الربيع العربي في بلاد الرافدين
انتفاضة كانت شراراتها من أجل شرف العراقيات المسجونات اللاتي بلغ عددهن خمسة آلاف يتعرضن للتعذيب والاغتصاب...
من الفلوجة بمحافظة الأنبار انطلقت شرارة الربيع العراقي، ثم في سامراء والرمادي وتكريت والموصل.
انتفاضة كانت شراراتها من أجل شرف العراقيات المسجونات اللاتي بلغ عددهن خمسة آلاف يتعرضن للتعذيب والاغتصاب.
وما كان ذلك إلا انعكاس طبيعي لحكومة طائفية شيعية بامتياز، حكومة محتل برئاسة المالكي، الذي سياسته قائمة على إقصاء السنة وتهميشهم من السلطة، بل وتهجيرهم من بعض المحافظات.
ولكن هذه الغضبة لم تكن فقط من أجل شرف العراقيات، أو من أجل اعتقال حراس وزير المالية السني رافع العيساوي -واتهامهم بضلوعهم في عمليات إرهابية وتفجيرات كما حدث مع حرس طارق الهاشمي من قبل- فقط ولكنها ثورة من أجل استعادة وطن حتى صارت الهتافات: "الشعب يريد إسقاط النظام".
نظام أفرزه المحتل الأمريكي برعاية إيرانية، فحزب الدعوة هو حزب طائفي شيعي أكثر منه سياسي، وفي بدء توليه الحكومة 2006 كان لا بد من إبداء مرونة سياسية واستعانة ببعض السنة في الحكومة لتمرير العملية الديمقراطية ابتداءاً، ثم تصفية السنة ومحاكمتهم كما حدث لـ(طارق الهاشمي) نائب الرئيس السابق الذي صدر ضده حكمين قضائيين بالإعدام، ثم استمرت ممارسات إقصاء السنة حتى انتهت إلى اعتقال نساء عراقيات واغتصابهن.
والاعتصامات والمظاهرات الآن مستمرة في محافظات وسط العراق -وخاصة في الانبار التي تبلغ مساحتها ثلث العراق- فيما يزيد عن أسبوع ولاستمرارها لا بد من:
1- المحافظة على سلميتها قدر المستطاع.
2- عدم رفع شعارات طائفية وتغليب الطابع الشعبي عليها، حيث أن المظالم واحدة والفشل الحكومي واحد، والمطالبة بحقوق العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وعدم الدفاع عن أشخاص وأحزاب، كما قال الشيخ السني البارز (عبد الملك السعدي).
3- توسيع نطاق المظاهرات والاعتصامات والزحف على الأماكن التي تضم المؤسسات السياسية والإدارية للحكومة، وكذلك العمل على انضمام محافظات الجنوب للثورة، لأن حكومة المالكي ستعمل على حصر وتطويق محافظات وأماكن الانتفاضة.
4- عدم التفاوض مع أي ممثل من الحكومة حول الهدف الأول للربيع العراقي وهو الإطاحة بحكومة المالكي القائمة على المحاصصة الطائفية وتهميش باقي الطوائف العراقية وخاصة السنة، وقد فشلت بالفعل وساطة نائب رئيس الوزراء العراقي (صالح المطلك) وتم طرده من ساحة المتظاهرين بالأنبار ووقع اشتباك بين حرسه والمتظاهرين أسفر عن سقوط جرحى، مما يدل على وعي عميق للمتظاهرين ولفظها لأي سياسي من حكومة المالكي.
5- دعم الثورة العراقية إعلاميا بشكل مكثف يرصد التطورات والأحداث عن كثب.
6- استخدام العصيان المدني كأداة للتصعيد.
والربيع العراقي كما سيساهم في الحد من النفوذ الإيراني الذي بات واضحاً للغاية بالداخل العراقي -حيث أن الولايات المتحدة قد سلمت مفاتيح العراق لإيران- سيساعد أيضا على حصار الطموح الإيراني في المنطقة أيضا، وسقوط نظام بشار المدعوم إيرانياً في سوريا سيؤثر إيجاباً على مسار الثورة في العراق والعكس، وخاصة أن موقف تركيا مؤيد للانتفاضة العراقية حيث تصريحات رئيس الوزراء التركي (أردوغان) الأخيرة تتهم المالكي بأن حكومته طائفية وتتلقي دعما خاصاً، وأن المالكي سيقود العراق إلى حرب طائفية -خاصة بعد الاشتباكات بين بغداد وإقليم كردستان الذي يخضع للحكم الذاتي-.
ولا شك أن المالكي سيحاول يجهض هذه الثورة من خلال وصفها: "بالجعجعة" كما فعل، أو بأنها طائفية وتسعي لتقسيم العراق أو أنها ليست مظاهرات بل أعمال قطع للطرق، أو أن هذه الانتفاضة معد لها سلفًا من قطر وتركيا، ثم ينتقل بالدعوة إلى الحوار أو محاولة استمالة قيادات سنية ضعيفة للمشاركة في هذا الحوار.
وأخيرا سيلجأ إلى استخدام القوة العسكرية، وفي هذه الحالة ستستعر حرب أهلية ستعود بالضرر على المكون الشيعي أكثر من المكون السني، والربيع العراقي لن يهدأ حتى تتحقق أهدافه حيث تراكم الاستبداد والتهميش والتعذيب قد بلغ ذروته الأخيرة بحيث لن يجدي معه أي حلول ترقيعية بل حلول حاسمة.
عمرو عبد البديع
25/02/34 هـ
- التصنيف: