الإساءة المُتجدّدة.. مُلاحظات وَ وقفات

منذ 2012-10-01

العجيب: أن ما تَحتويه رواية سلمان رشدي من الطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو مُطابقٌ للتُراث الشيعي، وهو ما يتم طرحه اليوم علناً في عدد من الفضائيات الشيعية، وهو ما ينشره عدد من علماء الشيعة المعاصرين مثل: ياسر الحبيب الكويتي الهارب للندن، ومحمد جميل العاملي، جار حسن نصر الله في لبنان!!


الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام بل وللقرآن الكريم، كلامِ الله عز وجل، بل ولله عز وجل لن تتوقف ولن تنتهي: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، ولذلك ستبقى دوماً مجموعات متطرفة تُسيءُ للهِ عز وجل وللقرآن وللإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم، وها هي الأخبار عن نِيّة مجلة فرنسية نشر رسوم كاريكاتير مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم.

الإساءة العظمى والأكثر جرماً لله عز وجل وللنبي صلى الله عليه وسلم، هي ما يصدر من المسلمين أنفسهم: سواء بشتم الذات الإلهية من سوقة الناس، وعدم جدية الحكومات في معاقبة هؤلاء، ولو من باب المساواة بعقوبة شتم الملوك والرؤساء!!، أو من قبل من يزعمون الثقافة والإسلام ويسفّهون التحاكم والالتزام بالشريعة الإسلامية، أو من قبل بعض الفرق المنحرفة والضالة كالشيعة التي تطعن في شرف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.

هبّة الجماهير للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، هبة مباركة وغيرة محمودة وتدل على حياة الأمة واعتزازها بدينها، نعم قد يكون هناك أخطاء أو تسرّع، لكن كم حجم هذا الخطأ والتسرع وهو ردة فعل وليس فعلاً، فعلى المتباكين على صورة الإسلام من اليساريين والعلمانيين أن يعملوا ولو لمرة في حياتهم بتقديم مبادرة إيجابية في الدفاع عن صورة الإسلام الذي يتباكون عليه ويتباكون أنهم مسلمون، فلماذا لا ينظمون محاضرات أو كتبا أو مقالات عن حقيقة الإسلام وعدله ورحمته وعن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قدوة العالمين بكل اللغات، وطبعاً نتحدث عن تقديم الإسلام وليس العلمانية بثوب إسلامي.

ليس صحيحاً ما يردّده بعض الكُتّاب من أن الأُمّة لم تهب لنجدة فلسطين أو سوريا أو غيرها من القضايا، بل لقد هبت الأُمّة ولكن الذي تقاعس هم النخب الجالسة تحت المكيفات وفي المقاهي، وإلا ماذا قدّم هؤلاء لفلسطين وسوريا؟ ومن هو المُتبرع الحقيقي لدعم فلسطين وأهلها وثورة سوريا ومصر وليبيا وغيرها أليست هي الجماهير البسيطة والصادقة.

اختباء الغرب خلف ستار حرية الرأي والتعبير حجة ساقطة لتمرير الإساءة للمقدسات الإسلامية، وإلا فكم كمّموا من آراء وكبتوا من حريات بل واعتدوا بالسجن والقتل على مُخالفيهم، وهل قانون الأدلة السريّة وتجريم انتقاد هلوكوست اليهود وإجبار البلاد الإسلامية على تغيير مناهجها يتسق مع منظومة حقوق الإنسان التي يتشدقون بها؟

لماذا "مجانين" الغرب وإسرائيل لهم حق الرعاية الطبية والدفاع وعدم تعميم جريمتهم على جماعتهم أو فكرهم، بخلاف المسلمين؟ لماذا مجنونٌ يحرق المسجد الأقصى، ومجنون يقتل المصلين في المسجد الإبراهيمي، وجندي مجنون أمريكي يقتل الأفغان ويتبول على المصاحف، وجنود مجانين يتسلون بتعذيب سجناء أبو غريب، والقائمة تطول جداً، ومع كل هذه الجرائم البشعة تجد أنهم لا يتعرضون لتوبيخ بل يتم "تدليلهم" في برامج الرعاية النفسية! وحتى من رفضت المحكمة اعتباره مختلاً عقلياً وهو المجرم الذي قتل 77 شخصاً في النرويج سنة 2011م، بسبب تطرّفه اليميني ضدّ المهاجرين، فقد حكمت عليه المحكمة فقط بـ 21 سنة سجن قد تُمدّد 5 سنوات!! بينما أحمد الدقامسة لا يزال مسجوناً منذ عام 1997م، بسبب دفاعه عن دينه وشرفه!! يا أخي اعتبروه مجنوناً وفكّوا أسره.

إن أفضل من يَفهم لغة المجانين هم المجانين أنفسهم، ويُنسب لعلي رضي الله عنه قوله: "ذلّ قوم لا سفيه لهم"، كفوا سفهاءكم نكفُّ سفهاءنا.

لماذا تُركّز وسائل الإعلام العالمية والعربية بخلفيتها الليبرالية على ردودِ فعلِ المسلمين ولا تُركّز على الفعل الأساسي؟ لماذا بدلاً من مُطالبة المسلمين بالردودِ العاقلة على التصرّفات المجنونة، أن يتم مُطالبة الغرب وإسرائيل بلجمِ مجانينهم؟

لماذا لا يبرز الإعلام -وخاصة ما كان عربي اللسان- منها المواقف الحكيمة والرصينة للهيئات والشخصيات الإسلامية في التصدّي لهذه الإساءات، لماذا فقط تُركّز على النصف ِالملوّث والفارغ من الكأس؟ أم تشويه السمعة هو دورها في لعبة الاستفزاز والاستدراج؟!

بأيّ وجه يُطالب بعض النصارى بإغلاق قناة الرحمة والناس لأنها تُدافع عن دينِ ونبي الأُمّة في وجهِ اعتداءات بعض قنواتِ الأقباط ومتطرّفيهم الذين انتجوا هذا الفيلم ومن قبله برامج القِسّ المتطرّف زكريا بطرس؟

لماذا لهم حرية التعبير في الإساءة ويُمنع علينا التعبير في الدفاع؟

ومع هذا لو بحثنا عن ردود الفعل المنفلتَة وغير السليمة سنجد أن من يُحرّكها ليس التيار الإسلامي! ففي مصر ثبتَ للجميع أن التصعيد في ميدان التحرير كان مدفوع الأجر لشبابٍ وشابات ليس لهم صِلة بالالتزام الديني، وأن الرموز الإسلامية هيَ التي كانت تقوم باحتواءِ التصعيد والشحن.

وفي ليبيا أيضاً لم تكن الهيئات الإسلامية هي من صعّد الموقف حتى تُوفيَ عدد من أعضاء السفارة، وتتضاربُ الأنباء عن حقيقة مَقتل السفير بين كونه نتيجة غير مقصودة وأن بعض المُتظاهرين حاولوا إنقاذه وبين كونه عملٌ مدبّر تحومُ الشكوك حول مسؤولية القاعدة عنه فيما يُشير البعض إلى تورّط إيراني في ذلك سواءً بدفع القاعدة أو غيرها لهذا التصعيد، لتُشتّيت الأنظار عن تورطها في سوريا وملفها النووي وإشغال أمريكا بمجموعاتٍ سنيّة، حتى لا تدعم أمريكا المُعارضة السُنّية في سوريا على غِرار ليبيا، ومن هنا نفهم حقيقة الشماتة الروسية بأمريكا وَ وزيرة خارجيتها، وكأنهم يقولون لهم: انظروا هذا جزاؤكم بعد دعمكم لهم في إسقاط القذافي، وهكذا سيكون حالكم في سوريا!!

وقد تكرر هذا من قبل، فبعد أن دعمت أمريكا المُجاهدين في أفغانستان، نجحت روسيا في زرعِ العِداء بينهم وبقيت تتفرّج وتضحك وتُواصل إجرامها بحقّ المسلمين في الشيشان والبوسنة وليبيا، والآن في سوريا.

إن التلويح بورقة خطرِ القاعدة في المنطقة هي لعبة سمجة، لأن التطرّف العلماني واليساري الرافض لقبول صعود الإسلاميين للسلطة عبر الإنتخابات والتلكأ الأمريكي والغربي في دعم الثورة السورية وإيقاف شلال الدّم الشعب السوري لحين التيقن من أمن إسرائيل مستقبلاً، هو أكبر مساندٍ لفكر وتواجد القاعدة في المنطقة.

اليوم ومع صعود عدد من الحركات الإسلامية لقيادة دول تتزايد المخططات والمؤامرات لتشويه صورتهم وتشتيت جهودهم، ومع ذلك نريد منهم أمرين:


الأول:

الانتباه لهذه المخططات مع عدم الانصراف عن المسار الأصلي في النهوض بالواقع الوطني لدولهم، أي لا تقعوا في الفخ مثل اعتداءات سيناء، وتفجيرات ليبيا، وصدامات تونس.

ونريد منهم ثانياً:

تقديم فارق حقيقي في الخطاب والمطالبة والخطوات والإجراءات، تُخرجنا من دائرة الشجب والاستنكار التي نعيب بها النظام العربي القديم.

وهذا الفارق في علاج هذه القضايا سيكون عند الشعوب والجماهير هو المؤشر والدليل على وجود فارق حقيقي بين هذه الأنظمة الجديدة والتي جاءت من وسط الشعب وبإرادة شعبية وبين الأنظمة القديمة، والفشل في تقديم هذا الفارق خاصة في مثل هذه القضايا التي تمسّ دين الأمة من قبل أنظمة إسلامية، سيفتح الباب لمزيد من التطاول والتعدي على مقدسات الأُمّة.

كم كان مضحكاً زعيم حزب الله حسن نصر الله وهو يصرُخ مستنكراً إساءة الفيلم الأمريكي للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الوقت نفسه يدعم المجرم بشار الأسد في قتل آلاف السوريين، ولا يقف الأمر عند حدّ القتل والتعذيب والاغتصاب، بل امتدّ لعبادة وتأليه بشار وماهر الأسد والسجود لصورهم في مقاطع مُصورة على اليوتيوب، فأين استنكارك لهذا الكفر الصراح مِمّن يزعم الإسلام؟؟ لكنها فرصة لمُحاولة ترميم شعبية الحزب الطائفي وصرف الأنظار عن جرائمه في لبنان وسوريا.

وأكثر إضحاكاً من موقف حسن نصر الله، موقف أولياء نعمته وقوته في إيران والذين رفعوا قيمة الجائزة لقتل سلمان رشدي لتصل لـ 3؛ 3 مليون دولار، وذلك لتنفيذ فتوى أصدرها الخميني سنة 1989م بقتله، أي قبل 24 سنة ولم يُقتل، بينما قَتلت إيران ومِيلشياتها في هذه المُدّة آلاف المسلمين في إيران والعراق ولبنان واليمن والبحرين والسعودية وسوريا، وعشرات من غير المسلمين في تفجيراتٍ واغتيالاتٍ في عِدّة دولٍ كان آخرها في تايلند، وبالمناسبة في نفس السنة التي صدرت فيها فتوى الخميني تم اغتيال دبلوماسيين سعوديين في باكستان وبلجيكا!!
 

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً *** أبْشر بطول سلامة يا مربع!!



والعجيب: أن ما تَحتويه رواية سلمان رشدي من الطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو مُطابقٌ للتُراث الشيعي، وهو ما يتم طرحه اليوم علناً في عدد من الفضائيات الشيعية، وهو ما ينشره عدد من علماء الشيعة المعاصرين مثل: ياسر الحبيب الكويتي الهارب للندن، ومحمد جميل العاملي، جار حسن نصر الله في لبنان!!


أسامة شحادة
 

  • 2
  • 0
  • 2,867

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً