طوبى لكم يا أهل الشام! وأنتم تجدّدون سيرة الصحب الكرام
معركة الإسلام اليوم في أرض الشام معركة فاصلة بإذن الله، يجدّد فيها شباب سورية ورجالها، وأطفالها ونساؤها سيرة أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وجهادهم وتضحياتهم، ويضربون أروع الأمثال في أخلاقيّات المجاهدين، وسلوكهم الحضاريّ المتميّز.. وهذه صور من جهاد الصحابة رجالاً ونساءً، وصبرهم وتضحياتهم..
معركة الإسلام اليوم في أرض الشام معركة فاصلة بإذن الله، يجدّد فيها شباب سورية ورجالها، وأطفالها ونساؤها سيرة أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وجهادهم وتضحياتهم، ويضربون أروع الأمثال في أخلاقيّات المجاهدين، وسلوكهم الحضاريّ المتميّز.. وهذه صور من جهاد الصحابة رجالاً ونساءً، وصبرهم وتضحياتهم..
كانت أم عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ وهي أم عمارة نسيبة بنت كعب تقول: إنّ ابنها عبد الله هو الذي قتل مسيلمة الكذّاب، وكانت ممن شهد ذلك اليوم، وقطعت فيه يدها، وذلك أن ابنها حَبِيبَ بْنَ زَيْدِ كان مع عمرو بن العاص بعمان عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك عمراً أقبل من عمان، فسمع به مسيلمة فاعترض له، فسبقه عمرو، وكان حبيب بن زيد وعبد الله بن وهب الأسلميّ في الساقة، فأصابهما مسيلمة، فقال لهم: أتشهدان أني رسول لله؟ فقال الأسلميّ: نعم، فأمر به فحبس في حديد، وقال لحبيب: أَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللّهِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَسْمَعُ، فَجَعَلَ يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ فِي يَدِهِ، لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا ذُكِرَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آمَنَ بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ: لَا أَسْمَعُ، حتّى قطّع يديه من المنكبين، ورجليه من الوركين، ثمّ حرقه بالنار، وهو في كلّ ذلك لا ينزع عن قوله، ولا يرجع عن ما بدأ به، حتى مات في النار رحمه الله.
فلمّا تهيّأ بعث خالد بن الوليد إلى اليمامة جاءت أمّ عمارة إلى أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه فأستاذنته في الخروج، فقال لها أبو بكر: "ما مثلك يُحال بينه وبين الخروج، قد عرفناك وعرفنا جزاءكِ في الحرب فاخرجي على اسم الله".
قالت فيما حدّث به عنها ابن ابنها عبّاد بن تميم بن زيد: "فلمّا انتهوا إلى اليمامة واقتتلوا تداعت الأنصار فأخلصوا فلما انتهينا إلى الحديقة ازدحمنا على الباب، وأهل النجدة من عدونا في الحديقة قد انحازوا يكونون فئة لمسيلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة والله يا بني ما رأيت أبذل لمهج أنفسهم منهم وجعلت أقصد لعدو الله مسيلمة لأن أراه وقد عاهدت الله لئن رأيته لا أكذب عنه، أو أقتل دونه وجعلت الرجال تختلط والسيوف بينهم تختلف وخرص القوم فلا صوت إلا وقع السيوف حتى بصرتُ بعدو الله فأشد عليه ويعرض لي منهم رجل فضرب يدي فقطعها فوالله ما عرجت عليها حتى انتهى إلى الخبيث وهو صريع وأجد ابني عبد الله قد قتله".
وفي رواية: "وابني يمسح سيفه بثيابه، فقلتُ: أقتلته؟ قال: نعم يا أّمّه فسجدتُ لله شكراً وقطع الله دابرهم فلما انقطعت الحرب ورجعت إلى منزلي جاءني خالد بن الوليد بطبيب من العرب فداواني بالزيت المغليّ وكان والله أشدّ عليّ من القطع وكان خالد كثير التعاهد لي حسن الصحبة لنا يعرف لنا حقّنا، ويحفظ فينا وصيّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم"، قال عباد: فقلتُ: "يا جدة كثرت الجراح في المسلمين"، فقالت: "يا بني لقد تحاجز الناس، وقتل عدوّ الله، وإن المسلمين لجرحى كلّهم، لقد رأيتُ بني أبي مجرّحين ما بهم حركة، ولقد رأيت بني مالك بن النجار بضعة عشر رجلاً لهم أنين، يكمّدون ليلتهم بالنار، ولقد أقام الناس باليمامة خمس عشرة ليلة، وقد وضعت الحرب أوزارها، وما يصلي مع خالد بن الوليد من المهاجرين والأنصار إلاّ نفر يسير من الجراح، وذلك أنّا أتينا من قبل العرب، انهزموا بالمسلمين إلاّ أنّي أعلم أنّ طيئاً قد أبلت يومئذ بلاءً حسناً، لقد رأيتُ عدي بن حاتم يومئذٍ يصيح بهم: صبراً فداكم أبي وأمي لوقع الأسل، وإنّ ابني زيد الخيل يومئذ ليقاتلان قتالاً شديداً".
وعن محمّد بن يحيى بن حبارة قال: "جرحت أمّ عمارة رضي الله عنها يعني يوم اليمامة أحد عشر جرحاً بين ضربة بسيف أو طعنة برمح، وقطعت يدها سوى ذلك، فرئي أبو بكر رضي الله عنه يأتيها، يسأل عنها، وهو يومئذ خليفة وقاتل كعب بن عجرة يومئذ، وانهزم الناس الهزيمة الآخرة، وجاوزوا الرحال منهزمين، فجعل يصيح: يا للأنصار! يا لأنصار الله ورسوله! حتّى انتهى إلى محكم بن الطفيل، فضربه محكم، فقطع شماله، فوالله ما عرج عليها كعب، وإنّه ليضرب بيمينه، وإنّ شماله لتهراق الدماء، حتّى انتهى إلى الحديقة فدخل..
وأقبل حاجب بن زيد بن تميم الأشهلي يصيح بالأوس: يا للأشهل! فقال له ثابت بن هذال: ناد يا للأنصار! فإنّه جماع لنا ولك، فنادى: يا للأنصار! يا للأنصار! حتّى اشتملت عليه حنيفة، فانفرجت وتحته منهم اثنان قد قتلهما، وقتل رحمه الله، فخلفه في مقامه عمير بن أوس، فاشتملوا عليه حتّى قتل رحمه الله.
وكان أبو عقيل الأزرقي حليف الأنصار بدريّ، من أوّل من خرج يوم اليمامة رمي بسهم، فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب في غير مقتل، فأخرج السهم، ووهن شقّه الأيسر، وكانت فيه، وهذا أوّل النهار، وجرّروه إلى الرحل، فلمّا حمي القتال، وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عديّ يصيح: يا للأنصار! الله الله! والكرة على عدوّكم، وأعنق معن بن عديّ، يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار: أخلصونا، فأخلصوا رجلاً رجلاً، يتميزون".
قال أبو عمرو: "ونهض أبو عقيل يريد قومه فقلت: ما تريد يا أبا عقيل؟ ما فيك قتال، قال: قد نوّه المنادي باسمي، فقلت: إنما يقول: يا للأنصار! لا يعني الجرحى، قال: فأنا رجل من الأنصار، وأنا أجيب، ولو جبنوا، قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل، فأخذ السيف بيده اليمنى مجرداً، ثمّ جعل ينادي يا للأنصار! كرة كيوم حنين، فاجتمعواً جميعاً، يقدمون المسلمين دريئة دون عدوّهم، حتّى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم، فنظرت إلى أبي عقيل، وقد قطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت إلى الأرض، وبه أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدو الله مسيلمة".
قال ابن عمر: "فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل! فقال: لبيك بلسان ملتاث، ثم قال: لمن الدبرة؟ فقلت: أبشر، ورفعت صوتي، قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء، يحمد الله، ومات رحمه الله".
قال ابن عمر: "فأخبرت أبي بعد أن قدمت بخبره كلّه، فقال: رحمه الله، ما زال يسأل الشهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت لمن خيار أصحاب نبيّنا صلى الله عليه وسلم وقديمي إسلامهم" [انظر سيرة ابن هشام (1 / 466)، والاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء (3 / 63)].
د. عبد المجيد البيانوني
- التصنيف:
- المصدر: