وقفات مع حياة فضيلة الشيخ "يحيى بن عبد العزيز اليحيى" 2

منذ 2012-12-18

سنلقي الضوء في هذه الصفحات على سيرة أحد رجال الحديث وأنصار السنة وقائد المسيرة لحفظ الوحيين، نحن هنا في وقفات مع حياة فضيلة الشيخ "يحيى بن عبد العزيز اليحيى" أحد الذين حفظ التاريخ جهودهم في حفظ السنة ونشرها عبر دوراته المباركة التي يقيمها في الحرمين


كيف كانت بداية قصة تحفيظ الصحيحين وبقية كتب السنة؟

في مرحلة من مراحل حياتي استوقفتني الحالة السائدة في تحصيل علوم الشريعة، فوجدت الأعم الأغلب مستغرقاً في تنظير قواعد وتفريع مسائل وشرح لمتون واختصار لكتب، وكانت غاية ما يقدم لطلاب العلم المتميزين وغيرهم متون علمية.. ومنظومات رجزية.. ومقطوعات صوتية. قد خلت من نَفَسِ المعصوم صلى الله عليه وسلم حتى حِفْظ الحديث هو في متون مؤلفة لأحاديث الأحكام فحسب، هذا إن لم تكن مجموعة أحاديث معدودة لا تتجاوز المائة والمئتين!

وهذا بلا شك طيب وجميل. لكن هناك ما هو أطيب منه وأجمل. .! وتساءلت هل هذا هو دأب السلف في القرون المفضلة الأولى؟ وإذالم يكن الأمر كذلك فكيف السبيل؟

وما هو الطريق إلى انتهاج طريقة السلف؟ وهل هو ممكن في ظل الظروف الحالية؟ ثم قلت : لماذا غاب حفظ أصول السنة كالصحيحين والسنن والمسانيد؟ لماذا غاب عن الساحة جامع البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد وموطأ مالك؟ هل كانوا ألَّفُوها لأنفسهم؟ أو أنه لا يحفظها إلا أهل عصرهم؟ أو أن ذاكرة أهل زماننا غير ذاكرتهم؟ بالطبع كلا. .

ومن هنا كانت البداية، فبدأت مع نفسي فحملتها على حفظ السنة من مصادرها الأصلية، وعكفت على ذلك حتى استقر في ذاكرتي محصَّل مُعتمد كتب السنة ولله الحمد ثم بعدها أردت أن أقرر هذه الطريقة وأن أطرح هذا المنهج على الساحة وكانت البداية في بريدة مقر إقامتي..

في بريدة بذرتُ أول بذرة.. وخَرَّجتُ أطيب ثمرة

- إذن الدورة كان لها نشاط قبل نشاطها في مكة !!

نعم كانت تلك النواة الأولى لدورات الحرمين، بل إن شئت قلت هي الانطلاقة الكبرى لمشروع تحفيظ السنة وما بعدها هو من نتاجها وعيال عليها.

- أين ومتى كانت البداية؟

حين فرغت من حفظ الجمع بين الصحيحين على يد شيخي "عبد الله الدويش" و "عبد الكريم اسكندر" ولدت فكرة تحفيظ السنة وبدأت المسيرة، وكانت الانطلاقة من مسجد "السنيدي" بحي "السلام" ببريدة وقد كنت إمام المسجد وقتها. وكان ذلك في عام 1408هـ

- من كانوا ركائز هذه الحلقة الحديثية من الحفاظ؟ وكيف تم انتقاؤهم؟

قمت باستقراء وحصر نسبي لحفاظ القرآن الكريم من الشباب ممن هم في المرحلة الثانوية ممن يتحلون بسمت صالح وحب للعلم، فاجتمع لي بادئ الأمر ستة منهم: "فهد بن عبد الرحمن اليحيى، وتركي بن فهد الغميز، وأحمد، وصالح، وعبد الله، وعبد الرحمن". فرتبت معهم ليكون الاجتماع بهم ولأقوم بتوضيح الفكرة، وتجلية الخطة، ووضع الآلية. وفعلاً حصل الاجتماع وتحدثتُ فيه عن أهمية الحفظ وكيفيته، والسُّبُل المُفْضِية إليه والمعوِّقات التي قد تحول بين حافظ القرآن ومواصلة الطلب، وأشعلتُ فيهم الحماس ورفعتُ منهم الهمة، فحازت كلمتي ارتياح الجميع، وحددنا موعد البدء لتكون الحلقة الحديثية في مسجد حي "السلام"، وقد كان. فحضر الجميع ولم يتأخر واحد منهم والحمد لله.

- ماذا عن المادة المحفوظة؟ وبرنامج الحفظ؟

كان الكتاب المقرر في الحلقة ابتداءً هو: "مختصر صحيح مسلم للمنذري"، نظراً لسهولته وخلو المكتبة من كتاب مبسط للحفاظ. وكان مقدار الحفظ: صفحة في كل يوم، يسمع الطلاب في أي وقت بعد الصلوات، وأنا أتولى التسميع. لكن كانت تواجهنا مشكلة في المختصر وهي أنه يحتاج إلى كثير من الاستدراكات، إضافةً إلى اختلاط المتفق عليه بالتي انفرد بها مسلم.

حاولتُ جاهداً أن أبقي على المختصر وأضيف عليه بعض التعديلات، وقد فعلت ولكن كانت المشكلة باقية بشكل لا تستوعبه هذه الإضافات. مما اضطرني في نهاية المطاف أن أقوم بتأليف "الجمع بين الصحيحين" بعد الاستقراء التام للمتابعات والشواهد ثم أبني عليه ما زاده أهل السنن والمسانيد والصحاح والمعاجم والمصنفات لأستبدل بعد ذلك مختصر مسلم بالجمع بين الصحيحين الذي صنفتُه لأقدم للحفاظ مادة خالية من التكرار والمصاعب ونحو ذلك.

- حدثنا عن انطلاقة الحلقة وأيامها ومجريات الحفظ فيها؟

انطلقت الحلقة بحمد الله بكل جد وصدق واستمرت في تحقيق رسالتها ولم تنقطع أبداً حتى مع تخلف المتخلفين وتثبيط المخذلين بقيت جَذوتها مضيئة لم تنطفئ، فلقد بدأت الدورة بستة حفاظ، ثم ما لبثوا يزيدون مع مرور الأيام حتى صاروا يربون على الثلاثين حافظاً. استمرت الدورة في "بريدة القصيم" أكثر من أربع سنوات رأيت فيها أحسن الطلاب وعشت أيامها مع من أقول إنهم نخبة من كان في بريدة وقتئذ..

 

قوم تراهم غيارى دون مجدهم *** حتى كأن المعالي عندهم حُرَم



ولا أدل على ذلك من المكانة التي وصل إليها أولئك القوم بفضل الله عليهم.

وأيضاً.. كانت تعرض على الحفاظ المثبطات والمهونات، وتتجاذبهم المشاغل، وينتابهم الملل بين الفينة والأخرى. ربما كان ذلك عائداً إلى عدة عوامل. منها:

1- غرابة المنهج

2- صعوبته النسبية

3- وجود معوقين وقطاع طرق يقولون لهم : ما سمعنا بهذا في علمائنا الأولين والمعاصرين.

 

سِعَاية رجال لا طَبَاخ بهم *** قالوا بما جهلوا فينا وما علموا



صَبَر من صَبَر في تلك المحنة.. ونكص من نكص.. وتباطأ من تباطأ.. وكانت العُقبى للصابرين، نعم فلقد أكرم الله الدورة بجمع كريم أصيل من خيرة الشباب لحقوا بالركب وانضموا للفئة الصابرة حتى كانوا وِحدة واحدة على قلب رجل واحد، كتب الله على أيديهم فيما بعد قيام الدورة بين العالمين

 

واستعذبوا الأحزان حتى إنهم *** يتحاسدون مَضَاضة الأحزان



كانت الأيام الأولى للحلقة أيامَ اختبار وتمحيص.. لي أولاً هل أثبت على التحفيظ حتى لو تخلى عني الأحباب؟ أم لا؟ وهي اختبار أيضاً للفئة التي بدأَت معي هل تصدُق في الطلب وتصبر على مر الحفظ والتحفظ وغرابة الطريق؟ أم تنكص على الأعقاب وترجع القهقرى؟

مرت أولى الأيام بجدية وحماس ونجاح في الحفظ، ولم يَدُر في خَلَد أحد أن يخضع الجميع لاختبار صعب يَبتَليهم وهذا ما حدث.. عندما انتصف الطلاب في كتاب الإيمان بدأ ينتابهم العجز والكسل ويدب فيهم الملل، وكنت أرقب الحلقة وأنا خائف مترقب للفشل في كل لحظة حتى إنني إذا جلست في مجلس التسميع كنت ألحظ بعيوني وألتفت كثيراً إلى باب المسجد أنتظرهم بكل لهفة وشوق وترقب لحضورهم.

وذات ليلة طلبت منهم الحضور للمسجد لأبُثَّ لهم ما يُكِنُّه صدري في تخوف وأمل، فلما اجتمعوا ذكرت لهم توقعاتي المستقبلية ومما قلت لهم: يا أحبابي، كم أنتم اليوم؟ فقالوا: تسعة. فقلت: أنا متأكد كما أنكم أمامي أنه لن يبقى منكم إلا خمسة أو أقل.

فكان كل منهم يقول: لعلي أكون أنا الذي أبقى، واستبعدوا أن يتوقف واحد منهم مع هذا الحماس المتوقد حتى إن بعضهم أقسم أنه لن يتوقف مهما كانت الظروف وكننت أقول : ستبدي لكم الأيام ما تخبؤه لكم وأنتم والميدان.!

ومرت الأيام بعد هذا اللقاء، وفي اليوم السادس منه يكون أول انفراط العقد وتثلم الحلقة ثلمتها الأولى.. حين تخلف "صالح" وذلك قبل أن يكمل كتاب الإيمان، وصار تخلُّفه يتكرر ويستمر حتى علمت أنه انقطع.

ومرة وافقته فسألته عن ذلك فبرر الانقطاع بأن عنده مشاريع وأعمالاً وقد كان صادقاً. وبعده بدأ الشك والوهن يتسرب إلى نفوس الباقين وبدأ التسيب، فتبعه "أحمد"، وقد كان فرغ من كتاب الإيمان وقد كنت أُجلُّه ولا زلت، ومن بعده "عبد العزيز"، ثم أصدم الصدمة الكبرى بتخلف "فهد" الذي كنت أعلق عليه الآمال حتى إني لأذكر الحديث الذي توقف عنده وهو حديث أبي هريرة: "ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا"، فلم يزل يتساقطون حتى ما بقيت إلا مع اثنين: "تركي الغميز" و"عبد الرحمن"، فانتهوا من كتاب الطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام، ولما انتصفوا في كتاب الحج وبالتحديد عند حديث وبرة: "سألت ابن عمر عن الطواف "صار بيني وبين "عبد الرحمن" موقف فزجرته وأنبته وأظنني أسمعته كلمة جارحة فقام قائلاً: أعتذر عن المواصلة، فقلت: أنت وما شئت وقد وليتك ما توليت، وفعلاً ينقطع، وأبقى مع ريحانة القلب "تركي الغميز".. (من جَدوَاه تَنشر ما لم يُنشر) وحيداً فريداً.

 

وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرهم *** وعانق المجد من وافى ومن صبر



وهنا كانت محنتي إذ بقيت وحدي في الحلقة مع واحد فقط من التسعة، لكنني مع هذا لم أقطع الأمل من عودتهم "فهد"و"عبد الله"و"عبد العزيز" حيث كنت على أمل بعودتهم. .

وفعلاً؛ أراد الله بهم الخير، وكان أولهم رجوعاً: (فَطِن البديهة) "فهد اليحيى" حين اهتبلت فرصة وجوده في إحدى مناسبات العائلة فأخذته وحدَّثته وبَثثتُ له حبي وارتياحي لوجوده في الحلقة وطموحاتي فيه، فما كان منه إلا أن وعدني الوعد المؤكد على أن يعود ويكمل المسيرة.

ويرجع "فهد"، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن انتصف "تركي" في الطريق، وتأخذ "فهد" الحماسة والجد فكان لا يغيب يوماً واحداً، وفرحت بهذين الطالبين أيما فرح، وما هي إلا أيام ويعود العقد إلى نظامه وترتص اللآلئ بجوار أخواتها، ويعود (مفتاح باب الندى) "صالح الصقعبي" ومن بعده (ساحر اللفظ) "عبد العزيز الراجحي"

 

وفي الجواهر أشباه مشاكلة *** وليس تمتزج الأنوار والظلم



وهنا تدخل الحلقة في طور جديد حين ينضم إليها كوكبة من النجباء وخيار الشباب يبدؤهم (من زرعت له في الصدر مني مودة) "يوسف الغفيص"، ومن بعده (حلو الشمائل) "إبراهيم الحميضي". وكان يوسف هذا فاتحة الخير إذ بدخوله اشتعل الحماس بين الحفاظ، وأُوقدت فتيلة التنافس، وإذ بالدورة تبلغ أصداءها أنحاء "بريدة" فطفق كل من حفظ القرآن يعرض عليَّ التسجيل فمنهم من يَصدُق وأقبله، ومنهم من يعتذر فأعذره.

ثم أنتقل إلى جامع "الجردان" إماماً وينضم إلى الحلقة مثاليون كان منهم : (من اشتق مُسَمُّوه له اسماً من الحمد) "محمد بن صالح المحيجين"، ثم (من ملأ عيني ملاحة وجمالاً) "عبد الله بن ناصر السلمي"، وبعده (من ملأ فؤادي مهابة وجلالاً) "عبد الله بن فوزان الفوزان".

وتمضي الأيام ليأتي (من لم يذق سكر الشباب) "عبد الرحمن العقل"، ثم يتسابق الشباب من حفاظ القرآن الكريم على الحلقة، كلما حدَّثهم بها أحد أو حضروا لقاءً من لقاءاتي فيبادرون ويطلبون التسجيل، فينضم إلى الحلقة: "فهد التركي" و(من صُعِقت به أذن الحسود) "عبد الله بن محمد التويجري"، ثم (من عفت محاسنه عندي إساءته)" ياسر بن إبراهيم السلامة"، ثم (من سيط حب المكرمات بلحمه) "سليمان الدبيخي"، ثم جاء "عبد الرحمن بن علي الجمعة"، ثم "خالد السيف"، ثم "أحمد"، ثم "منصور الصقعوب"...

ورأيت أن أجمعهم في كل شهر في طلعة برية فكانوا إذا اجتمعوا جاؤوا بكل طريفة ويزداد بعض القوم من بعضهم علماً، وكنت أعقد لهم المناظرات العلمية التي ربما تستمر الواحدة منها خمس ساعات.

وتمضي الأيام. . ويختم "تركي" المقرر، ويصنع بهذا الختام مناسبة برية ويذبح فيها ذبيحة، ويلقي "فهد اليحيى" بهذه المناسبة قصيدة. ثم يتوالون في الختام، وكل من ختم خرج بنا إلى البر في مناسبة حتى ختم الجميع "الجمع بين الصحيحين" وشرعوا في "السنن" ومنهم من تجاوزوها إلى "المسانيد". ثم تفتح حلقات لتسميع الأحاديث يتبناها أولئك الفتية ويواصلون المشوار ويكملون المسيرة التي بدؤوها فحلقة للشيخ "يوسف" و"تركي الغميز" و"فهد اليحيى" و"عبد الله الفوزان" و"محمد الراشد".

والحمد لله الذي حَمى حِمى الحلقة بحماه، ورعا رعاياها برعايته.

- فضيلة الشيخ : أيام لا تنسى تلك التي قضيتها في تأسيس حلقات تسميع السنة وشق طريقها في الساحة. لاشك أن لك فيها ذكريات من مواقف أفرحتك وأخرى أحزنتك وشقَّت عليك. ماذا تحفظ ذاكرتك من ذلك؟

نعم إني لأذكر مواقف عشتها من أصعب ما مر عليَّ في أيامي في الحلقة التي كانت هي الهم في صباحي وهي الهم في مسائي. وسأذكر لك طرفاً منها :-

- أُولى هذه المواقف الصعبة: بداية تخاذل الطلاب في الحلقة وانسحابهم الواحد تلو الآخر. لقد كنت بذهاب الواحد منهم كأني أفقد أخاً عزيزاً عليَّ إن لم يكن ابناً محبوباً، ولكن والحمد لله أنزل الله على قلبي الثبات والطمأنينة وتسليت ببقاء "تركي الغميز" حتى أذن الله برجوع الشباب وبدء المسيرة من جديد.

- ثانيها:

والذي لا أنساه حين انقلبت فيه التوقعات وخابت معه الظنون يوم أتاني طالب من الطلاب وقد كان ألح عليَّ بادئ الأمر لأقبله، ولما ثبتت جدارته في الحفظ إذا هو يطلب الانسحاب ويعتذر عن المواصلة، تفاجأت وقلت له: لماذا ولم يبق عليك إلا خمس صفحات من مفردات البخاري. فأتمم ما بدأت به وأنعم فما المعروف إلا بالتمام

فقال: أحتفظ بالسبب، المهم اسمح لي واعذرني، فقلت : يا بني اسمع مني ، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أثنيه عن قراره ولكن لم أفلح، فما كان مني إلا أن أجهشت بالبكاء، وقلت في نفسي: يا عجباً، بالأمس يترجاني ويطلبني لأقبله واليوم ينعكس الحال وأصير أنا الذي أترجاه ليبقى. ويصر الطالب على ذلك وينقطع وتنقطع أخباره، ولما سألت عنه أُخبرتُ أنهبحمد الله- سائر في سبيل الطلب والدراسة على أحسن حال.

أما الذكريات الجميلة في تلك الأيام، فأجملها:

- عند عودة الطلاب إلى الحلقة، وانضمام جمع مبارك من الحفاظ أمثال "يوسف الغفيص" و"عبد الله السلمي" و"الفوزان" و"المحيجين". وقد كنت كلما جاء طالب وتوسمت فيه النبل والذكاء خررت ساجداً لربي شكراً.

- ثالثها:

يوم خرجنا مع الحفاظ في إحدى النزهات، وقد كنت أعددت كلمة لأثبت بها الحفاظ وأرفع معنوياتهم، وإذ بـ"يوسف الغفيص" يطلب أن يتحدث فأذنت له، فتكلم بكلام وضع فيها النقاط على الحروف، وأكد للجميع أن مسيرة الحفظ ستسمر، ولن يعيقها أحد، وتخلف الواحد أو أكثر لن يضر إلا صاحبه، فالمحجة ظاهرة والطريقة سُنية..، ويعلم الله كم ارتحت كثيراً لكلامه، فلقد أثلج صدري وأزال ما علق في خاطري تجاه من انقطع عن الحلقة، ومنذ ذلك اليوم ولـ"يوسف" مكانة خاصة في قلبي، ومن يومها وأنا أوليه كل عناية وأفيده ما استطعت، وبالمقابل كنت أسأله وأستفيد منه أيضاً، وعلمت بما لا يدع للشك مجالاً أنه رجل له مستقبل كبير، ولقد قلت له يوماً : يا"يوسف" إن شاء الله ستكون من حفاظ الكتب الستة، فقال : صحيح يا شيخ ! ممكن هذا؟ وابتسم، فقلت له: أنت مؤهل، وأنا متأكد من ذلك كما أن بعد اليوم غداً

- ورابعها:

يوم شعرت أني حصدت حصاد ما بذرته ؛ كان ذلك عام 1412هـ حين رأت اللجنة العلمية بالقصيم أن تقام مسابقة لحفظ السنة النبوية، فرحبتُ بذلك ورحب الجميع بها، ووضعت المسابقة على سبع مراحل. . أولاها في حفظ الصحيحين ثم في حفظ مختصر البخاري ثم في حفظ مختصر مسلم ثم في حفظ ألف حديث ثم في حفظ خمسمائة حديث ثم في حفظ خمسين حديثاً. وظهرت النتيجة المبهرة المفرحة : كان العشرة الأوائل من طلابي ولله الحمد والمنة.

- كيف اتصلت هذه الحلقات بفكرة دورات الحرمين؟

بعد أن انتقلت إلى جامع "الملك فهد" بـ"الصفراء" استمر تسجيل الطلاب في الحلقة فالتحق في تلك الفترة: (بارع النسب) "شافي بن سلطان العجمي" ثم (من كل حُسن فمن عينيه أوله) "عمر بن عبد الله المقبل" ثم "فهد الشتوي" ثم "محمد بن عبد الله السيف" ثم (من بَلَوتُه فلم أزدد إلا رغبة في إخائه) "عبد المحسن المطيري" و"عبد القادر العامري" ثم التحق "وليد الحسين" ثم "محمد الخضيري" و"تركي بن عبد الرحمن اليحيى" إلا أنه انقطع ثم واصل في الدورات المكثفة بمكة المكرمة.

ثم توقفت الحلقة لعائق معتبر استمر ثلاث سنوات، ثم زال العائق بحمد الله وانتقلت إلى مسجد "حسان بن ثابت" بحي الإسكان، وكانت مواصلة التحفيظ بعد ذلك لكن على قلة وضعف، وكان أول من بدأ (من شُقَّ من عُود المحامد عوده) "بدر بن إبراهيم الغيث" ثم (الثقف اللقن) "نايف العجمي". ثم تولدت فكرة الدورة المكثفة الصيفية في الحرم المكي ثم الدورات المكثفة الفصلية، ولا زال العطاء مدراراً والإقبال متواصلاً والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


أبو عدي القحطاني


 

  • 0
  • 0
  • 8,448

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً