الشريعة.. المادة المُضافة هل أضافت؟

منذ 2012-11-15

المادة الثانية من الدستور، بما تحمله من ثقل يفرضه احتواؤها على لفظ "الشريعة الإسلامية"، جعلها بدورها تفرض نفسها على التعديلات الدستورية التي جرت في مارس قبل الماضي؛ بالرغم من عدم إدراجها بين المواد المُعدلة، إلا إنها كانت المادة الأكثر حضورًا! وطغى حضورها على المشهد السياسي حتى تاريخه.


المادة الثانية من الدستور، بما تحمله من ثقل يفرضه احتواؤها على لفظ "الشريعة الإسلامية"، جعلها بدورها تفرض نفسها على التعديلات الدستورية التي جرت في مارس قبل الماضي؛ بالرغم من عدم إدراجها بين المواد المُعدلة، إلا إنها كانت المادة الأكثر حضورًا! وطغى حضورها على المشهد السياسي حتى تاريخه.

الآن ومع شبه الاستقرار على نصها، وما يرتبط بها من مواد أخرى؛ كيف يُتَرْجِم هذا النص علاقتنا بالشريعة، ويختتم حراكًا حولها دنى من العامين؟

المادة حافظت على نصها كما جاء فى الدستور السابق؛ دون تغيير، فى الوقت الذى أُضيف فيه إلى المشروع الجديد مادة "تفسيرية" فى باب الأحكام العامة برقم 220 (وفقًا لآخر مسودة)، تُفسر تعبير "مبادئ الشريعة" ذلك التعبير الغامض، جاء نصها:

"مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".

التفسير المُضاف، والذي لا يُضيف إلا غموضًا! فُسرت إضافته هذه بأنها لإحكام التفسير، وإفلاتًا به من قبضة المحكمة الدستورية، من بعد أن قُوبل اقتراح بتولى الأزهر أمر التفسير، والمرجعية بالرفض؛ حتى من قبل الأزهر نفسه.

فهل شكلت هذه المادة إضافة بالفعل؟ المدهش أنه لا، فالمادة التفسيرية لم تخرج عن التعريف الذي سبق وأن أوردته المحكمة الدستورية ذاتها فى نص حكمها فى الدعوى رقم 8 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا الذى جاء فيه:

"لا يجوز لنص تشريعي، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلا." (حكم الدعوى رقم 8 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا)

فالتعريف الجديد لم يغادر دائرة الأدلة الكلية، أو المبادئ الكلية؛ القواعد والأصول الثابتة! فهو في النهاية تعريف "المبادئ"، والنص عندما يستطرد فيشير إلى المصادر المعتبرة ف يمذاهب أهل السنة والجماعة، فإنه لا يعنى بذلك إلا مصادر هذه المبادئ، والأدلة الكلية، والأصول، دون أن يتعداها إلى أدلة جزئية.

الذى يزيد من مساحة الدهشة في هذا المقام؛ هو دور المحكمة الدستورية العليا من تفسير النصوص التشريعية، فمن بعد مطالبات بأن يكون الأزهر هو مرجعية التفسير، إذا بنا نجد أن مشروع الدستور يخصص لها هذا الدور على نحو غير مسبوق فى الدستور السابق، الذي كانت تنص مادته رقم 175 على الآتي:

"تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص التشريعية.." (نص دستور 71)

بينما تنص المادة رقم 128 من مسودة الدستور الجديد على الآتي:

"المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، مقرها مدينة القاهرة، وتختص دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية..".

فمن بعد "تتولى" أصبحت "تختص دون غيرها"؛ بما يجعل لها الكلمة الأولى والأخيرة في الفصل فى دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية!

وبهذا يكون ما جاء فى المادة 4 الخاصة بالأزهر الشريف؛ والتي تنص على:

".. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية".

نصًا فارغًا من معناه، فيبقى سؤاله اختياريًا غير مُلِزم، وإجابته استشارية غير نافذة.

فى ضوء ذلك يأتى مفهومًا تنازل القوى المناوئة لتطبيق الشريعة داخل الجمعية التأسيسية عن نص المادة 68 الخاصة بالمساواة بين المرأة والرجل، في مقابل التخلص من النص الذي يُشير إلى "أحكام الشريعة". التي بحسب تصريح للدكتور السيد البدوى عضو الجمعية التأسيسية، قد استحوذت على القدر الأكبر من الخلاف، وبما لم تنله المادة الثانية، التي تم التوافق عليها فى يُسر (بحسب قوله) (أخبار اليوم |التأسيسية تتوافق علي حذف مادة المساواة بين المرأة و الرجل)!، فلو أن المادة الثانية مُحكمة بما يكفي؛ لما نشأ اعتراض على نص المادة 68، وهنا يسقط تفسير المهندس وائل غنيم لهذا الاعتراض فى ضوء نظرية التكرار الذي قدمه! فالحرص على عدم تكرار النص لا يوازي (بل فاق) الحرص على إثبات وتأصيل مساواة المرأة بالرجل. هذا لأن المساواة مصونة بمعاهدة دولية (سيداو)، بينما المادة المحذوفة كانت تحد من تفعيلها وتقيدها بأحكام الشريعة.

الحق أن الأمر واضحًا مفهومًا يكفى لبيانه ما جاء على لسان الشيخ عبد الخالق شريف، مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين؛ في تصريح لليوم السابع، جاء فيه:

"أن الأدلة الجزئية فى الشريعة الإسلامية مختلف عليها، وأن الدستور لابد أن ينص على الأدلة الكلية، نظراً لصعوبة تعديله من فترة لأخرى، وأضاف: "من الصعب النص على أحكام الشريعة الإسلامية فى الدستور، نظراً لأنها مختلف عليها، وفقا لكل مذهب، أما القواعد الكلية فهى الحاكم الأساسى". (اليوم السابع|| الإخوان: لم نتفق مع القوى الإسلامية على المشاركة فى "مليونية الشريعة").

نخلُص مما سبق، أن الإضافة الحقيقية هي مزيد من توغل المحكمة الدستورية العليا في تفسير النصوص التشريعية. وهو التوغل الذي يهدد تمرير قوانين تتوافق مع الشريعة الإسلامية؛ لكنها لا تتوافق بالقدر نفسه مع إرادة الدستورية العليا، هذا إذا ما تم التمكن من تشريع مثل هذه القوانين؛ والذي لن يكون إلا عبر أغلبية برلمانية تتوفر لديها الرغبة فى ذلك، لنجد أن القانون بمثل ما يحتاج أن يمر بدورة تشريعية، فإن عليه كذلك أن يجتاز سلسلة من الرهانات. ولا أخاله يكون أسعد حظًا من المادة الثانية.


نور عبد الرحمن
 

المصدر: رابطة النهضة والإصلاح
  • 0
  • 0
  • 3,568

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً