الربيع العربي كابوس المشروع الصفوي!
منذ 2012-10-01
نهوض الشعوب العربية، سيخرجها عن ربقة السياسة الغربية، وعبثها في منطقتها، وعندما تحرّر من هذه السياسة، فستدرك أيضا الخطر الذي يتهدّد هويتها الإسلامية، والعروبيّة، من هذا العدوّ الصفوي الحاقد على كلّ ما يمت إلى الإسلام والعروبة بصلة.
يقتات النظام العنصري في طهران الآيل للسقوط قريبا في تهديده للأمّة الإسلامية، لا على قوّته الذاتية، بل على ثلاثة أمور:
أحدها: سياسة إدارة الأزمات المفضّلة للغرب في المنطقة ليبقيها في دوامة صراع إثر صراع، يشغلها عن التحرُّر، فالنهوض، ولهذا كان الغرب دائما يريد إبقاء إيران بقدْرٍ من القوّة، بشرط أن لا تصل إلى النووي لكي تبقى جزءاً من تلك السياسة.
والثاني: غياب إرادة الأمة، ذلك الغياب الذي أوهنها، وأضاع مقدّراتها، بسبب أنظمة الاستبداد، والطغيان التي حوّلت أوطانها إلى ممتلكات خاصّة، والشعوب إلى عبيد، والإمكانات إلى سُخرة لأطماع الأجنبيّ.
والثالث: تفرُّق الدول العربية، واختلافها فيما بينها، في مقابل وحدة المشروع الصفوي الإيراني، وقد قيل: القوّة غير المنظّمة ضعف، والضعف المنظّم قوّة! فكيف إذا كان ضعفاً غير منظّم؟!
ولنضرب على هذا مثالاً في غاية الوضوح فإنّه لولا هذا التفرّق العربي، لم يمكن لإيران اغتنام الحماقة الأمريكية باحتلال العراق، فتحويله إلى إيران الصغرى، فحصلت إيران على هديّة مجانيّة لم تكن تحلم بها! كادت أن تمدَّ الهلال الصفوي إلى لبنان في أقلّ من عقد من الزمان!
ونحمد الله تعالى أنه لولاهُ سبحانه، ثم الثورة السورية المباركة، فقد أوشك الهلال أن يتمّ (بسوريا إيرانية) جديدة تُقطع الصلةُ بانتمائها الإسلامي مع مرور الزمن في برنامج تهجير وتطهير، وتحويل ثقافي متدرّج يطمس الهوية!
لهذه الأسباب كلّها: وقف النظام الإيراني موقف الدهشة الممزوجة بالخوف بل الرعب، منذ انطلاق الربيع العربي، وقد تجلى هذا بتصريحات دُمية إيران بالعراق (المالكي) يوم أمس وهو يثير الرعب من الربيع العربي، محذرا من استمراره، كما يلاحظ كلُّ من يتابع القنوات السورية الرسمية الحرب الإعلاميّة على الربيع العربي بوضوح، وأمّا إيران فتلعب بالوجهين كعادتها!
وقف موقف الدهشة والرعب، لأنه:
أولاً: نهوض الشعوب العربية، سيخرجها عن ربقة السياسة الغربية، وعبثها في منطقتها، وعندما تحرّر من هذه السياسة، فستدرك أيضا الخطر الذي يتهدّد هويتها الإسلامية، والعروبيّة، من هذا العدوّ الصفوي الحاقد على كلّ ما يمت إلى الإسلام والعروبة بصلة.
وثانيا: يخشى الإيرانيون أن يعيد الربيع العربي معاقد القوّة للأمّة، لا سيما في مصر، والخليج والشام، فيشكّل هذا الإتحاد العربي الكبير، مع أخيه التركي السنّي العثماني، عملاقا ممتدّ القامة إلى عنان السماء، يبدو المشروع الإيراني أمامه كفأرٍ صغير أمام جُحرِهِ المتهالك!
ثم بسهولةٍ يمكن لهذا العملاق الإسلامي العربي مع أخيه التركي، أن يعيدَ العراق -الذي يتعرّض الآن لمخطّط في غاية الخطورة لمسخ هويته الإسلاميّة، والعربيّة- أن يعيدَهُ إلى حضن أمّته، وأن يطفئ نار فتنة شيطان لبنان، وحزبه.
وسيكون بعد ذلك مسألة وقت تحرير الشعب الإيراني نفسه من هذه الطغمة المجرمة التي تسلّطت عليه بالظلم، والطغيان، ثمّ على الأمة الإسلامية بالأذى، والعدوان.
وأما تحرير فلسطين فسيكون قضية بيد أمةٍ أمينةٍ عليها، لا أوراق سياسية تلعب بها إيران، لتمدّ نفوذها، وتحقّق أطماعها، وتحارب أمّتنا بها بمكرٍ، وخبث!
وثالثا: يخشى النظام الحاكم في إيران أن يضطلع العالم العربي في ظلّ ربيعه بمشروع نهضة سياسي، وثقافي، واجتماعي، يحوّل أنظار شعوبه عن المشروع الصفوي المتباهي بأنّه الوحيد الذي يملك هذا المشروع، وبقية الأنظمة تعيش لتسرق، وتعبث بالملذّات!
إذ يطمس نورُ شمسِ الحضارة الإسلامية السنّية العربيّة الناهضة بكلّ ما في مخزونها من إرث إنجازات هذه الحضارة العالمية الإمبراطورية، يطمس نار المجوس فتنضوي، وتخمد!
ولقد مضى وقتٌ حاول فيه نظام الطغيان في طهران مُلقياً بالعيب على من حوله من الأنظمة العربية المتخلفة! أنّ يظهر بمظهر النظام الوحيد في المنطقة المتطوّر عنها، والذي يمتلك نظاما سياسيا يُشرك الشعب، ويحاسب السلطة، ويمنح المواطن حقوقه!
كما عاش حينا يجيد النفاق بأنّه يحمل وحده على كاهله قضية الأمة المركزية في فلسطين، صامداً في مواجهة المخطّطات الإمبرياليّة والصهيونيّة، داعما المقاومة، أو ما يسمّيه الممانعة!
غير أنهُ لم يمضِ وقتٌ طويل، حتى انكشفت سوأته، وبانت عورته، وانفضح حالُه، بدءًا من تبجّحه بتمكين الإمبرالية من احتلال أفغانستان، ثم تآمره المكشوف معها على العراق، حتى دخلت دبابات الإمبرالية بفتوى خمينيهِ الصغير في النجف: (السيستاني)، وبدلالة جيوبه الإيرانية التي كانت تسير بين يدي جيش بوش تدلُّه على هدم العراق، كما دلّ أبو رغال أبرهةَ على هدم الكعبة!
وأيمُ الله لو كان الأمر بيدي، وأدركت عراقنا المحرّر، لأجعلنّ قبراً يرمز إلى الخونة الذين جاؤوا مع المحتلّ، فيُرمى، كما رمت العربُ قبرَ أبي رغال، ثمّ على حدّ قول ربيعة بن عامر:
ونرجمُ قبرَه في كلّ عامٍ *** كرجْمِ النّاس قبرَ أبي رِغالِ
هذا.. وأما تعاونه مع الموساد الصهيوني لملاحقة عقول العراق، فاغتيالها وتفكيك خبراته العلمية التي بناها عبر عقود فقد أزكمت رائحة هذه الفضيحة الأنوف!
وانتهاءً بما نراه كلّ يوم، من إجرامه الذي لا يوصف بشاعةً في الشعب السوري؛ يسفك دماء الأبرياء، ويذبح الأطفال والنساء، ويهدم البيوت، ويدمر المدن، ويشرّد الملايين، ويعيث في الأرض فسادا، ولا يبالي لو أباد كلّ السوريين من أجل الحفاظ على احتلاله لسوريا!
نعم.. لقد بان نفاقه، وتهاوت شعاراته الزائفة، وغدا يمشي بين الناس عارياً، لا تخفى منه خافية.
وتأمّلوا معي كيف أنّ الربيع العربي هو الذي أهدى هذه الثورة المباركة للشعب السوري، أهداها الثورة جذوةً متّقدة، فاشتعلت في الشام ناراً، ثم ما لبثت حتى صارت إعصارا، ولا جَرَم إذْ كلُّ شيءٍ يدخل الشام تتضاعف بركُتُه، أضعافا مضاعفة، كما قال تعالى عن قُراه: {...الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سبأ: 18].
فكان انكشاف نفاق المشروع الصفوي إذا ووضْع العصا في دولاب مخطّطِهِ الخبيث، أوّل بركات هذا الربيع، وباكورة ثماره اليانعة.
وأما دعوى النظام المجرم في طهران السبْقَ بنظامه السياسي، فإنّ الربيع العربي الذي ضرب أروع الأمثلة في تجسيد سلطة الأمة واقعا حقيقيا لا زائفا -كما في طهران- قد أظهر تلك الدعوى على حقيقتها، وأزال المساحيق عن وجهها القبيح.
وذلك عندما قارنت الشعوب بين نظام يدّعي إشراك الشعب، بينما هو يُنَصّب على رأس هذا النظام مرشدا لا يُردُّ له قول! يزعم أنه يتلقى مباشرة من شخصية معصومة غائبة، ديكتاتورا معمّما! يحكم باسم الدين، فمن خالفه، فقد خان الله!
ولهذا عندما خاف على سلطته المطلقة، زوّر الانتخابات! فقامت ثورة الشعب الإيراني الخضراء عام 2009م، فقُمعت قمعا لم تعرف حتى الأنظمة الوحشية مثله في البشاعة!
بين هذا الواقع المزيف للنظام الإيراني في طهران، وبين أنظمة الربيع العربي السياسية التي تسخر من خرافة: (المرشد النائب عن المعصوم، الحاكم بأمر الله)! بل تحترم إرادة الشعب، وتجعل كلمتها فوق الأشخاص مهما كان قدرهم!
والمقصود أنّ الربيع العربي لن يكتمل بإذن الله حتى يعيد الأمة إلى مكانتها العالمية، ورسالتها الحضارية، وقوتها الدولية، فلا يبقى لأيّ مشروع آخر مكانٌ هنا، هذا لو كان مشروعا صديقا، فكيف إذا كان عدوَّا؟!
ولقد ذكرت مرّات عديدة أنْ كأنّ الله تعالى أبى إلاّ أن يجعل هذه النهضة التي بدأت بالربيع العربي تنتبه لعدوِّها الأخطر في طهران، فأظهر حقدَ هؤلاء الخونة فيما يقترفونه في الشعب السوري، حتى رأت الأمة بأسرها مدى هذا الحقد الأسود المربادّ، فأغناها ذلك عن كلّ درس!
ذلك أنه لن يُكتب لهذه الأمة نهوضٌ عالميُّ، وهذه الزمرة المجوسيّة المجرمة الخائنة لهذه الحضارة الإسلامية تعدُّ خناجرها لتطعنَ الأمة في ظهرها في أحلك الأوقات، كما كانت تفعل في ماضيها الأغبر في دولتها الصفوية، إذ أعملت معاول الخيانة في الخلافة الإسلامية العثمانية.
ولنختم هذا المقال بمثالٍ خليجيّ موضّحٌ لمقاصد الكلام، ذلك أنّه لا يختلف عاقلان لو كان لشعوب الخليج أنظمة سياسية متطوّرة تُشرك إرادة الشعوب، مفعّلة لطاقاتها، حافظة لثرواتها عن الفساد، لاختارت الشعوب هنا -في ضمن مشروع ارتقاء شامل للشعوب يخلّصها من كلّ أمراض الأنظمة المستبدّة المتخلّفة- أن يكون لديها اتحادٌ بجيشٍ يضاهي الجيش التركي بل يتفوّق عليه، فلا تطمع بل لا تفكّر إيران أن تتحرّش بها!
بلْ كانت سترفض أصلاً احتلال العراق، كما رفض البرلمان التركي 2003 م عبور القوات الأمريكية من تركيا! فترتاح من كلّ هذه التداعيات الكارثية التي تسبب بها وقوع العراق في براثن الغدر الإيراني!
ثم سيحدث أبعد من ذلك، فسيكون الخليج القويّ المتحدّ الذي تتمثل فيه إرادة شعوبه، عونا للشعب الإيراني لإطلاق ربيعِهِ، ومأوىً لشرفاء إيران للخلاص من نظامه المجرم!
هذا.. ومهما ذكرنا من الأمثلة على البركات التي ستتنزّل لو صارت لشعوبنا إرادتها لتحقّق أحلامها، فلن نحصيها، ذلك أنّ هذه الأمة تحمل بين جنباتها ينابيع خير لا تنضب، كيف لا؟! والله تعالى هو الذي زكّاها بوحيه المقدس قائلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..} [آل عمران: 110].
فما علينا سوى أن نرفع عنها كابوس الطغيان، ونردّ الأمر إليها لتختار، فستبهر العالم حينئذ بأنوار التألق الحضاري لاختياراتها العظيمة، وما سيتفجّر من هذه الأمة المباركة الخالدة، من خيرٍ، وبركات، وإشعاع على الدنيا بأسرها.
والله حسبنا، عليه توكّلنا، وعليه فليتوكل المتوكلون.
28/09/2012 م
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف:
- المصدر: