سيناء تنتظر مصر الثورة
منذ 2012-10-18
سيناء وأهلها لا يطلبون ما تعجز الدولة المصرية عن تحقيقه، فقط يطلبون بأن تبادلهم الدولة نفس الانتماء الذين يبادلونها هم به، ويرون أنه لتحقيق ذلك فلا ينبغي إقصاؤهم أو تمييزهم عن غيرهم من سكان الوطن، وألا يتم تهميشهم وعلاوة على ذلك، تقديم مختلف كافة أشكال البنية الأساسية.
على الرغم من أن سيناء تعد من الأراضي المصرية العزيزة على قلوب أبناء الكنانة، إلا أنها ظلت ردحًا طويلًا من الزمن تعاني من التهميش في خدمات البنية الأساسية، وإقصاء أبنائها من العديد من مؤسسات الدولة المصرية، خلاف تحجيم أعدادهم للدخول في الكليات العسكرية والشرطية.
وبعد وقوع الثورة استبشر السيناويون خيرًا بأهدافها ومبادئها، إلا أن تلك الأرض الطاهرة التي عانت من جرائم الاحتلال الصهيوني ظلت مهملة بأشكال مختلفة في أوساط مصر الثورة، وأنه على الرغم من قيام عدد من مرشحي الرئاسة السابقين بزيارتها أثناء حملاتهم الانتخابية، بمن فيهم الرئيس محمد مرسي، ووعود أهلها بتحقيق مطالبهم، إلا أنها لا تزال على وقع التجاهل وإقصاء أبنائها، الأمر الذي أشعرهم بأن الثورة لم تصل إليهم، وأنهم يعيشون امتدادًا لعقود النظام السابق وإن اختلفت أشكاله.
سيناء وأهلها لا يطلبون ما تعجز الدولة المصرية عن تحقيقه، فقط يطلبون بأن تبادلهم الدولة نفس الانتماء الذين يبادلونها هم به، ويرون أنه لتحقيق ذلك فلا ينبغي إقصاؤهم أو تمييزهم عن غيرهم من سكان الوطن، وألا يتم تهميشهم وعلاوة على ذلك، تقديم مختلف كافة أشكال البنية الأساسية.
وربما قد لا يتم وصف سيناء بالتهميش عند بعض المراقبين، كما كان يعتقد النظام السابق، وأن مشاكلهم جزء من مشاكل مناطق أخرى في مصر تعاني من نقص الخدمات الأساسية، غير أن الحالة بالنسبة لسيناء وأهلها تختلف، فالأرض الطاهرة يتربص بها عدد سبق له أن نال منها مطمعا، فظلت تقاومه إلى أن تحررت، وبعد التحرر كانت ولا تزال ترغب في العودة إلى حضن الوطن بالتفاعل الدائم بين أبنائه وعدم الشعور يومًا بتدني الخدمات أو تهميش الأبناء.
ولذلك يتوق أبناء سيناء إلى العهد الجديد بقدر كبير من التفاؤل الذي قطعه عليهم الحادث الإجرامي الذي تعرضت له مدينة رفح، غير أنهم مع ذلك يأملون في ترجمة تفاؤلهم بتحقيق ما يطمحون إليه بأن تشاركهم مؤسسات الدولة في حل خلافاتهم، بما يقضي على حل المشاكل العالقة بين عائلاتهم، وعدم تزكيتها، علاوة على حل المشكلة الأمنية التي تواجههم جراء حالة الانفلات الذي تعيشه منذ تداعيات الثورة، ويتجرعون مرارته كل يوم بوقفات احتجاجية وقطع للطرق وسطو على المنزل، إلى غيرها من ممارسات جراء حالة الانفلات هذه، والتي بلغ أقصاها الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له سيناء أخيرًا.
وعلى مدى الشهور الماضية ظل أبناء سيناء يصرخون في مصر الثورة ويناشدون المؤسسة التي كانت تدير المرحلة الانتقالية، ومعها حكومات تسيير الأعمال، إلا أن كل ذلك لم يجد صداه في أوساط مصر الثورة، ربما يكون ذلك لتداعيات الثورة وما واجهته، إلى أن كانت مرحلة الاستحقاق الرئاسي، فجدد السيناويون أملهم دون إفراط فيه طمعا في أن يحقق لهم العهد ما يحلمون به.
مطالب أهالي سيناء تتمثل بحل مشكلات الوقود والإسكان وتعميرها وتوفير الوظائف لأبنائها، وتنمية وسطها والاهتمام بمشروعات الشباب واستعادة الأمن، وحسن معاملتهم من جانب جهاز الشرطة، الذي خلف منذ النظام السابق انطباعات سلبية بين أبناء سيناء.
وكثيرًا ما أصدرت المجالس القومية المتخصصة تقارير دقت بها ناقوس الخطر حول الإهمال الذي عاشته سيناء، محذرة أيضا من استمراره بعد الثورة، ومطالبة في الوقت نفسه بسرعة الاستجابة لمطالب أبنائها، غير أن هذا لم يتحقق إلى يومنا، الأمر الذي يجعل أهالي سيناء يترقبون مصر الثورة، التي تجعلهم على درجة سواء مع محافظات مصر المختلفة وسكانها.
تحد جديد للرئيس مرسي:
وتأتي كارثة رفح ومشاكل محافظة سيناء التي طفت على السطح لتصبح تحديا جديدا أمام الرئيس الدكتور محمد مرسي، لتضاف إلى الوعود الأخرى التي وعد بها مرسي ناخبيه إبان جولاته الانتخابية بتحقيق خمسة برامج أساسية خلال المائة يوم الأولى من رئاسته.
واللافت أن الحادث جاء بعد مرور 24 ساعة بالتمام، عندما كان مرسي يتحدث في مقر الجيش الثاني بمحافظة الإسماعيلية، متعهدًا لضباط وجنود وصف الجيش بحماية الحدود، وتأكيده على أنه لن يسمح لأحد بالعدوان على مصر ولو بالقول فضلًا عن الفعل.
غير أنه ومع وقوع العدوان بالطريقة التي جرى بها على الحدود شكل ذلك تحديًا أصبح هو الأبرز للرئيس المصري الذي تدخل رئاسته شهرها الثاني، وسط احتقانات سياسية وغياب لافت لتقديم الخدمات الأساسية للمصريين، جراء توغل الدولة العميقة التي تسعى لإفشال مرسي، الأمر الذي يزيد من صعوبة تنفيذه لما وعد به ناخبيه بخطة خمسية تعهد خلالها بتحسين رغيف الخبز، واستعادة الأمن، وتنظيم حركة السير، وتوفير الوقود، ورفع مخلفات الشوارع.
إلا أنه وفور تولي مرسي طرأت له مشكلتان أساسيتان، هما تكرار انقطاع التيار الكهربائي والمياه، للدرجة التي جعلت البعض يتهم قوى الثورة المضادة وبقايا النظام السابق بالوقوف وراء ذلك، مستندين إلى تصريحات لموظفين بالكهرباء صدرت إليهم في بعض المحافظات، بتكرار قطع الكهرباء خلاف فتح ثغرات للموظفين بالإدارات المحلية للانصراف من دوامهم قبل إنجاز مهام المراجعين، علاوة على تعطيل بعض أصحاب المصالح الخاصة لصرف علاوة 15% كان مرسي قد أصدر قرارًا بصرفها إلى تحميل من توصف بالدولة العميقة ذات الإجراءات البيروقراطية، وتغولها في مؤسسات الدولة مسؤولية تفاقم المشكلات التي تواجه مرسي، والتي تتم ترجمتها وفق قياديين بحزب الحرية والعدالة، الذي كان يترأسه مرسي قبل فوزه بالرئاسة، بوقفات احتجاجية على القصر الرئاسي، رغم تدشين مقرين لديوان المظالم بقصرين رئاسيين وتخصيص خط ساخن لأصحاب المشاكل.
والمؤكد أن الكارثة التي تعرضت لها منطقة الحدود أصبحت تستحوذ على غيرها من التحديات التي تواجه مرسي، إن لم تكن تتعلق بالأساس بهيبة الدولة وقواتها المسلحة، عندما تتم سرقة مدرعتين لها والاعتداء عليها بالشكل الذي جرى، وهو الأمر التي تتحمله الدولة ورئاستها والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، على خلفية الإعلان الدستوري المكمل، الذي يقيد صلاحيات الرئيس مقابل ما هو ممنوح للمجلس العسكري.
غير أن الرئيس مرسي ولكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة وتصريحاته التي استبقت الكارثة بقدرة الجيش المصري على حماية حدوده، فإن هذا لا يعفي مؤسسة الرئاسة من حجم التحديات التي ألقيت عليها مع وقوع العدوان، الأمر الذي يفجر أمرين في نظر المراقبين:
- إما أن تكون هناك آليات لمواجهة التحدي منفردًا، وحينها يمكن الحديث عن صدام بين (الرئاسة، والعسكري).
- أو أن يكون هناك تحقيق لمبدأ العمل المؤسسي الذي كثيرا ما صرح به مرسي نفسه، في أن يكون هذا التحرك على هذا النحو للبحث في الإجراءات الكفيلة بضبط الحدود، خاصة أن الحديث ينصب عن مواجهة عدو يتربص بالجميع، لا يفرق بين الرئاسة، والعسكري، سواء كان يسعى للانقضاض على مصر من الخارج على نحو ما كان في 67، أو الغدر لها من الداخل على غرار ما شهدته مدينة رفح أخيرًا.
علا محمود سامي
- التصنيف:
- المصدر: