من هدي الإسلام في الصحة والغذاء

منذ 2012-12-09

النظرة الإسلامية المثالية في تناول اللحوم ... لا إفراط ولا تفريط


اللحوم غذاء أساسي وضروري للإنسان لاسيما عند الأطفال والشبان وعند الحوامل، فغذاء يحتوي على الخضراوات واللحوم هو غذاء مثالي يحقق للإنسان تغذية كاملة، وتوفر اللحوم للإنسان البروتينات الضرورية لبناء الأنسجة والخلايا كما إنها من خير الأطعمة التي تزيد من إفراز العصارات الهضمية ولذلك تعتبر من المشهيات التي يوصى بتناولها الضعفاء وفاقدي الشهية والناقهين. وتزداد جودة اللحوم كلما زادت فيها كمية البروتينات وقلت كمية الشحوم، فأجود أنواع اللحوم ما كانت نسبة اللحم إلى الشحم تساوي الواحد أو أقل (لحم الغنم، فخذ العجل، الفراريج، الأرانب، السمك) وكلما زادت هذه النسبة صارت مصدر خطر على الصحة إذا أدمن الإنسان تناولها (البط، الإوز …)

ومما يبرز أهمية اللحوم في التغذية أن الجسم قادر على خزن معظم عناصر الطعام الضرورية، فهو يخترن السكر في الكبد والشحم تحت الجلد والفيتامينات في أنسجته المختلفة ولكنه عاجز عن اختزان البروتينات، وهي حين تنعدم في الطعام تجعل الفرد في معاناة شديدة. والبروتينات مواد مركبة معقدة تمتاز بها الحياة، فكل المخلوقات الحية من حيوان ونبات تنطوي أجسامها على هذه المادة، والجسم الإنساني يطرح كل يوم كميات من هذه البروتينات المستعملة، والمعروف أن البروتينات تتألف من أحماض أمينية مختلفة منها عشرة أنواع ضرورية للحياة (الأحماض الأمينية الأساسية) لا يستطيع الجسم تخليقها من أي مصدر غذائي آخر، من هنا تبرز أهمية الغذاء البروتيني كمصدر وحيد لإمداد الجسم بهذه الأحماض. وتتربع اللحوم على رأس قائمة الأغذية البروتينية لما تحويه من بروتينات عالية القيمة، فلقد أثبتت التجارب أنه لا يمكن عملياً الاستعاضة عن 40 جرام من اللحم بمائة جرام من القمح رغم أن الكميتين تنطويان على مقدار متساوي من البروتين، ومرجع ذلك إلى ارتفاع القيمة الحيوية لبروتين اللحم باحتوائه على الأحماض الأمينية الأساسية.

لا لكثرة اللحم:

ومع أن فوائد اللحم أمر لا شك فيه فإن الإكثار من تناول اللحوم خطر جداً على الصحة العامة للجسم لما ينتج من التمثيل الغذائي للحوم مخلفات ضارة ترهق الخمائر الهضمية والكلية أثناء التخلص منها وعلى رأس هذه المواد البولينا والنشادر وحمض البوليك الذي إذا تراكم في الجسم ترسب في المفاصل مسبباً داء النقرس، ويعتبر كبار أكلة اللحم معرضين دائماً لارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض، وتدل الإحصائيات التي نظمها البروفيسور لوفنكاردت لوزان أن أكلة اللحم أقرب إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم من مستهلكي النباتات، وتؤكد مجمل الأبحاث أن الاستهلاك الزائد للحم له علاقة بأمراض القلب وتصلب الشرايين وذلك لاحتوائه على الدهون المشبعة والكولسترول وحديد الهيم، كما أن تناولها المفرط له علاقة وطيدة بسرطان القولون والبروستاتة عند الرجال وسرطان الثدي عند النساء علاوة على الفقد الزائد للكالسيوم في البول والتعرض لمشاكل لين وهشاشة العظام [الغذاء لا الدواء د/ صبري القباني – دار العلم للملايين 498].

النظرة الإسلامية المثالية:

ولقد كان الإسلام سباقا في نظرته المثالية لترشيد تناول اللحوم لتأتي الدراسات الحديثة لاحقا مؤكدة مثاليته الرشيدة، وبداية نقرر أن الإسلام برئ مما يروى في بعض كتب التاريخ الإسلامي عن بذخ أصحاب القصور وتقطير أصحاب الأربطة (الصوفية) ممن لم ينتهجوا منهج الإسلام الحقيقي فحمل الأولون (المترفون) أنفسهم على جناح الإفراط، وحمّل الآخرون (المتشددون) أنفسهم على جناح التقطير الأمر الذي لا يمثل الموقف الإسلامي الحقيقي والذي يمكن أن نجدة بدون أدنى عناء في سيرة سلف الأمة الصالحين من أبناء هذا الدين الحنيف الذين التزموا منهجه قولاً وعملاً، قدوتهم في ذلك الشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولندع أعلام علماء الإسلام يجلوا لنا الموقف الإسلامي الصحيح تجاه قضية تناول اللحوم.

يقول القرطبي: وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات واحتجوا بقول عمر رضي الله عنه : "إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر" والجواب أن هذا من عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا والمداومة على الشهوات وشفاء النفس من اللذات ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا، ولذلك كان يكتب عمر إلى عماله: "إياكم والتنعم وزي أهل العجم واخشوشنوا". ولم يرد رضي الله عنه تحريم شيء أحله الله ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه، وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: من الآية 32] وقال صلى الله عليه وسلم: «سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم» [(ضعيف جداً) انظر حديث رقم: 3316 في ضعيف الجامع السيوطي / الألباني].

وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطبيخ بالرطب ويقول: «يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا» والطبيخ لغة في البطيخ وهو من المقلوب، وقد مضى في المائدة الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام، وهذه الآية ترد عليه وغيرها والحمد لله [تفسير القرطبي / دار الغد العربي ج3 ص2716].

وفي تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70] يقول رحمه الله: قوله تعالى: {وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني لذيذ المطاعم والمشارب. قال مقاتل: السمن والعسل والزبد والتمر والحلوى، وجعل رزق غيرهم ما لا يخفى عليكم من التبن والعظام وغيرها: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} يعني على البهائم والدواب والوحش والطير بالغلبة والاستيلاء والثواب والجزاء والحفظ والتمييز وإصابة الفراسة.

وهذه الآية ترد ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احرموا أنفسكم طيب الطعام فإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق منها» وبه يستدل كثير من الصوفية في ترك أكل الطيبات، ولا أصل له لأن القرآن يرده والسنة الثابتة بخلافه على ما تقرر في غير موضع، وقد حكى أبو حامد الطوسي قال: كان سهل يقتات ورق النبق مدة وأكل دقائق ورق التين ثلاث سنين، وذكر إبراهيم بن البنا قال: صحبت ذا النون من إخميم إلى الإسكندرية فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصاً وملحاً كان معي، وقلت: هلم قال لي: ملحك مدقوق؟ قلت: نعم. قال: لست تفلح. فنظرت إلى مزوده، وإذا فيه قليل سويق شعير يسف منه. وقال أبو يزيد: ما أكلت شيئاً مما يأكله بنو آدم أربعين سنة.

قال علماؤنا: وهذا مما لا يجوز حمل النفس عليه لأن الله تعالى أكرم الآدمي بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم فلا يصح مزاحمة الدواب في أكل التبن، وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج وإذا اقتصر الإنسان على خبز الشعير والملح الجريش فإنه ينحرف مزاجه لأن خبز الشعير بارد مجفف والملح يابس قابض يضر الدماغ والبصر، وإذا مالت النفس إلى ما يصلحها فمنعت فقد قُووِمَتْ حكمة البارئ سبحانه بردها ثم يؤثر ذلك في البدن فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل ومعلوم أن البدن مطية الآدمي ومتى لم يرفق بالمطية لم تبلغ، وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه اشترى زبدا وعسلا وخبز حواري فقيل له هذا كله فقال: إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال. وكان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم إلى الصلاة ومثل هذا عن السلف كثير، والأول غلو في الدين إن صح عنهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: من الآية 27] [تفسير القرطبي / دار الغد العربي ج5 ص 4024].

ويقول الإمام الذهبي: الطريقة المثلى هي المحمدية وهو الأخذ من الطيبات وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون: من الآية 51] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [رواه أحمد عن أنس بلفظ قريب من هذا (صحيح) انظر حديث رقم : 5572 في صحيح الجامع].

‌فلم يشرع لنا الرهبانية ولا التمزق ولا الوصال بل ولا صوم الدهر ودين الإسلام يسر وحنيفية سمحة فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه كما قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: من الآية 7] وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وكذلك اللحم والحلواء والعسل والشراب الحلو البارد والمسك وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى.

ثم العابد العري من العلم متى زهد وتبتل وجاع وخلا بنفسه وترك اللحم والثمار واقتصر على الدقة والكسرة صفت حواسه ولطفت ولازمته خطرات النفس وسمع خطابا يتولد من الجوع والسهر لا وجود لذلك الخطاب والله في الخارج وولج الشيطان في باطنه وخرج فيعتقد أنه قد وصل وخوطب وارتقى فيتمكن منه الشيطان ويوسوس له فينظر إلى المؤمنين بعين الازدراء ويتذكر ذنوبهم وينظر إلى نفسه بعين الكمال، وربما آل به الأمر إلى أن يعتقد أنه ولي صاحب كرامات وتمكن، وربما حصل له شك وتزلزل إيمانه؛ فالخلوة والجوع أبواب الترهب وليس ذلك من شريعتنا في شيء بل السلوك الكامل هو الورع في القوت والورع في المنطق وحفظ اللسان، وملازمة الذكر وترك مخالطة العامة والبكاء على الخطيئة، والتلاوة بالترتيل والتدبر، ومقت النفس وذمها في ذات الله، والإكثار من الصوم المشروع، ودوام التهجد، والتواضع للمسلمين، وصلة الرحم، والسماحة، وكثرة البشر والإنفاق مع الخصاصة وقول الحق المر برفق وتؤدة، والأمر بالعرف والأخذ بالعفو والإعراض عن الجاهلين، والرباط بالثغر وجهاد العدو، وحج البيت وتناول الطيبات في الأحايين وكثرة الاستغفار في السحر. فهذه شمائل الأولياء وصفات المحمديين أماتنا الله على محبتهم [سير أعلام النبلاء ج4 ص 486].

وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم "أي اشتدت شهوتنا إليه" فاشتريت بدرهم لحما. فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: من الآية 20] [موطأ مالك ج: 2 ص: 936].

قال الحليمي رحمه الله: وهذا الوعيد من الله تعالى وإن كان للكفار الذين يقدمون على الطيبات المحظورة ولذلك قال: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأحقاف: من الآية 20] فقد يحسن مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن ينغمس في الشهوات والملاذ وكلما أجاب نفسه إلى واحدة منها دعته إلى غيرها فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط وينسد باب العبادة دونه فإذا آل الأمر به إلى هذا لم يبعد أن يقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} فلا ينبغي أن تعود النفس ما يميل بها إلى الشره ثم يصعب تداركها ولترض من أول الأمر على السداد فإن ذلك أهون من أن يضرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح [شعب الإيمان للبيهقي ج5 ص35].

ويقول ابن القيم: وينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم فإنه يورث الأمراض الدموية والإملائية والحميات الحادة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر، وقال أبقراط: لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان [زاد الميعاد / مؤسسة الرسالة ج 4 ص 384].

والمتتبع لكل كتب السنة والسيرة يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب اللحم وتناوله في غير إدمان ولا مداومة فعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشبع من الخبز واللحم إلا على ضفف [رواه أحمد في الزهد، و الضفف: الضيق والشدة أي لم يبع منهما إلا عن ضيق وقلة، وقيل إن الضفف اجتماع الناس أي لم يأكل خبزا ولحما وحده ولكن يأكل مع الناس وقيل الضفف أن تكون الأكلة أكثر من مقدار الطعام / النهاية في غريب الحديث]، بل كان اللحم من أطيب الأطعمة التي كان صحابته رضوان الله عليهم يتسابقون في إهدائها إليه صلى الله عليه وسلم فكان سعد بن عبادة السيد الكبير الشريف الأنصاري سيد الخزرج لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، وكان قيس بن سعد يطعم الناس في أسفاره مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا نفد ما معه تدين وكان ينادي في كل يوم هلمّوا إلى اللحم والثريد، قال ابن سيرين: كان سعد ينادي على أطمه من أحب شحماً ولحماً فليأت ثم أدركت ابنه مثل ذلك.

ولا يمكن لمجحف أن يدلل على اعتدال النبي صلى الله عليه وسلم في تناول اللحم بفقر البيئة العربية في تلك الآونة الأمر الذي حتم عليهم قلة ذات اليد وذلك لأن الله تعالى لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا أشرف الأحوال وهو التخفف من الدنيا والزهد فيها، فهو إمام الزاهدين الذي عرضت عليه كنوز الدنيا فردها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة من الأنصار فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فرجعت إلى منزلها فبعثت إلى بفراش حشوه الصوف فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا؟» فقلت: فلانة الأنصارية دخلت على فرأت فراشك فبعثت إلى بهذا، فقال: «رديه» فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات، فقال: «يا عائشة رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة»[رواه أحمد في الزهد].

على الدرب:

وعلى الدرب النبوي سار الصالحون، فعن علي رضي الله عنه قال: إياكم ولباس الرهبان فإنه من يترهب أو يتشبه بهم فليس مني ومن ترك اللحم وحرمه على نفسه فليس مني ومن ترك النساء كراهية فليس مني [الفردوس بمأثور الخطاب ج: 1 ص: 381].

وعن ابن عمر أنه اشترى من اللحم المهزول وحمل عليه سميناً فرفع عمر يده وقال والله ما اجتمعتا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر. فقال ابن عمر أطعم يا أمير المؤمنين فوالله لا يجتمعان عندي أبداً إلا فعلت ذلك.

ويروى عن ابن عمر أنه ربما تصدق في الشهر بثلاثين ألف درهم وما يأكل فيه أكلة لحم.

وهذا سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه مالك: لم يكن أحد في زمانه أشبه منه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل، قال له سليمان بن عبد الملك: أي شيء تأكل؟ قال الخبز والزيت، فإذا وجدت اللحم أكلته [تذكرة الحفاظ ج: 1 ص: 89].

وقال أبو سليمان الداراني: أي شيء يزيد الفاسقون عليكم إذا كان كلما اشتهيتم شيئاً أكلتموه وأولئك كلما أرادوا شيئاً فعلوه. وعن كعب قال: "إن الله يبغض أهل البيت اللحميين والحبر السمين".

وعن محمد بن عبيد الطنافسي قال: كنا عند سفيان الثوري فأتاه رجل فقال له يا عبد الله أرأيت هذا الحديث الذي يروى: "إن الله يبغض أهل البيت اللحميين" أهم الذين يكثرون أكل اللحم، فقال سفيان لا هم الذين يكثرون أكل لحوم الناس. وهذا تأويل حسن غير أن ظاهره الإكثار من أكل اللحم وفي جمعه بينه وبين الحبر السمين كالدلالة على ذلك [شعب الإيمان ج: 5 ص: 33].


د.خالد سعد النجار
[email protected]

  • 2
  • -1
  • 48,624

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً