، وصلت إلى حد التطاول على النص الديني بشكل مباشر، ودون أية مواربة، وتتدخل بشكل سافر في تشكيل مستقبل الجيل المقبل من خلال صناعة عقولهم -وفق قاعدة التنميط الثقافي المعولمة-، بمعنى استنساخ جيل متغرّب؛ غريب عن هويته عبر مساقات التعليم المفروضة، ومن خلال قنوات الدفق الإعلامي الغزير المخصّب بالثقافة الغربية الذي يملأ الفضاءين، العربي والإسلامي.

وكل ذلك بحجة مواجهة الخطر "الإسلامي الأخضر" الذي استطاعت القوى الصهيونية أن تفرضه على الأجندة الإستراتيجية الغربية عامة والأمريكية خاصة. ويتوازى مع خطورة الحملة موضوعياً وأداتياً، توقيتها وحجم الجهد السياسي والدبلوماسي الذي يحشد بغية إمضائها. ويكفي لتأكيد ذلك الإشارة إلى أن استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية مزدحمة بمفردات تتعلق بموضوع الحملة، وتستهدف الحيّز الجغرافي الذي يتمدّد عليه "الشرق الأوسط" ؛ باعتباره المدى الديمغرافي الإسلامي الأكثر كثافة، ولأنه الحاضنة الحضارية للإسلام الذي يمتلك حيوية الممانعة والمقاومة لظاهرة العولمة -الأمركة-.

متطلبات المواجهة

المشهد العام -العربي والإسلامي- ينبئ عن هشاشة الموقف الرسمي ومدى استجابته لضغوط الحملة الأمريكية الراهنة، بل المتعمق في المسألة يلمح أن المستوى الرسمي -وتحت قسوة الضغوط- يتخذ قرارات سياسية لها أبعاد استراتيجية خطيرة، تطال مستقبل المنطقة وأهلها. وهذا مؤشر على غياب أو ضعف عنصر المدافعة الأساسي الذي ينبغي أن يتصادم مع الحملة؛ بسبب الفراغ الاستراتيجي ببعديْه الأمني والسياسي، الذي تعيشه المنطقة، وهي الفرصة التي تحاول أن تغتنمها القوى الاستعمارية لفرض أجندتها وصياغة المنطقة جيوسياسياً وثقافياً وفق أهوائها.

نكوص عنصر المدافعة الأساسي تأتّى من ضمور مفردتي القوة الرئيستين: وهما غياب الوحدة وفقدان المرجعية السياسية الموحدة، بسبب حالة الشتات القطري السائدة.

ولأن الحملة الإمبريالية الحديثة (الكولونيالية-الثقافية) لا تستهدف الإطار السياسي فقط، وتتعداه إلى النسيج الثقافي-الفكري المتعلق بالمكونات الأساسية لهوية الأمة، تقع المسؤولية التراتبية بعد المستوى الرسمي على النخب (دينمو التغيير والممانعة) التي يقع على عاتقها العمل باتجاه تخصيب مواطن الممانعة في فضاء الأمة، وكذلك تحصين الآفاق التي يتهددها العطب، والتي يخشى أن تتماهى مع ثقافة الحملة الغازية بجرعات من الحصانة الثقافية اللازمة، فضلاً عن مدافعة الخطر ذاته ومواجهته مواجهة مباشرة. الأغراض المستهدفة الآنفة واسعة الطّيف، لذلك فهي تحتاج لخطاب يتضمن مفردات مقاومة شاملة تمتد من المقاومة ذات الشوكة العسكرية وحتى حروف القراءة التي يتعلمها الطفل على أدراج الدراسة، فضلاً عن لازمة إنتاج رؤية واضحة تحدّد من هو الآخر على الضفة الأخرى، وتوضح أدوات التعامل معه؛ منعاً للسيولة الفكرية المربكة لقطاع من الجيل، وكبحاً للممارسة العشوائية المدمرة التي يمكن أن يفرزها الفهم الخاطئ.

لا شك أن المهمة ثقيلة وواسعة الآفاق، وتحتاج لجهود مكثفة تعتمد البرامجية في العمل، وبضرورة أن تعمل وفق رؤية مستقبلية واضحة، على أن تمتلك الأطراف الفاعلة في الجهد المقاوم القدرة على تفعيل التنوع الثقافي والسياسي بأطيافه المختلفة؛ لتحقيق الثراء الفكري، ولدفع كافة القوى للمشاركة في القرار؛ لضمان التماسك والتوافق خلال الحراك الميداني المقاوم.

وحول هيكلية العمل وبرامجه، لا بد من الإشارة لضرورة تحديد حقول العمل وفق التخصص، وتلزيم أهل التخصصات بحقولهم؛ لضمان التكامل والانتشار المنتظم لاستهداف كافة شرائح الأمة بالقنوات المناسبة لها، على أن تتضمن أنساق العمل:

1) نسق مدني-اجتماعي، يتفاعل المعنيون به مع مؤسسات المجتمع المدني بأنواعها.
2)نسق سياسي، للتواصل مع القوى والأحزاب السياسية .
3)نسق ثقافي-إعلامي، من خلال خطاب إعلامي ناضج يمكنه الوصول لأوسع شريحة من الأمة، وباتجاه أبعد نحو الآخر المخالف والمعادي.

4)نسق إسنادي، يستهدف دعم القوى الجهادية التي تمارس الممانعة ذات الشوكة.

الحملة العالمية.. نموذجاً

لا شك أن من تابع انطلاقة الحملة العالمية لمقاومة العدوان يدرك أنها نجحت في استقطاب حشد كبير من نخب الأمة بأطيافها المتنوعة وتخصصاتهم العديدة، والمستقرئ لخطابهم العام في حفل الافتتاح يحدوه الأمل بأن (دينمو) النخبة بدأ يعمل بشكل ممنهج ، ولعل ذلك الجمع الغفير نجح في وضع قاطرة الممانعة الممنهجة على سكة السير الصحيحة؛ التي نرجو لها من سويداء قلوبنا أن تصل لمحطتها المبتغاة.
المصدر: موقع الإسلام اليوم
  • 0
  • 0
  • 15,286

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً