أفلام الكارتون.. نظرة فاحصة

منذ 2005-04-23

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « <span style="color: #3366FF">وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا</span> » رواه البخاري.


وُجّهت ضربات عديدة إلى مقاتل المجتمع المسلم بقصد تغريبه عن دينه، وتجهيله بحقيقته، ومسخه إلى مجتمع مفتوح على كل الثقافات، دون احتفاظ بشخصيته المتميزة، بحيث يكون بدون هُوِيّة يعتنقها، أو يدافع عنها، ولم تكن كل تلك الضربات عسكرية، بل إن بعضها نوع غريب وخبيث، بطيء التغيير، ولكنه يصل إلى العظم، استهدف به أعداؤنا فئات عدة من مجتمعات المسلمين، مثل الشباب والنساء، ولكنهم لم يتركوا -أيضاً- فئة عزيزة على نفوسنا جميعاً، تمثّل مستقبلنا الواعد، وأمانينا الجميلة.

فئة هي أكثر استعداداً لقبول كل جديد، والتغير السريع، إنها فئة (الأطفال)، تلك الفئة العمرية التي تتعامل مع ما حولها ببراءة، مقتصرة على التلقّي واكتناز المعلومات، لتحويلها إلى سلوك عملي، يحدّد كثيراً من منحنيات حياتهم بعد البلوغ.

إننا إذا كنا نظن أن الخطر الغربي عسكري محض، فذلك خطأ تاريخي جسيم، وغفلة حضارية خطيرة، فإن التأثير على القيم، وتغيير الشعوب من الداخل أكثر خطورة من التغيير بالتهديد العسكري؛ لأن التهديد العسكري سرعان ما ينهار، وتنتفض عليه الشعوب الحرة، ولكن الخطورة في التأثير الذي يبرز في أثواب التسلية والترفيه، حيث يسري السمّ مع العسل.

لقد علم أعداؤنا أن غالب الأطفال في عالمنا اليوم يتلقون ثقافتهم -وبخاصة قبل المدرسة- من التلفاز، بحيث تشكل تلك الثقافة الخارجية 96% من مؤثرات الثقافة في حياتهم، وغالبها من أفلام الرسوم المتحركة، أو ما يُسمّى أفلام الكارتون، يليها برامج الأطفال الأخرى، والمسلسلات والأفلام وأمثالها.

حتى أصبح لتلك الأفلام الكارتونية قنوات خاصة تبث طوال اليوم، في قالب فني جذاب متطور، وأنطقوها بلغتنا، فالتصق بها أطفال المسلمين التصاقاً مخيفاً، أثّر على تشكيل عقيدتهم وعقولهم وبناء شخصياتهم، إلى جانب التأثير السلبي على صحتهم العضوية والنفسية.

الرسوم المتحركة خطر غير مدرك

إن أفلام الكارتون قنابل تتفجر كل يوم في شاشاتنا الصغيرة دون وعي منا أو متابعة، فهي لا تزال بريئة في أعيننا، مجرد تسلية، وأشد الأمراض فتكاً ما يغفل عنه صاحبه، وأشد الأعداء توغّلاً وإضراراً، ذاك الذي يبدو لك بعيني صديق حبيب، وهو يحفر الخندق، ويطعن الظهر. ومن عادتنا ألا نتنبه لأمر حتى يبلغ ذروته، بل بلغت الغفلة بإحدى الأمهات حين سُئلت عن علاقة أولادها بأفلام الكارتون أن تصرح بأنها لا تعلم عن أولادها شيئاً(1)، وأخرى تتمنى أن ترتاح من أولادها وضجيجهم، ولو أن تلقيهم في الشارع!!

فأينها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا » رواه البخاري.

لقد أشغلت هذه الرسوم المتحركة أطفال المسلمين أيّما إشغال.. فما عادوا يطيقون أن يستغنوا عنها، ولو يوماً واحداً دون أن يشاهدوها، بل فضلوها حتى على مرافقة الآباء والأمهات في النزهات والحفلات، حتى أكلت أوقاتهم، وبدّدت طاقاتهم، وشلّت تفكيرهم، وزاحمت أوقاتهم في مراجعة الدروس، وحفظ كتاب الله، فضلاً عن أن يجلسوا مع أهليهم جلسة صافية، ليتلقوا منهم الأدب والدين الخلق.

وقد اشتكت من ذلك عدد من الأمهات الواعيات حتى قالت إحداهن: "إن جهاز التلفاز يرتفع صوته بشكل غير مقبول أثناء عرض مسلسل أبطال الديجتال، ويمتنع أبنائي ( 6 - 9) سنوات أثناء مشاهدته عن الأكل أو مجرد الرد ّعلى أي سؤال، أنا مستاءة جداً ولا حول لي ولا قوة، وأرجو أن أجد الحل للتخلص منه"، وتقول أم أخرى: "إن أبنائي يتابعون المسلسل أكثر من مرة في اليوم، وبمجرد انتهائه يبدأ الشجار والعنف بينهم تقليداً لحركات أبطال الديجتال" (2). ويؤكد أحد الباحثين أن الأطفال يشاهدون تلك الأفلام " لمدة قد تصل إلى عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية (المتوسطة) فقط !! وهذا ما أثبتته البحوث والدراسات من خلال الواقع المعيش".

أخي المسلم..
يكفي أن تعلم أن الرسوم المتحركة ما هي إلا حكاية عن واقع رسمها من عقائد وأخلاق يعترف بها، ويتعامل بها؛ كما يثبته علماء الاجتماع، فإذا علمت بأن 70% من هذه الأفلام تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية، علمت مدى خطورة نقل خزايا المجتمعات الغربية وعريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان أطفالنا؛ مما يدخلهم في دوامة الصراع بين ما يرون وما يعيشون من مُثُل وقيم، وأفكار وحضارات؛ مما يجعلهم في حيرة وتذبذب، كل ذلك ونحن نظن أنهم يستمتعون بما يشاهدون وحسب.

إن هذه الرسوم -كما يقول المختصون- تشغل قلوب فلذات أكبادنا، وتصوغ خيالهم وعقولهم وتفكيرهم، وتشوّه عقائدهم وثقافاتهم بعيداً عن تقييمنا الدقيق، بل ربما يكون إدمانهم على مشاهدتها تحت رعاية منا، ومشاركة في معظم الأحيان.

وننسى أنها من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انحراف الطفل، وتبلّد ذكائه، وتمييع خلقه؛ فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية، وتشكيك في المعتقدات لا يجوز الاعتماد عليها -بحال من الأحوال- في تنشئة أطفالنا، وتربيتهم.

والعجيب أن يتغافل الآباء والأمهات عن هذه الحقيقة، ويديرون لها ظهورهم كأنهم لا يعلمون ذلك كله؛ بحجّة تحقيق الهدوء في المنزل، بتخدير الطفل أمام الشاشة، حتى قال أحدهم: "فور صدور أية حركة تنبئ عن استمرار طفلي في اللعب والصراخ، أدير التلفاز على إحدى القنوات، لا إرادياً أجد طفلي ممدداً على الأرض وبصره إلى التلفاز، في حالة أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي".

ربما كان هناك من سيقول لمن يدق أجراس الحذر من هذه الأفلام: تلك مبالغات منفوخة، وخوف متوتر لا داعي لهما؛ فالمسألة مسألة تسلية وحسب، ولكنها الحقيقة التي نضعها بين أيديكم لعدد من المختصين الذين أبدوا رأيهم بحياد شديد وموضوعية، وعدد من الآباء والكتاب الذين رأوا بأعينهم، وقالوا بألسنتهم.

إنني اليوم أبلغ ما رأيت وجوب تبليغه، وأبرئ ذمتي بأن أشارك في كشف الآثار الصارخة، التي يمكن رصدها بكل سهولة في أي مسلسلات كارتونية غير موجهة تربوياً ولا شرعياً. وفي الحلقة القادمة -بإذن الله- سأتابع الآثار السلبية على أطفالنا من جراء تعلّقهم بأفلام الرسوم المتحركة غير الموجهة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


(1) كيف غزا أبطال الديجتال عقول أبنائنا؟ ولدي ، العدد 45 ، أغسطس 2002م ، ص : 23 .
(2) المصدر السابق.
المصدر: موقع الإسلام اليوم - 9/3/1426 هـ - 18/04/2005 م

خالد بن سعود الحليبي

شاعر معروف وأستاذ مساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 13
  • 21
  • 20,203
  • أبو أنس

      منذ
    [[أعجبني:]] طبعا د.خالد غني عن التعريف في الأحساء ومقالته ودروسه من متخصص في رعاية الأسرة بكل أفرادها وهي صيحة من خبير رغم عموم البلوى وحتى ما هو منها هادف ومفيد في مضمونه لا يخلو من الخطر لأن الخطر في مجرد جلوس الأطفال مسمرين أمام هذه الشاشة لفترات طويلة بغض النظر عن مضمون المادة في الوقت الذي يحتاج الجسم إلى حركة وهوأيضا متلقي في الوقت الذي يجب أن نربيه على التفكير والإستنتاج والتحليل والإبداع فإمساكه ورقة وشخبطته عليها أفيد له تربويا من الجلوس والاسترخاء فضلا عن ممارسته لعلوم أكبر من مجرد الرسم ( حسب العمر ) ولكن بحاجة إلى إبداعاته وإنجازاته التي يكبر بها في نفسه وفي عين أهله وهذا هو النمو الحقيقي والسليم لا سيما الأولاد ، إذ طبيعتهم الخَلقية محتاجة للحركة واللعب أكثر من البنات أيضا فما تورثم هذه الجلسات إلا الكسل وحب الراحة الجسدية والعقلية وهنا مكمن الخطر
  • ابو عبد الرحمن

      منذ
    [[أعجبني:]] مداخلة : المثل الصيني يقول: ( إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر ماذا يقرأ أطفالها) نحن الآن أطفالنا لا يقرؤون ولايكتبون في أوقات فراغهم وانما يشاهدون ويختارون بالفأرة (mouse) فالمستقبل اذا سلمنا بالمثل جدلا سيكون أمة لا تقرأ ولا تكتب ومن المعلوم أن أمة لا تقرأ لا تتقدم!!
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] مقال يعتبر جرس خطر اتمنا ان يلاقى الانتباة والتطبيق ممن يهمة الامر من أولياء الأمور وغيرهم [[لم يعجبني:]] عدم طرح البديل وعدم ذكر الامثلة التى تدل على وجود أشياء تضر قيمنا
  • Mohamad Fahmy Nahhas

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني جدا المقال وطريقة تناول الموضوع وجزاكم الله خيرا. [[لم يعجبني:]] عدم طرح البديل عن الكارتون بالنسبة للسن قبل المدرسة ومن رايكم في الكارتون عن القصص الدينية الذي تعرضه بعض القنوات الدينيه.وجزاكم الله خيراَ
  • قارئة متشوقة للمعرفة

      منذ
    لم يعجبني: بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم لا تعليق لي سوى ان الاساس يعود الى تربية الاهل و متابعتهم....... بالمناسبة انا من متابعي الرسوم منذ صغري و لم اتاثر به و لو تأثير بسيط جزاكم الله خيرا
  • قارئة متشوقة للمعرفة

      منذ
    لم يعجبني: بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم لا تعليق لي سوى ان الاساس يعود الى تربية الاهل و متابعتهم....... بالمناسبة انا من متابعي الرسوم منذ صغري و لم اتاثر به و لو تأثير بسيط جزاكم الله خيرا
  • أنـس

      منذ
    [[أعجبني:]] التحليل الدقيق للغاية [[لم يعجبني:]] أخطاء في التحليل .. اذ أن الكثير من أفلام الكرتون موجهة للشباب فوق 15 سنة .. وفوق 18 سنة .. مثل كونان وأجنحة الكاندام .. وأبطال الديجيتال نفسه .. في جزئه الثالث .. كان قمة في التعقيد التكنولوجي .. حيث لا يفهمه الا من هو فوق 16 سنة .. وربما أكثر..
  • مجدي

      منذ
    [[أعجبني:]] واقعية الاحصائيات و نتائج الدراسات المقدمة. [[لم يعجبني:]] كان من المفروض تقديم حل بديل للأطفال بدلا كم هذه الأفلام الخطيرة , كالأفلام الدينية و ما الى ذلك.
  • islam

      منذ
    [[أعجبني:]] 1-غيرة المؤلف جزاه الله خير على الأطفال 2-التوعية باهمية التربية [[لم يعجبني:]] 1.ما هو البديل 2.ليس كل ما في الغرب سىء 3.علينا ان ناخذ من الغرب ما ينفعنا و ننبذه بالكلية
  • ابا الحسن

      منذ
    [[أعجبني:]] ما قرأته يثبت انه يجب على المسلمين ان يقوموا بتصميم الرسوم المتحركة التى تنبع من الحضارة و الثقافة الاسلامية و هذا يوجب ابداع فى القصة الاسلامية و التصميم المتحرك ايضاَ وهذا يمكن ان يكون الحل الوحيد لاستبدال الفاسد بالصالح.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً