حافظ سلامة.. سلاماً!
منذ 2012-11-05
رأيته في مَيدان التحرير، عصر يوم "التنحّي".. أيّ: يوم "11- فبراير-2011".. مرَّ من أمامي يشقُّ الكُتل البشرية الثائرة، مثل السَّهم.
رأيته في مَيدان التحرير، عصر يوم "التنحّي".. أيّ: يوم "11- فبراير-2011".. مرَّ من أمامي يشقُّ الكُتل البشرية الثائرة، مثل السَّهم.
من الصعب أن تُصدِّق أن الشيخ المُسنّ والذي جاوز العقد التاسع، هو الذى يَمرُّ من أمامِكَ في حيويةٍ وعفويةٍ وحماسٍ ونشاطِ شابِّ عشريني. كان غالبية المتظاهرين في مَيدان التحرير في ذلك اليوم قد أصابهم الإعِياء.. والأخطر هو شعورهم المُتنامي بالإحباط. ويبدو لي أنه في ذلك اليوم تحديداً، كان الإحباط قد بلغ ذروته.
كان ذلك جليّاً في العصبية والتوتُّر والغيظ المُنّفلت الذي لم يكن خفيّاً أو مَطموراً، إذِ احتشد عشرات الآلاف وانطلقوا لأول مرّة صوب ماسبيرو.. ومِثلَهم قطعوا المسافات الطويلة نحو القصر الجمهوري في مصر الجديدة.. وكان ثمّة إصرارٍ غيرَ مسبوقٍ على أن تكون تلك الليلة هي آخرِ ليلة لمبارك في قصور السُلّطة.
غيرَ أن الإحباط بدأ يُترجم إلى مشاعر خطرة، وربما تسلّل إلى البعض إحساس بأنه "لا فائدة".. وهي النقطة التي كانت ستنكسِر عندها الثورة.. ويعود مبارك ليبطشَ مجدداً بالجميع.
غير أن دخول الشيخ حافظ سلامة أرض الميدان، مُحاطاً بالمحبين والعُشّاق والمناضلين، جدّد الأمل فى النُّفوس اليائسة، وأعاد الحيوية والنشاط مجدداً إلى القلوب المتْعبة، وأبرق الرسائل إلى الشباب حاملة بِشاراتِ النَّصر، حالاً تحلّى الجميع بالصبر والثبات والمثابرة.
الشيخ حافظ سلامة؛ كانت بركَتُه كبيرة في ذلك اليوم، إذ لم يمرُّ إلا سُويعات قليلة، حتى ظهر نائب الرئيس المخلوع على شاشاتِ التليفزيون مُعلناً تنحّي مبارك وإسنادِ إدارة البلاد إلى المجلس العسكري.
حافظ سلامة ليس محضَ "داعية" يَقضي وقته الطويل، في الاستديوهات "المترفة". بل إنه مجاهدٌ حقيقي، عَشِقَ الحياة وسط الجنود على مَيادين القتال، ويقودُ المقاومة الشعبية، ويُحرّر مُدناً من الإسرائيليين.. وظلّت مدينة السويس عَصيةً على الآلة العسكرية الإسرائيلية المُتفوِّقة تكنولوجياً، أمام صلابة وجسارةِ هذا الشيخ "الأسطورة" الذى حاربه مبارك.. كما حارب أبطال أكتوبر العظام، مثل الراحل سعد الدين الشاذلي رحمه الله تعالى.
لم تكن مفاجأة لي عندما شاهدتُ صوراً للشيخ حافظ سلامة، وسطَ ثوار سوريا، يتفقّدُ المواقع والمدُن المُدمّرة والجرحى ويُشارك فى تشييع جثامين الشهداء.. ويُبرق الرسائل إلى مصر، ناقلة نبضَ الثورة السورية وأشواقها وأحلامها، ودَور المُقاتلين المصريين على جبهات القتالِ مع قُوّات الطاغية الدموي والطائفي بشار الأسد.
حافظ سلامة.. هذا الشيخ التسعيني يُحرِجُنا.. يَجلدنا.. يُعلّقنا على جذوعِ النخل.. ويفضحنا.. يقتُلنا كلَّ يومٍ بما نشعرُ به من خجل.. هنا مَشغولون بمليونية "تطبيق الشريعة".. وهو هناك تحتَ القصف الوحشي، وبراميل البارود يذودُ عن دماء المسلمين.
فارقٌ كبير.. فهلاّ تعلمّنا الدرس؟!
محمود سلطان
[email protected]
المصدر: موقع جريدة المصريون
- التصنيف: