خطبة عيد الأضحى لعام 1431هـ

منذ 2012-10-25

لم يشرع الله تعالى لنا الحج لنقف على مبانيه، دون معانيه، ولا لنؤدي شعائره، وننسى أسراره ومشاعره، فالحجُّ مدرسة الأمة العظمى، وعنوان بعثها الأسمى.


الحمد لله، الذي أنزل علينا الكتاب شِرعة ومنهاجاً، وأنزل فيه أحسن الحديث آياتٍ، وحِجَاجا، فجعل به هذه الأمّة خيرَ الأُمم مصلّين، وصائمين، ومزكِّين، ومجاهدين، وعُمـَّارا، وحُجَّاجا.

سالكين إلى بيت ربهم لعبادة ربِّهِـم مسالك، وفِجاجا، قد اشتقات قلوبهم لبيته العتيـق تأويبا، وإدْلاجا، فقطعـوا إليه مفاوزَ، وفِجاجا، فزادوا بقربه فرحاً، وإبتهاجا.

أشهد إنْ لا إله إلاَّ هو وحده لاشريك له، سبحانه العليُّ القدير، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله البشير النذير، اللهمّ صلّ، وسلِّم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه، ذوي السبق الكبير، والرأي المنير، والفضل الذي ليس له نظير.

أيها المسلمون:

لم يشرع الله تعالى لنا الحج لنقف على مبانيه، دون معانيه، ولا لنؤدي شعائره، وننسى أسراره ومشاعره، فالحجُّ مدرسة الأمة العظمى، وعنوان بعثها الأسمى.

وهذه بعض دروسه الجليلة، ومراميه النبيله:

ففي الرحلة إلى الحج، درسٌ وأيُّ درس، فهو درس عن الهجرة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، فالراحل إلى حجّ بيت الله تعالى ينتقل عن كلِّ المحاب الدنيوية، فيدع الوطن، والأهل، والعيال، والدرهم، و الدينار، ويطوي الفيافي، والقفار.

فيجاهد هواه، وشيطانه، وحبَّ الدنيا، في الله تعالى، راحلاً إلى الله تعالى، مُؤثراً مرضاة ربّه على كلِّ ما سواه، فيتربَّى بذلك على أن لايزاحم حبَّ الله تعالى شيءٌ آخر في قلبه، ولايقدِّم على مرضاة الله تعالى أيّا من متاع الدنيا، ولهذا يقول الله تعالى للملائكة مباهيّاً بالحجيج: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاءُونِي شُعْثاً غُبْراً» [رواه الحاكم وغيره].

كما أنّ في رحلة الحجاج المسلمين من كلِّ فج عميق، إلى بيت الله تعالى، الذي رفعـه ودعا إليه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وشرع الله حجَّه على شريعة سيّد الأنبياء محمّد صلى الله عليه وسلم، مجتمعين ثـمَّ على عقيدة واحدة، تربطهم علاقة التوحيد الموحّدة، متجاوزين جميع الحدود السياسية الوطنية، والأوضاع العنصرية البشرية، والعلاقات الجغرافية الوضعيّة.

فيها أعظم درس على أنّ هذه الأمّة، لاتعترف بغير رابطة الإيمان جامعة بينها، ولا بِسَوى أخوّة الإسلام علاقة تجمعها، كما أمرهم نبيُّهم صلَّى الله عليه وسلم قائلاً: «وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَا» [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ، وَعِبَادُ اللَّهِ» [أخرجه الترمذي وغيره] .

وفي التلبية التي يردِّدها الحجّاج درس التوحيد الأعظم، وشعار الأمَّة الأكبر الأفخـم، الذي يعلو على كلِّ شعار، ويسمو على كلِّ فخار، فالتلبية بالتوحيد بكلمة لا إله إلا الله وحده لاشريك له، والإقرار له بالنِّعـم، والإعتراف له سبحانه بالحمد العام، والملك التام، إعـلانُ ما أعلنه إبراهيم عليه السلام الذي قال الله تعالى عنه {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ..} [الحج: 78]، {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: من الآية 131].

ذلك أنَّ هذه الأمّـة لايشخّص حضارتها، ولا يميّـز ثقافتها، اسم كإسـم الإسلام، وهو الإستسلام لله تعالى بعبادته وحده، والإنقياد لشريعته وحده، والرضا بأحكامه وحده ، فله وحده العبادة، وله وحده الملك، وله الحمد كلُّه، وله الأمر، والنهي، وله الطاعة المطلقة، قال تعالى: {...أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ...} [الأعراف: من الآية 54]، وقال تعالى: {..وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: من الآية 10]، وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: من الآية 40]، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: من الآية 44].

وفي مَسير الحجّاج بين بيت الله تعالى الذي وُضع على سرِّة الأرض، ومن تحته دُحيت ومُدَّت، الأرض التي خُلق منها البشر، وإليها يعودون، ومنها يخرجون، مَسيرهـم من هذا البيت بعد الطواف حوله لخالقهم، إلى أرض عرفة التي أخرج الله تعالى فيها البشرية من ظهر أبيهم آدم، فنثرهم، وكلَّمَهم قُبُلا، فأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم، ثم عودتهم إلى بيته المعظَّم يطوفون به تارة أُخرى، بعد رمي الجمرات متبرئين من عدوّ البشر إبليس لعنه الله، مُقدّمين القرابين إلى الله تعالى بالهدي، والأضاحي.

في هذا المسير العجيب ذي المشـهد المهيب، والحجّاج متجرِّدون من الدنيا، كأنهم في لباس الأكفان فيه درس في تذكّر رحلة الحياة، وتاريخ البشرية، ونهاية التاريخ.

وأنَّ تاريخ الإنسان بغير التوحيد لا معنى له، فمنه بدأ، وإليه يعود، فالأرض التي خُلق منها الإنسان مقرَّة للهِ تعالى بالتوحيد إذ: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فُصّلت: من الآية 11]، وكذا الإنسان الذي خُلق منها، لاقيمة له إن لم يبدأ حياته بالتوحيد، ويسيرُ إلى ربِّه به حتى يلقاه.

فيتذكّر أنه شهد لربه بالتوحيد عند بدأ الخليقة، ثم يعود تارة أُخرى إلى بيته المعظم فيشهد له بالتوحيد خاتماً به حياته في لقاء ربِّه.

ولهذا كانت كلمة لا إله إلا الله تعالى، أعظم كلمة في الوجود، كما قال نوح عليه السلام في وصيته لابنه: «آمرك بلا إله إلاّ الله؛ فإنّ السماوات السبع، والأرضيين السبع لو وُضعت في كفـّة، ووُضعت لا إله إلاّ الله في كفـّة، رجحت بهن لا إله إلاّ الله، ولو أنّ السماوات السبع، والأرضين السبع كن حلقة مبهمة؛ قصمتهنّ لا إله إلاّ الله» [خرَّجه أحمد وغيره].

وفي إجتماع الأمّة في مشاعر الحج لذكر الله تعالى، في عرفة، ومزدلفة، وليالي مِنى، يجهرون بالتلبية، والتكبير، وبذكر الله تعالى، إيذانٍ من الله تعالى لهذه الأمة، أنها على هذا المبدأ يجب أن تكون إجتماعاتها العظمى، وعليه يُفترض أن تكون مؤتمراتها الكبرى.

ولو كانت الأمّة الإسلاميّة تتّخذ من الحجّ مؤتمراً عاماً يتشاور فيه إمام المسلمين مع ولاته، وقادة جيوشه، وعلماء الإسلام، في شؤون الأمّة العامّة ، لإخراجها من مِحنتها، وإعادتها إلى عزّتها، وإرجاعها إلى تفوقها الحضاري، لما جاءهـم حج آخر إلاّ وقد حرروا الأقصى، وطردوا رجس الإحتلالات من بلاد الإسلام قاطبة، وألحقوا الهزيمة بكلِّ أعداء أمتنا.

ولعادت إليهم رايتهم مرفوعـة أبيّة، وبلادهم من كلّ عدوّ نقيّة.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبـر الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي فضّلنا على الخلق بدين التوحيد، وأمرنا أن ننصره بلسان الحقّ، وقوّة الحديد، وأسبغ علينا النّعَم، ووعد شاكرها بالمزيد، وتوعّد كافرها بالعذاب الشديد.

ونشهد أنْ لا إله إلا الله شهادةً نلقى بها الله يوم إنفاذ الوعـد، وتحقيق الوعيد.

ونَشهد أنّ سيّدنا محمداً عبدُه، ورسوله المؤيَّد بالوحي ذي العِصمة، الهـدي بالحقّ لخير أمّة، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، نجوم الهدى، ورجوم العـِدا، وليوث الرّدى، وغيوث الندى، صلاةً وسلاماً دائمين أبداً، إلى أن يُبعث الناس غـدا.

أيُّها المسلمون يَحيقُ بالعالم الإسلامي اليوم شرَّان، ويَمكر به عدوَّان، عدوُّ خطير، وآخر أخطر، عدوُّ خارجي خبيث، وعدوُّ داخلي أخبث.

فالعدوُّ الخارجي هو العدوُّ الصهيوصليبي الذي يُهدّد أقدس بقاع الأرض بعد الحرمين، ويُخطّط لهدم أولى القبلتين، ويَحتلّ أرض الرافدين، وبلاد الأفغـان، ويعيث في بلاد الإسلام كلَّها فساداً، وإفساداً، فينجِّس أرضها بالقواعد العسكريّة، ويُحوِّل مُقدراتها إلى مَدد لخططه الخبيثة الشيطانيّة.

فهو يتآمر على السودان ليقسّمها، ويُقيم في جنوبها دولة للصهاينة، ويُخطّط ليفعل مثل ذلك في اليمن، وباكستان، وغيرها، فلم يدع أرضاً للإسلام إلاَّ وباض فيها وفرخ، فالعالم الإسلامي من خبث هذا العدو يئنُّ ويصرخ.

وليس لهذا العدو حلُّ إلاَّ بالجهاد، وباستنزافه بالجلاد، حتى عن خبثه يرعـوي، وعن كيده ينزوي، فكونوا أيها المسلمون عوناً للمجاهدين، وممداً لهـم ضدّ أعداء الدين.

قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].

ولاتلتفّوا إلى قول المرجفين، ودعاية المثبطين، وتخذيل المخذّلين، الذين يُسمُّون الجهاد في سبيل الله فتنة ومفسدة، والذلِّ لأعداء الله تعالى حكمة ومصلحة، فهؤلاء هم أذناب المستعمر، وأعوانُ الكافر المستكبر، قاتلهم الله أنىّ يؤفكون.

ومثل هذا العدوُّ في الخطر، بل هو أشدّ منه خطورة، العدوُّ الصفوي المتآمر مع أعداء الأمّة عليها في كلِّ عصر.

وأما العدوُّ الداخلي فهم الذين يُحاربون ديننا وهـم من بني جلدتنا، ويتكلَّمون بلساننا، من المنافقين المفسدين في الأرض، وهم الذين جاء وصفهم في الحديث الشريف: دُعاةٌ على أبواب جهنم، كما روى حذيفة رضي الله عنها، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قلتُ: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قلتُ: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «همْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» [رواه البخاري].

وهؤلاء هم العلمانيُّون الذين يُسمُّون أنفسهم "ليبراليين"، وتعرفونهم بثلاث صفات، فاعرفوهم، وأحذروهم:

إحداها:

أنهم ليس لهم هم إلاَّ مُحاربة الدين وأهله، فتارةً يحاربون الشريعة، ويشوِّهون أحكامها، وتارةً يُحاربون القرآن ويُغلقون مَعاهد تحفيظه، وتارةً يلاحقون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتارةً يلبسون الحق بالباطل، بتشجيع كلّ من يُفتي بالشذوذ لإظهار الإسلام في صورة مُستقبحة، بُغيَة صدّ الناس عنه.

والثانية:

أنهم أشدُّ الناس سعياً في بثّ ما يُفسدُ أخلاق الناس، وينشر الرذائل، ويُحارب الفضائل، ويُعارض العفّة، فهم مالكوا قنوات العُهر واللّخانة، وهم تجَّار التخنُّث والمجانة.

والثالثة:

أنهم لايُعجبهم إلاّ ما يأتي من سادتهم الغربيين، الذين إتخذوهم أولياء من دون الله، وجعلوا أفكارهم شريعة يتبعونها دون شريعة الله تعالى.

ويردِّدون كالببغاوات ما يقوله أعداء الإسلام في رجوع المسلمين إلى دينهم، فيسمُّون التمسُّك بالدين تشدُّداً، والتحلِّي بالعفِّة تخلُّفاً، والجهاد في سبيل الله إرهاباً وتطرُّفا!

ولهذا تجد أولياءهم من شياطين الغرب يُحبُّونهم، ويُقربونهم، ويكرمونهم، ويزيـد قدرهم عند سادتهم من كفرة الغرب، كلَّما زادوا في حربهم على الإسلام، وشرائعه العظام، فيستدعونهم إلى العواصم الغربية، ويُعطونهم الهدايا، ويُعلِّقون على صدورهم المريضة، الأوسمة العريضة!!

وقد عظُم شرُّهم، واستطار ضررُهم، لما رأوْا إنتشار الصحّوة الإسلامية في بلاد الإسلام، والعودة الدينيّة تنتشر بين الأنام، فأوحت إليهم شياطينهم أن حاربوا هذه الصحوة بإغلاق قنواتها الفضائية، ومنع الفتوى الإسلامية، وحظر مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وإرهاب المُصلحين، وسجن العلماء، والدعاة بتلفيق التُّهم الباطلة.

ليخلُو لكم الجوّ فتفسدوا الناس، وتلبِّسوا عليهم دينهم أيمّا التباس.

ولكن هيهات أن يتمَّ لهم كيدُهم فسنّة الله تعالى فيمن يَمكر بهذا الدين معلومة لكلّ ذي بصر، وهي أنه يُملي له ثمّ يأخذه أخذَ عزيز مُقتدر.

أفلا يتدبرون قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ‏} [النحل: 26].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [المجادلة: 5].

وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصفّ: 8].

هذا.. ونسأل الله تعالى أن يُخزيهم، ويرينا فيهم آياته، ويجعلهم عبرة لمن يعتبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إلا إلاّ الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيّهـا المسلمون:

قـد شرع الله تعالى ذبح الأضاحي هذه الأيام المباركة، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من وجد سعة فلم يضحّ فلا يقربنَّ مصلاّنا» [رواه أحمد و ابن ماجه وصحّحه الحاكم].

وصحَّ أن الشاة تُجزئ عن الرجل وأهل بيته في الأضحية، كما تجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا يُجزئ من الضأن إلاّ ما تمّ له ستة أشهر، ولا من المعز إلاّ الثنيّ وهو ما تم له سنة، ولا من الإبل إلاّ ما تم له خمس سنين، ولا من البقر إلاّ ما تم له سنتان.

ويُستحبّ أن يتخيّرها سمينة صحيحة لاعيب فيها، ولا تجزئ المريضة البيّن مرضها، ولا العوراء، ولا العجفاء، وهي الهزيلة، ولا العرجاء البيّن ضلعها، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وتُجزئ الجمّاء، والخصي.

ومن السنة نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الأيسر متوجهة إلى القبلة، ويقول عند الذبح: "بسم الله" وجوباً، ويُستحبّ أن يزيد "الله أكبر"، اللهم هذا منك ولك،

ويُستحب أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ} [الحج: من الآية 36]، ولا يعطي الجزار أجرته منها.

وَوقت الذبح بعد صلاة العيد باتفاق، ويومان بعده، واختلف العلماء في اليوم بعدهما، والصواب أنه يُجزىء أيضاً.

كما يشرع التكبير في هذه الأيام، أما التكبير المقيـّد لغير الحاج فيبدأ من يوم عرفة إلى آخر عصر أيام التشريق، وأمّا الحاج فيبدأ من ظهر يوم النَّحر، وأمّا التكبير المُطلق فيكون في عشر ذي الحجة كلها.

أيّها المسلمون:

اعلموا أنّ السعادة في العيد، ليست لمن لبس فيه الجديد، وتفاخر فيه بالمال الطارف والتليد، وتقلب بالعيش الرغيد، وقامت عليه الخدم والعبيد.

لكنّها في شكر النعم بالطاعات، والاستعداد ليوم المعاد بالباقيات الصالحات، وبفعل المعروف، وترك المنكرات.

وذلك كلُّه مجموع في اسم التقوى، ولهذا فهي وصية الله للأولين والآخرين، وهي اسم جامع لكلِّ ما يرضي الله تعالى، ويجنِّب العبد سخط ربّه.

وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النِّساء: 131]، وقال : {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: من الآية 26]، وقال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة: من الآية 197] .

فالتقوى هي سِرّ الأسرار، وجوهر أعمال الأبرار، ولباب إجتهاد الأخيار.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

يا عباد الله، اعلموا أن الله تعالى بيده الأمر كلُّه، وإليه يرجع الأمر كلُّه، علانيته وسرُّه، فمن عرف الله تعالى، وعامله معاملة العبد الضعيف المذنب، للسيّد الكامل المُنعِم، نال سعادة الدنيا والآخرة.

وقد ذكر بعض العلماء مجموعاً مما جاء في الأخبار، مساقاً في مساق الأثر الإلهي:

"إنـِّي والجن والإنس في نبإ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلـىّ صاعد، أتحبَّب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغَّضون إلـيّ بالمعاصي، وهم أفقر شيء إلـيَّ، من أقبل إليّ تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي، وقوتي ألنت له الحديد.

أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين، وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب.

ومن آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها، واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها".

هذا وأكثروا من الصلاة على الحبيب المصطفى، والشفيع المجتبى، محمّد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلّ، وسلم، وزدّ، وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آل بيته، وعلى الصحابة أجمعين، وخصّ منهم الخلفاء الأربعة الراشدين، أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزّ الإسلام ورُدَّ المسلمين إلى دينهم، وقاتل أعداء الدين، الذين يصدُّون عن سبيلك، ويُكذِّبون رُسلك، لاسيما الصهاينة والصليبيين، ومن والاهم من المنافقيـن.

اللهم من أراد أمة الإسلام بسوء، فرُدَّ كيده في نَحرِه، واكفف عن المسلمين شرّه.

اللهم طهّر بلاد الإسلام لاسيما الأقصى وفلسطين، من رجس اليهود المُعتدين، والصليبيين المُستكبرين.

اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وحرّر حِصارهم، ورُدَّ أسراهم إلى أهلهم وديارهم، وانصر المجاهدين في العراق، وأفغانستان، وكل بلاد المسلمين.

اللهمّ فـرّج عن أهل غـزّة حصارهم، وارفع عنهم بلاءهم، وأمدَّهم بمددٍ من عندك، تربط به على قلوبهم، وتثبّت أقدامهم، اللهمّ وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، واجعل على الصهاينة وإخوانهم الصليبين المجاعه، والزلازل، والكوارث، تباعاً تباعا.

اللهم اجعلنا هداة مُهتدين، صالحين ببررة، غير ضالين ولا مُضلِّين، اللهم أحفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء، ولا الحاسدين يارب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، آمين، آمين، آمين..
 

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية

  • 9
  • 1
  • 17,156

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً