الإسلاميون ومأزق الحكم
يعيش الإسلاميون مأزق سنة أولى حكم بعد أن عاشوا حياتهم يتلمسون بقعة ضوء لنشر دعوتهم، ومن الطبيعي أن يقعوا في بعض الأخطاء، ولكن ليس من الطبيعي أن لا يتعلموا من هذه الأخطاء ويتداركوها سريعا قبل فوات الأوان.
بعد الربيع العربي الذي هز العديد من الدول التي كانت ترزخ تحت حكم ديكتاتوري استبدادي في عالمنا العربي لعقود طويلة، انتفض الإسلاميون وأثبتوا أحقيتهم بثقة الشعوب التي حصلوا عليها بفضل عملهم وجهدهم الدؤوب، رغم أعوام الحظر والقهر.
ولكن التحديات التي واجهتهم كانت أصعب بكثير مما توقعوا فلقد تخلصوا من نير الظلم والقهر والإقصاء، ولكنهم فوجئوا بتداعياته وأزماته ومناخه السيء، الذي أفرزه طوال أعوام مديدة، ظن البعض أو حاول أن يروج عمدا أن الإسلاميين اختطفوا الثورات التي أطاحت بالأنظمة المخلوعة وسرقوا عصارة تضحية الشهداء وقطفوا الثمار بالوصول للحكم، وهي افتراءات وأكاذيب يعلم من أشاعها ذلك قبل غيره.
فالإسلاميون ناضلوا الحكام المستبدين أكثر من غيرهم، وكانوا في مقدمة الركب ودفعوا أثمانا باهظة من دمائهم وحرياتهم وأموالهم، ففي الوقت الذي اعتقلوا فيه وعُذبوا وصودرت أموالهم وضُيق عليهم في الرزق كان غيرهم يتنعم بالمناصب في الداخل والخارج، ويشارك في معارضة (ديكورية) هزيلة لتثبيت أركان الأنظمة المتداعية؛ بل ويوجه سهامه للتيار الإسلامي من على منابر هذه الأنظمة بينما يعجز الإسلاميون عن الرد مكرسين جهودهم لنشر دعوتهم في أوساط الشعوب المختلفة، وعندما قامت الثورات كانوا في طليعتها وحموها بأرواحهم، فلقد خرج الإسلاميون من يوم 28 يناير بقوة للمشاركة قي الثورة المصرية وهو اليوم الأول الذي تحولت فيه الاحتجاجات من مجرد مظاهرة إلى ثورة حقيقية، وكانوا في طليعة الثوار يوم موقعة الجمل الشهيرة وأشاد بشجاعتهم القاصي والداني.
وكذلك حدث في تونس واليمن وليبيا، والآن في سوريا كتائب الإسلاميين في طليعة المجاهدين ضد نظام الأسد النصيري وبطولاتهم في التصدي لشبيحة الأسد يتحدث عنها الشعب السوري بأكمله.
لم يسرق الإسلاميون عرق أحد، ولم يحصلوا على غنائم لأن السلطة لم تعد في هذه البلدان بعد عشرات السنين من التجريف لخيراتها، لم تعد تشريفا ورفاهية بل أصبحت مسؤولية ثقيلة، وهو أول التحديات التي واجهوها في الحكم؛ فلقد تحملوا خطايا أنظمة فاسدة في ظل أوضاع غير مستقرة.
ورفض المعارضون الذين يكيلون لهم الاتهامات المشاركة لتحمل المسؤولية واكتفوا بالجلوس في مقاعد المتفرجين ليوجهوا سهامهم المسمومة لمن هم في مقاعد الحكم وهيجوا الشارع والبسطاء ضد حكم الإسلاميين (المتجبر الذي أضاع البلاد) -كما زعموا- ووضعوا العثرات في طريقهم.
لقد أشفق البعض على الإسلاميين من تحمل تركة الحكم في مثل هذه الظروف الصعبة وطالبوهم بالتريث، ولكن الظروف التي أحاطت ببلدان الربيع العربي والمخططات التي تم تدبيرها في الداخل والخارج لإعادة الأوضاع القديمة جعلتهم يتقدمون الصفوف خوفا من ضياع نتائج الثورات وتضحيات الشهداء، باعتبارهم الأكثر تنظيما وشعبية، إلا أن الأمور شهدت تحولات حادة حيث تجمعت المعارضة العلمانية مع فلول الأنظمة الفاسدة وبعض الدول الخارجية في حربٍ ذات هدفٍ واحدٍ: هو إقصاء الإسلاميين وإفشالهم ولو أدى ذلك إلى انهيار هذه الأوطان.
ووقع الإسلاميون في عدة أخطاء نتيجة لقلة خبرتهم بقواعد الحكم ومن أهمها: عدم تقديرهم الصحيح لحجم المشاكل والمصائب التي خلفتها الأنظمة السابقة، واتضح ذلك في بعض الوعود التي أطلقوها.
كما أنهم لم يتوقعوا حجم التحالفات المضادة لهم في الداخل من بعض شركائهم في الثورة ورجال الأنظمة السابقة، وفي الخارج من دول قريبة وبعيدة مع بعض المعارضين في الداخل؛ بل وصل الأمر للتحريض المباشر من أجل تدخل الجيش أو الغرب لإبعاد الإسلاميين عن السلطة، وفي نفس الوقت لم يتمكن الإسلاميون من صنع تحالف فيما بينهم للحكم والنهضة وتبادل الأفكار حول كيفية الخروج من الأزمات الاقتصادية التي تشكل أهم العقبات في طريق الحكم، كما لم يتمكنوا من صنع انتشار إعلامي جيد لنشر أفكارهم في المجال السياسي، حيث إن أغلب القنوات التي يطلون منها إما علمانية مناوئة لمنهجهم أو دينية اعتاد الناس أن يتلقوا منها الأمور الفقهية والفتاوى الشرعية فقط.
أحسن الإسلاميون الظن ببعض القوى المعارضة أكثر من اللازم وهي سذاجة سياسية لقلة الخبرة، كما أنهم لم يحسنوا اختيار الفئات التي يمكن التعامل معها لخدمة الوطن والتي لا يعنيها المناصب والظهور الإعلامي بقدر ما يعنيها مصلحة الوطن.
يعيش الإسلاميون مأزق سنة أولى حكم بعد أن عاشوا حياتهم يتلمسون بقعة ضوء لنشر دعوتهم، ومن الطبيعي أن يقعوا في بعض الأخطاء، ولكن ليس من الطبيعي أن لا يتعلموا من هذه الأخطاء ويتداركوها سريعا قبل فوات الأوان.
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: