حكم الاحتفال بالمولد

منذ 2005-04-17

فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين، بل هي يضاف إليها شيء من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك....


سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله كما في فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود (1 / 126) -:

ما الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي؟

فأجاب فضيلته :
"نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام -ولا أقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم- نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر-، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة، كما قال تعالى: {قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158]، وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شراً إلا بيّنه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله، وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» قال هذه الكلمة العامة، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول، وأفصح الناس بما ينطق، وأنصح الناس فيما يرشد إليه، وهذا الأمر لا شك فيه؛ لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى، ولهذا روى النسائي آخر الحديث : «وكل ضلالة في النار» ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة، لأن الله تعالى تكفّل بحفظ شريعته، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذلك علم أنه ليس من دين الله، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبن لهم مشروعيتها لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة، من الفرائض والسنن المعلومة، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع.

وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن بل في كثير من الواجبات والمفروضات، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم المودي إلى الشرك الأكبر، المخرج عن الملة، والذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري:


يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاً
وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم



مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام: "فإن من جودك الدنيا وضرتها". ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس كل جوده، فما الذي بقي لله عز وجل، ما بقي لله عز وجل، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وكذلك قوله: "ومن علومك علم اللوح والقلم". ومن: هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب.

ورويدك يا أخي المسلم، إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله، أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50]، وما أمره الله به في قوله: {قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً} [الجن:21]، وزيادة على ذلك: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن:22]، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى.

فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين، بل هي يضاف إليها شيء من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك.

وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله؛ ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد".

المصدر: موقع صيد الفوائد

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 13
  • 2
  • 15,445
  • طاهر بن عبدالمجيد

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبني مفهوم مهم جدا ألا وهو أن كل شيء فيه شرك وفيه ما يخالف ماأمر الله به فهو بدعة [[لم يعجبني:]] أعتقد بعد أن سألت مجموعة من العلماء بأن الصوم والزكاة والصدقة وقراءة القرآن وقراءة سيرة الرسول (ص)الصحيحة في المناسبات الدينية من غير أن ألزم نفسي ومن غير أن أقول أن هذه سنة فهو مباح خاصة إذا الكان القصد منها شكر لله تعالى كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشكر ربه كل يوم الإثنين لمولده...
  • إيمان

      منذ
    [[أعجبني:]] كله أعجبنى جدأٌ.. وهو شامل وجميل و ممن نتعلم إن لم نتعلم من هذا العالم!! جزاه الله خيراٌ على علمه هذا.. و جزاكم الله خيراً على توصيله لنا .
  • ProfAhmed33

      منذ
    [[أعجبني:]] أراء ممتازة من كتاب الله و سنة الرسول

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً