آثار الاحتلال على منظومة القيم الاجتماعية للمجتمع العراقي
إن هذه دراسة تسلك مسلكين في عرض التأثيرات السلبية للاحتلال الأمريكي في منظومة القيم للمجتمع العراقي؛ الأول: قراءة واقعية لهذه التأثيرات؛ والثاني: قراءة إحصائية لها.
مدخل:
لا نأتي بجديد عندما نقول إن الاحتلال وما يترتب عليه من تداعيات كارثية إنما يشكل الركن الأساس في عملية انهيار المجتمعات ووقوعها في براثن فوضى تقود إلى سلوك هدام يهدم القيم الاجتماعية بمختلف أشكالها ومسمياتها، ويثمر عن ذلك بطبيعة الحال تحول المجتمعات الواقعة تحت الاحتلال إلى مجتمعات عاجزة عن القيام بطرح المبادرات وقيادة التحولات، ركيكة في بنيتها مفككة في تشكيلاتها، لا تمتلك أطرا تعبر فيها عن تطلعاتها وطموحاتها وآمالها، فاقدة لأي إستراتيجية لترتيب علاقاتها بالدول أو نقل مطالبها للسلطة، مجتمعات تترسخ فيها البنية التسلطية وتتعطل فيها الثقافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحديثة وكل ما يمكن أن يضعها في المسار الطبيعي للحضارة الإنسانية.
إن من أعظم النتائج المأساوية التي تتعرض لها البلدان المحتلة هي تكون مجتمعات ضعيفة وهشة تنحل فيها البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فالاحتلال يمهد لاحتلاله بإيجاد هذه الظواهر الهدامة ثم يعمل بعد دخول الاحتلال حيز التنفيذ على تعزيزها والعمل على ترسيخها وصولا إلى تدمير كل ما تبقى من إمكانات المجتمعات المستهدفة وانتهاءً بالضربة القاصمة التي يوجهها لمجتمع البلد المحتل والمتمثلة في تدمير وتمزيق الهوية الوطنية بالكامل والتي هي بداية الانهيار الشامل للمنظومة القيمية للمجتمع.
لقد كان الاحتلال الأمريكي للعراق والذي سيدخل سنته الثامنة صورة بشعة ومروعة لعمل منظم من دولة محتلة هي القطب الأقوى في العالم في كل شيء تجاه بلد وشعب يمتلك إرثا حضاريا يمتد لآلاف السنين في عمق الزمن، كان هدفه الرئيس هو تحطيم المنظومة القيمية المتكاملة للمجتمع العراقي وتدميرها باعتبارها جزءا أساسيا من عملية الرفض التاريخية لكل معطيات ومفاهيم التسلط والاستعمار وسلب حقوق الشعوب العـربية والإسلامية.
إن الوقوف أمام ما تعرض له المجتمع العراقي ولا يزال يتعرض له من استهداف لمنظومته القيمية وبنحو مفصل لا سيما التي كانت نتاجا لإرثه الإسلامي، لا يمكن أن تسعه صفحات بحثية بسيطة كالتي نحن فيها الآن، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن لا نضع أصابعنا على شيء منها ومحاولة التنبيه لخطورتها التي إن استفحلت فإنها ستكون جاهزة للتصدير إلى المحيط الخارجي العراقي المجاور والذي هو كما هو معروف حلقة رئيسية من حلقات المشروع الأمريكي الصهيوصليبي الذي لم يعد خافيا على أحد.
إن هذه الدراسة ستسلك مسلكين في عرض التأثيرات السلبية للاحتلال الأمريكي في منظومة القيم للمجتمع العراقي؛ الأول: قراءة واقعية لهذه التأثيرات؛ والثاني: قراءة إحصائية لها.
أولا: قراءة واقعية:
لم يكن اختلال منظومة القيم الاجتماعية العراقية بعد سبع سنوات من الاحتلال أمرا مفاجئا بل كان نتيجة طبيعية، لكن الغريب والمثير للدهشة هو الوتيرة المتسارعة للاحتلال والتي أسهم فيها بنحو لافت الاحتلال والحكومات التي نصبها والتي كما هو معروف قامت على أسس طائفية وعرقية وفئوية ما أدى إلى صنع منظومة التفكك الوطني الفاعلة بمقاييس الطائفية السياسية والعرقية القومية العلنية والمبطنة، أي أشد النماذج تخريبا للفكرة الوطنية ومرجعيات التعايش السلمي المشترك لمكونات المجتمع العراقي التي باتت اليوم تلمس لمس اليد صور الفرز الطائفي القومي والفئوي لمس اليد في كل مرفق من مرافق الدولة والحياة العامة.
هذه الحقيقة المرة التي لا بد منها يمكن تلمسها في كثير من التقارير الدولية التي صدرت متناولة الوضع الاجتماعي في العراق بعد غزوه واحتلاله والتي كان آخرها تقرير صدر نهاية شهر نيسان 2010 من معهـــد الديمقراطية التابع للحكومة الأمريكـية والمسـتند إلى تقرير منظـمة العـمل ومنظمة حقوق الإنسان بعنوان: (أصبح العراق مركز الخطف والدعارة وقطاع الطرق في الشرق الأوسط)، في هذا التقرير أرقام ونسب وسرد لحقائق مخيفة عن العراق تتعلق بالفقر والبطالة والدعارة وخطف وبيع الأطفال والأيتام والإتجار بالأعضاء البشرية واستعراض لعصابات تهريب الأطفال تدار من قبل ممرضين تم كشفهم في أكثر من مستشفى حكومي. أرقام تشير إلى بطالة أكثر من 50% بين الشباب وبطالة مقنعة تشير إلى معدل عمل في دوائر الدولة بأقل من ساعتين في اليوم أو أقل، وأن 52% من العراقيين يعيشون تحت مستوى الفقر بمعدل لا يتجاوز فيه دخلهم دولارين باليوم، وأنه يحتل المرتبة 12 من بين 16 دولة عربية بالمنطقة من حيث الوضع الاقتصادي بالرغم من ثروته النفطية الهائلة، ناهيك عما تشير إليه تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان من سوء أوضاع السجناء والمعتقلين وتعرضهم لأفظع وسائل التعذيب والقهر؛ وأكثر ما اقشعر له البدن هو تعليق أحد المتابعين في أسفل التقرير بقوله: "في العراق احصل على امرأة بأقل من عشرة دولارات، واحصل على طفل بأقل من عشرين دولارا، فيما تحصل شركة إكسون موبل على برميل نفط بأقل من 25 دولارا فقط".
الخطورة في هذا التقرير ليست في كارثة العنف والبطالة والفقر فحسب فالعراق يمتلك من الثروة والقدرات والإمكانيات ما سيؤهله تجاوز كل هذه المحن لو صلحت فيه الإدارة والسلطة، ولكن الأكثر خطورة من ذلك هو أن تخترق وتستهدف فيه منظومة القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد إلى هذا الدرك الأسفل من طبيعة الجرائم والممارسات التي أسس لها الغزو والاحتلال.
فقدان الثقة بالمجتمع:
اختراق واستهداف منظومة القيم والأخلاق في العراق كان الهدف الأول للاحتلال الذي كان يعلم تماما أن قوته العسكرية قادرة على احتلال العراق نظرا للفارق الشاسع بين قوته وقوة العراق المنهك من حصار وحروب مدمرة استمرت لعقدين من الزمان أو أكثر، لكن هدفه الأكبر هو كيفية تدمير الإنسان العراقي ذاته من خلال قتل كل قيمه وأخلاقه وتقاليده التي لطالما كانت ركنا أساسيا من أركان قوته وتصديه للهجمات التي تستهدف العروبة والإسلام طوال عقود طويلة من الزمن.
إن أول وأهم القيم التي استهدفها الاحتلال هي زعزعة ثقة العراقي بمجتمعه فقد اهتزت عند العراقيين ثقتهم بمجتمعهم ككل، وأضحى العراقي اليوم ينظر إلى مجتمعه الذي يعيش فيه أنه مجتمع عاجز مفكك لا يملك أية أطر تعبر عن تطلعاته وطموحاته، ولا توجد أي إستراتيجية لترتيب علاقته بالدولة أو حتى نقل مطالبه للسلطة، مجتمع يترسخ فيه الانحلال والفساد، مجتمع أوكل أمره إلى قيادات تدعي إنها دينية والتي هي بدورها لا تخرج عن التفكير بطريقة (ثيوقراطية) القرون الوسطى في أوربا في نظرتها للمجتمع والسياسة، وكل ذلك قسم المجتمع طائفيا وتحطمت حتى الصورة الهشة عن المواطنة في جامعها المشترك كأفراد في مجتمع له دولة.
إن أي عراقي اليوم على بساطته يحمل في الصورة الذهنية التي كونها عن مجتمعه أنه مجتمع ضعيف وهش يعاني من انحلال كافة بناه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهذه الصورة عمل الاحتلال على إيجادها وتعزيزها ويبدو أنه وبمساعدة من تعاون معه قد نجح إلى حد كبير فيها.
انسلاخ المواطن عن مواطنته:
ومن بين أشد القيم تضررا في منظومة قيم المجتمع العراقي هي انسلاخ الفرد أو المواطن العراقي عن دولته ومن ثم مواطنته ومجتمعه وذلك على خلفية تحكم العلاقات الطائفية والقومية والقبلية والفئوية حتى في خدمات الدولة حيث الأوضاع متداخلة ومختلطة في مختلف الوظائف المطلوب من الدولة تأديتها لا سيما ما يخص الخدمة العامة، إذ يجد المواطن أن دولته منسلخة عن المجتمع لأنها لا تعبر إلا عن مصالح طائفة أو فئة اجتماعية محدودة بصورة مباشرة وضيقة ولا تتجاوزها إلى مجموع المصالح العليا للبلاد، وهذه الصورة السلبية تقود المواطن أو الفرد بالضرورة إلى سلوكيات وممارسات تؤثر سلبا في النظام الاجتماعي كظواهر العنف والسرقات وشيوع الفساد الأخلاقي وقد يصل الحال إلى فلتان أمني واجتماعي خطير للغاية، وهذا ما يدفع الملايين من أبناء الشعب إلى الهجرة من العراق.
فالحكومة التي نصبها الاحتلال في نظر المواطن العراقي قد فشلت في ضمان الحد الأدنى من أمنه وسلامته وإقامة حد أدنى من حكم القانون والقضاء النزيه والعادل، إلى جانب ممارسات الاحتلال القائمة على إهانه كرامة المواطن العراقي وكبريائه جعلت هذا المواطن أو الفرد ينسلخ عن مواطنته ويتجه نحو تصرفات عدوانية مؤذية للمجتمع هي في الأصل غريبة ودخيلة على الثقافة العراقية القائمة على التكاتف والتعايش السلمي في إطار المجتمع الواحد المتعدد الأطياف والأعراق والأديان.
غياب الترابط الاجتماعي في المنطقة الواحدة:
لقد عرف المجتمع العراقي تاريخيا بكثرة تفاعل أعضائه كمجتمع كبير وكمجتمعات فرعية صغيرة على صعيد المناطق بمختلف مسمياتها فالذاكرة العراقية مليئة بحكايات أبناء المحلة والقرية والطرف الواحد وكيف أن الشخص الغريب لم يكن يستطيع الدخول إلى منطقة أو محلة أو حي دون أن يكون قد تعرض للسؤال من أبناء المنطقة أو المحلة عن سبب دخوله وكيف أن أبناء هذه المناطق كانوا يحيون مناسباتهم فرحا كانت أم حزنا بروح الفريق الواحد، وكيف يجتمع أهالي الطرف لمساعدة هذا الجار أو ذاك في مختلف شؤون الحياة المختلفة، وكل هذه التقاليد القائمة على قيم اجتماعية تشيع التآلف والتآزر بين الناس تكاد تتلاشى بعد أكثر من سبع سنوات من الاحتلال على خلفية الشرخ الخطير الذي تعرض له المجتمع العراقي والمتمثل في سياسة الفرز الطائفي التي أسس لها الاحتلال وعززتها الأحزاب الطائفية لا سيما التي نشأت وترعرعت في إيران، وهذا يفسر لنا الأعداد الكبيرة للمهجرين داخل العراق.
اضطراب القيم الأسرية في التنشئة:
عرفت الأسرة العراقية على الأقل عربيا وإسلاميا بأنها أسرة محافظة متماسكة تعطي تربية أبنائها جل اهتمامها وهي ميزة أثمرت لزمن طويل عن صنع أجيال تعمل لخدمة المجتمع والحفاظ على قيمه وتقاليده النبيلة، لكن الحال بعد الاحتلال تغير كثيرا وأضحت قيم التماسك الأسري واحترام الوالدين واتخاذهما قدوة في القول والعمل ضربا من ضروب التخلف بعد أن فتح الاحتلال أبواب البث الفضائي والهواتف الجوالة والإنترنت على مصراعيها حتى تحول الأمر إلى ما يشبه الوباء الفتاك الذي لا يسلم منه أحد؛ فقد دخل الستالايت جميع البيوت العراقية وأضحى الجوال رفيق العائلة حيث لا يخلو منزل منه، والحال بنسبة أقل للإنترنت، وكلنا يعلم مساوئ هذا الأمر وخطورته.
ففي ظل صعوبات الحياة التي خلفها الاحتلال وفرضها على العائلة العراقية وانشغال الأبوين بتوفير لقمة العيش انغمس الأبناء في متابعة القنوات التلفزيونية الهابطة وتبادل مقاطع الفيديو والصور المخلة بالحياء في الهواتف الجوالة واستقبال الأفكار الهدامة من الكثير من المواقع المشبوهة على شبكة الانترنت، كل ذلك وغيره الكثير هدم الالتزام الأخلاقي بين أفراد الأسرة العراقية التي هي عماد تماسك المجتمع وصارت قصص تذمر الآباء والأمهات من تصرفات أولادهم من اعتداء بالكلمات البذيئة إلى العصيان والتمرد بوجه الآباء والأمهات وفقدان الترابط الأسري بين العوائل حديث الناس أينما اجتمعوا، والحال من سيء إلى أسوأ.
أما قصص قتل الآباء لأبنائهم وبناتهم وقتل الأبناء لآبائهم وأمهاتهم فلم تعد بالغريبة في المجتمع؛ بل تطور الأمر ووصل حد ارتكاب جرائم مروعة لأسباب لم تكن مألوفة قبل أن يجثم الاحتلال على صدور العراقيين. والذي يقلب صفحات الصحف العراقية التي تصدر بالعشرات يوميا يجد الكثير من هذه القصص التي تدل على انهيار اجتماعي مرعب ضرب الجسد العراقي، ومنها الزنا بالمحارم، وإبادة الأسرة بأكملها من قبل أحد أفرادها، كان آخرها قيام فتاة عراقية وهي طالبة جامعية بقتل والدتها وشقيقتيها في بغداد في جريمة مروعة هزت الشارع العراقي بعنف، وقيام شاب بقتل جميع أفراد أسرته في واسط جنوب العراق بفعل وقوعه تحت تأثير حبوب مخدرة كان يتناولها، والحادثتان لم يمض عليهما زمن كبير من العام الجاري.
نسب الطلاق مرعبة:
حقيقة مرة ومروعة أخرى تؤكد حجم الكارثة التي حلت بالمجتمع العراقي بعد الاحتلال البغيض الذي أكمل سبع سنوات ومضت عدة أشهر من عامه الثامن، فنسب الطلاق في ارتفاع مستمر وثلاث زيجات من أربع تنتهي بالطلاق في العراق بحسب منظمات مجتمع مدني ومؤسسات دولية معنية بشؤون الأسرة العراقية في ظل الاحتلال، أما وزارة الصحة العراقية الحالية فلها إحصائياتها الخاصة بها والتي تؤكد أن نسب الطلاق ارتفعت بنسبة 200 % بينما لم ترتفع نسبة الزواج من بدء الاحتلال وحتى عام 2006 أكثر من 50%.
الباحثون الاجتماعيون المعنيون بمتابعة آثار الاحتلال على الأسرة العراقية يرجعون أسباب ارتفاع نسب الطلاق وانخفاض نسب الزواج إلى تعرض المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع العراقي لهزات خطيرة تركت آثارا لن تعالج بسهولة في نظامها السلوكي لا سيما على صعيد الأفراد. فقد ذكرت دراسة أجريت مؤخرا عن وضع الأسرة العراقية بعد سبع سنوات من الاحتلال -وكانت محافظة ميسان جنوب العراق عينة لها- أن نسب الطلاق في المحافظة تراوحت ما بين 40 و 70 % وهي نسبة عالية، وأن معظم أسباب حالات الطلاق كانت ناجمة عن تحول غير مسبوق في عادات وتقاليد وأعراف المجتمع العراقي إضافة إلى شيوع البطالة وصعوبة تأمين لقمة العيش وانعدام الخدمات وتردي الحالة الأمنية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عينة هذه الدراسة تعد من المناطق التي الوضع الأمني فيها جيد نسبيا إذا ما قورنت ببغداد أو محافظات غرب وشمال غرب العراق.
وإذا ما عرفنا طبيعة نظرة المجتمع العراقي للمطلقات والتي تتسم بالسلبية وصعوبة دمجها مع محيطها الاجتماعي، فإننا سنجد أنفسنا أمام مشكلة معقدة تتفاقم يوما بعد آخر؛ فالأبناء الذين هم ضحية هذه الظاهرة المقلقة هم حتما سيكونون جيلا مفككا لا يؤمن بالترابط الاجتماعي، فيما ستكون ظاهرة الطلاق في ظل مجتمع ارتفعت فيه نسبة الإناث مقابل نسبة الذكور بنحو مخيف -إذ بلغت نسبة زيادة الإناث في آخر إحصائيات وزارة التخطيط 68 % ونسبتها عند الذكور 32 %- مجالا خصبا للانحراف وشيوع حالة الفساد الأخلاقي لا سيما وأن المجتمع العراقي يعاني حاليا من مشكلات أخلاقية برزت بعد الاحتلال أبرزها شيوع ما يسمى بزواج (المتعة) في مناطق وسط وجنوب العراق وأحياء في بغداد، وانتشار عصابات القتل واختطاف النساء والمتاجرة بهن في سوق الدعارة الذي يزداد اتساعا في العراق يوما بعد آخر لا سيما بعد السماح بفتح المطاعم والنوادي الليلية، وانتشار ظاهرة المخدرات والأمراض الناجمة عن الانحراف الأخلاقي مثل الإيدز وغيره من الأمراض الأخرى.
إذا الحال في العراق ببساطة شديدة مرعب، ليس بسبب حجم الدمار الذي ألحقه الاحتلال بالبنى التحتية ومستوى الخدمات ونهب الثروات في العراق فهذه الأمور يمكن معالجتها بعد زوال الاحتلال بالنظر لما يمتلكه العراق من ثروات مادية وطبيعية وبشرية هائلة، لكن المرعب هو الانهيار القيمي والأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع العراقي الذي يمر الآن بمرحلة عصيبة ومظلمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فالبلدان لا تنتهي بالدمار الذي تسببه الحروب على الأرض لكنها تنتهي وتنهار عندما تفقد مجتمعاتها أركان وعناصر ضبطها الاجتماعي والتي هي منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والتقاليد والأعراف المتوارثة جيلا بعد جيل والمبنية على أسس الدين الواحد والماضي والحاضر الواحد.
فقدان قيمة الاحترام والتوقير في المؤسسات التربوية والتعليمية:
الحديث عن هذا الأمر كما يقول أهل اللغة ذو شجون ففيه من التفاصيل ما يؤشر شيوع ثقافة لا أخلاقية الجيل الجديد الذي نشأ وترعرع خلال سنوات الاحتلال السبع المنصرمة، وأكثر من يعاني من هذه الثقافة الهدامة هم المعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات فجلسة واحدة مع عينة من هؤلاء تكفي أي متخصص بالبحث الاجتماعي كي يُكوّن صورة قاتمة لما وصل إليه الانهيار في منظومة القيم للمجتمع العراقي لا سيما الأخلاقية منها، إذ أن مشهد تجاوز التلاميذ والطلبة على معلميهم وأساتذتهم في مدارس ومعاهد وجامعات العراق بات أمرا عاديا، وصور هذه التجاوزات متعددة تبدأ بعدم الاحترام وتمر باستخدام أسوأ العبارات وأقذعها وتصل في أحيان عديدة إلى ضرب المعلم أو الأستاذ أمام أنظار الناس وتهديدهم بالقتل، ومن يقلب جنبات أجهزة الجوال عند طلبة الجامعات والمدارس يجد الكثير من المشاهد المصورة لعمليات اعتداء بالضرب على أساتذة ومدرسين ومعلمين واعتداءات ما بين الطلبة والتلاميذ أنفسهم.
ويروي أحد أساتذة جامعة بغداد أنه في يوم من أيام العام الدراسي المنصرم دخل طالب على عميد إحدى كليات الجامعة وصفعه على وجهه لأنه يتبع أحد أحزاب السلطة وقد مرت الحادثة مرور الكرام لأن العميد لو أنه فكر في الرد فإن الثمن حتما سيكون حياته أو حياة أحد أفراد أسرته، وقد حدث ذلك مع أحد أساتذة كلية العلوم الإسلامية في جامعة بغداد، والكارثة المريرة في الأمر أن بعض الأساتذة تعرضوا لما يعرف بالفصل (الدية العشائرية) لأنهم عاقبوا تلميذا أو طالبا أساء الأدب في المدرسة أو الجامعة، وهذا الطالب استعان بعشيرته طالبا تدخلها لأنه تعرض للإهانة فما كان من عشيرته إلا أن تنتفض لعشائريتها وقبليتها وتجبر الأستاذ وعشيرته على دفع الدية، فالمجتمع العراقي مجتمع قبلي عشائري ويبدو أن منظومة القيم قد اختلت حتى عند هذا المجتمع لا سيما في وسط العراق وجنوبه [1].
فساد ورشوة لا يقرهما منطق:
هذا الانهيار اللامعقول في منظومة قيم وأخلاق المجتمع العراقي لم يكن في حقيقته إلا نتيجة طبيعية لضياع هيبة الدولة وسلطة القانون بفعل الفساد الإداري الذي استشرى في الجسد العراقي منذ بدء الاحتلال في 2003 وحتى يومنا الحاضر، فعندما تتحول الحكومة عن أداء واجباتها تجاه المجتمع وينشغل مسئولوها باختلاف مناصبهم بسرقة ونهب المال العام، فإنه من الطبيعي جدا أن يفقد المجتمع تماسكه وتنهار المرتكزات الأخلاقية والاجتماعية التي يقف عليها، فالفساد الإداري في العراق متفرد في نوعه، فساد ليس له نظير في العالم بأسره، إذ لا همّ للمسئولين إلا السرقة، والنظام الحكومي بمجمله ينخر فيه الفساد، والمنظمة العالمية للشفافية ولخمسة أعوام علي التوالي، صنفت العراق ضمن الدول الثلاث الأكثر فسادا من بين حوالي 180 دولة، وقال ديفيد نوسبوم، المدير التنفيذي لـ(منظمة الشفافية الدولية): إن التقارير تشير إلي أن الفساد في العراق متفاقم بصورة غير معقولة.
إذاً فقد وقع الذي حذرت منه منظمة الشفافية الدولية قبل ما يقرب من خمسة أعوام وبات العراق اليوم أكبر فضيحة فساد في التاريخ حيث يمارس عدد من المسئولين العراقيين في مستويات مختلفة نهباً منظماً لأموال الدولة وثرواتها ومرافقها، يتكامل مع إقدام الاحتلال على تبديد مليارات الدولارات من الأصول العراقية التي تم الاستيلاء عليها بعد الاحتلال مباشرة.
ويتخذ الفساد الإداري في العراق نوعين رئيسيين هما: الفساد الكبير والفساد الصغير؛ ويتمثل الأول بالرشوة الكبرى التي يشارك فيها مسئولون على مستويات رفيعة ووزراء ومدراء عامون التي غالبا ما ترتبط هذه الرشوة بالتأثير على صانعي ومتخذي القرارات المهمة والإستراتيجية.
أما الثاني فيتمثل بالرشوة المحدودة التي يشارك فيها بعض المسئولين في دوائر مختلفة مثل الجمارك والضريبة والمرور والتسجيل العقاري والجامعات والمدارس وغيرها. وعليه فإن للفساد الإداري آثاراً مدمرة على الفرد والمنظمة والمجتمع وله تكاليفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الباهظة وإن الآثار المدمرة للفساد في العراق ليست مجرد قضية أخلاقية؛ بل إنها قضية عامة لها تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية، وإذا وضعنا جانبا الضرر الاقتصادي الذي يسببه الفساد الأكبر في العراق فلا نغفل الضرر الاجتماعي المتمثل في القضاء على هيبة القانون وانهيار شديد في البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. هذا فضلا عن أن الفساد الإداري يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول بشكل غير مشروع ويحدث تحولات سريعة وفجائية في التركيبة الاجتماعية، الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي ويزيد من احتمالات التوتر وعدم الاستقرار السياسي ويعرض شرعية النظام السياسي للتآكل المستمر.
القاضي (موسى فرج) الرئيس السابق لهيئة النزاهة كشف مؤخرا في حلقات بأن خسائر العراق منذ الغزو؛ نتيجة الفساد الإداري والمالي بلغت 250 بليون دولار. وعدّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي (البؤرة الأخطر للفساد)، وقال أن العراق خسر خلال هذه الفترة 45 بليون دولار من تهريب النفط الخام الذي تسيطر عليه أحزاب طائفية في الجنوب، ولفت إلى أن السنوات الخمس الماضية لم تشهد تشييد مصفاة واحدة، على الرغم من العروض المغرية التي قدمتها شركات عالمية لإنشاء مثل هذه المشاريع ولمدد تتراوح بين السنة والستة أشهر. وتابع أن ما بقي من الـ250 بليون دولار، أهدرها الفساد في الوزارات والمؤسسات الأخرى.
في 18/ 12/ 2008 نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تحقيقاً واسعاً، عن الفساد في العراق، نقلا عن نائب رئيس النزاهة قال فيه: "إن العراق يغرق في الفساد والرشوة، وأن كل شيء تقريباً تشتريه الدولة أو تبيعه من أدوية ومستلزمات حكومية، يمكن الحصول عليه من السوق السوداء. وإن وزارة الدفاع احتلت المرتبة المتقدمة في الفساد المالي والإداري، خصوصاً في عقود التسليح بما فيها شراء طائرات عمودية قديمة غير صالحة للعمل، وبنادق قديمة مصبوغة رفضتها اللجنة العراقية وفرضتها الشركة الأمريكية المصنعة، واستيراد آليات من دول أوروبا الشرقية بنوعيات رديئة". ونقلت الصحيفة عن المفوض العام للجنة النزاهة العامة (رحيم العقيلي) أن سبب الفساد الفظيع في العراق هو اعتقاد الفاسدين أنهم محصنون من المحاكمة من خلال الحماية التي توفرها لهم أحزابهم السياسية والطوائف، وما قيل عن وزارة الدفاع يسري علي باقي الوزارات دون استثناء.
آفة الغش انهيار آخر:
كان المجتمع العراقي إلى وقت قريب قبل الاحتلال البغيض وعلى الرغم من كل المصاعب التي واجهته بدءا من الحروب المتعاقبة وصولا إلى الحصار الذي سبق الغزو الأمريكي واستمر قرابة ثلاثة عشر عاما يبذل جهدا كبيرا في محاربة آفة الغش في مختلف مناحي الحياة لما لها من آثار بليغة على النظام الاجتماعي وسلوك الأفراد، وقد نجح إلى حد كبير في هذا المسعى وظل أثر الغش محدودا، لكن الحال اختلف كثيرا بل انقلب رأسا على عقب بعد الاحتلال الأمريكي إذ انفلت زمام الأمور وصار الغش سمة بارزة من سمات الإنسان العراقي المنهك والمنهوب ماله العام سرا وعلانية، وما كان محرما ويحاربه المجتمع أضحى في زمن الاحتلال شطارة أو كما يقول الأشقاء المصريون (فهلوة).
والغش من أعلى الهرم وحتى القاعدة يعيش أبهى أيامه؛ فالحكومة ومن خلال وزاراتها الخدمية المختلفة تغش المواطن ولا توفر له شيء، والمواطن لا سيما الموظف منه يقابلها بالمثل ولا يقدم شيئا يذكر حتى أضحى البلد في فوضى لم يشهد لها مثيلا من قبل، وأقسى ما وصل إليه الغش هو أنه صار صفة طلاب المدارس والمعاهد والجامعات، فطلبة العراق اليوم باستثناء عدد قليل منهم يدخلون قاعات الامتحان ودافعهم للنجاح هو الغش الامتحاني، والحال وصل إلى المعلمين والمدرسين والأساتذة فراح نفر منهم يسربون أسئلة الامتحانات مقابل أموال قذرة حتى أضحى التعليم في العراق اليوم عبارة عن عملية غش كبرى نتاجها جيل من الشباب الفاشلين الذين يهدمون المجتمع ولا يبنونه.
ومسلسل الغش لم يتوقف عند التعليم بل سرى في أبسط مفردات الحياة اليومية فبائع الخضار يغش، والتاجر يغش، وأصحاب المهن والحرف يغشون، والنتيجة مجتمع مفكك انعدمت فيه الثقة وراح الناس يتأنون كثيرا في التعامل مع الآخرين في قضاء حوائجهم، والأمر طبعا لم يكن اعتباطيا بل كان جزءا من عملية الهدم المنظمة للمنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع العراقي والتي بدأها الاحتلال وترك مهمة إنجازها لعملائه الذين جاءوا معه.
ثانياً: قراءة إحصائية:
الأرقام في لغة القرآن محكمة، وفي لغة الأصوليين قطعية الدلالة، وعند الباحثين والمهتمين بحقوق الإنسان خير شاهد ودليل معتمد في توصيف الحالة، وفي دراستنا فإنها تعطي تصورا دقيقا لإدراك شدة التأثيرات السلبية للاحتلال على منظومة القيم الاجتماعية، بل الإنسان العراقي نفسه.
إن هذه الإحصائيات والتي قامت بها جهات عدة، تمثل أولا نتائج دقيقة لتداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال أجهزة الحكومات التي نصبتها في العراق أو فرق الموت أو الميليشيات المسلحة الطائفية؛ كما أن فقرات هذه الإحصائيات تعد عوامل مؤثرة في تصدع وانهيار منظومة القيم الاجتماعية في العراق.
وفي ما يأتي جملة من الإحصائيات:
1- مليونان و350 ألف عراقي وصل عدد ضحايا الغزو الأمريكي للعراق حتى شهر آذار 2009 [1]، يضاف إليها 34313 قتيل خلال عام 2009، وأكثر من 4500 منذ مطلع عام 2010.
2- أكثر من 5500 قتيل ومخطوف وسجين بين عالم ومفكر وأستاذ وأكاديمي وباحث وخاصة علماء الذرة والفيزياء والكيمياء [2].
3- 80% من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، أكثر من نصف القتلى يحمل لقب أستاذ وأستاذ مساعد، و20% من العلماء المغتالين يحملون شهادة الدكتوراه وثلثهم مختص بالعلوم والطب [3].
4- العراق أخطر بلد في العالم للسنة الثالثة على التوالي في تصنيف لبلدان العالم حول استتباب الأمن والسلام فيه [4].
5- في العراق أكبر عدد سجون في العالم فيه 36 سجناً عدا سجن أبو غريب الذي يعد الأرحم من بينها رغم فضائحه الفظيعة، وتضم هذه السجون 400 ألف معتقل منهم 6500 حدث و10 آلاف امرأة [5].
6- 23500 ألف معتقل، و525 حدث دون سن الـ18 سنة، و18 سيدة، وهناك 10% من المعتقلين فقط يمثلون في قضايا أمام المحاكم العراقية [6].
7- 92% من المعتقلين أو ذويهم أصيبوا بالكآبة وأمراض نفسية أخرى مثل الفصام والذهان، فيما تراجع المستوى العلمي لأبنائهم بنسبة 82%، وأن 56% من ذويهم فقدوا معيلهم، وأن 59% منهم دخلوا المعتقلات جراء خلافات شخصية ودعاوى كيدية [7].
8- 100% هي نسبة التعذيب في المعتقلات الحكومية وكما يلي:
أ– تعرضوا جميعا لنوع واحد أو عدة أنواع من التعذيب.
ب– لم يقدم أي منهم لمحكمة وإن تم التحقيق مع البعض منهم.
ت– إن 87% منهم لا يعرفون سبب اعتقالهم.
ث– إن مدة احتجازهم تراوحت بين ثلاثة أشهر وأربع سنوات.
ج– إن 81% منهم لم يحظوا بأية زيارة من أقاربهم أو ذويهم [8].
9- إن السجون الحكومية تكتظ الآن بالمعتقلين نتيجة استمرار الاعتقالات العشوائية التي تنفذها القوات الحكومية يوميا [9].
10- إن السلطات الحكومية نفذت حكم الإعدام بما لا يقل عن 120 عراقيا خلال الفترة الماضية من العام 2009 فيما ينتظر 900 آخرون المصير ذاته، ومن بينهم 17 امرأة، وأن العديد من المحكومين بالإعدام أدينوا خلال محاكمات غير عادلة بناء على اعترافات انتزعت بالقوة أو ممارسة التعذيب، وكانت قد صدرت أحكام بإعدام نحو 285 شخصا خلال عام 2008، كما صدرت أحكام مماثلة عام 2007 بحق 199 شخصا، في حين تم إعدام 65 شخصا عام 2006 [10].
11- إن هناك أكثر من 420 مركز اعتقال سري في العراق فضلا عن السجون المعلنة التي تقدر بـ37 سجنا تجري فيها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من قبل قوات الاحتلال أو من قبل السلطات الحكومية بمختلف طوائفها [11].
12- هناك ما يزيد عن 3500 معتقل في أماكن سرية تابعة لوزارة الداخلية، يمارس ضدهم التعذيب اليومي المبرمج، حتى أصبحوا مستعدين للاعتراف بأية جريمة خلاصاً من تعذيب لا يطاق [12].
13- إن لدي معلومات رصينة تفيد بوجود عدد من السجون السرية وإن آلاف العراقيين ما زالوا يُقتادون إلى أماكن غير معروفة، استنادا إلى الشبهات وبغية الابتزاز من دون تهم أو أوامر إلقاء قبض [13].
14- إن المحتجزين في مركز احتجاز سرّي في بغداد تعرضوا للتعليق من أرجلهم وحُرموا من الهواء وتعرضوا للركل والضرب بالسياط والأيدي، والصعق بالكهرباء والاغتصاب، في إجراء منهجي متكرر على أيدي المحققين، وقال الكثيرون منهم إنهم أُجبروا على التوقيع على اعترافات كاذبة [14].
15- 2،77 مليون عراقي عدد المهجرين في داخل البلد و 3 ملايين إلى خارجه منهم 20 ألف طبيب ما يشكل حوالي ثلث أطباء العراق [15].
16- إن خُمس العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها منذ دخول الجيش الأمريكي للبلاد، وهو العدد الأعلى في العالم وبما يربو على الخمسة ملايين نازح ولاجئ [16].
17- إن العراقيين لا يزالون يمثلون الجنسية الأكبر من حيث عدد طلبات اللجوء في دول العالم وأن الطلبات المقدمة من قبل العراقيين وصلت إلى أكثر من 13 ألفا خلال النصف الأول من هذا العام فقط [17].
18- إن عدد النازحين العراقيين الذين يعيشون حاليا في مخيمات في أنحاء العراق المختلفة ارتفع عن العام الماضي بنسبة 25% [18].
19- (33. 3 ملايين أرملة و5 ملايين يتيم) من إفرازات الاحتلال الخطيرة هو تحول العراق إلى بلد الأرامل واليتامى [19].
20- إن أكثر من 70% من بنات ونساء العراق أصبحن خارج نطاق التعليم في المدارس والكليات [20].
21- يضم سجنا للنساء تابع لوزارة العدل الحكومية، 4000 امرأة و22 طفل حديث الولادة، تشكل الطائفة السنية 93% منهن، يواجهن فيه تهماً ناتجة عن العداء والدعاوى الكيدية، بينهن مجموعة من حملة الشهادات مضى على اعتقال بعضهن 3 سنوات، يتعرضن فيه لعمليات اغتصاب وتعذيب وإنهن يعانين أوضاعا صحية وإنسانية صعبة [21].
22- إن وضع المرأة العراقية يعتبر كارثيا وأكبر دليل على ذلك أن 600 امرأة فاعلة في المجتمع العراقي تم اغتيالهن منهن 350 طبيبة وعاملة في القطاع الصحي والإنساني [22].
23- إن ما بين 50 إلى 60% من الزيجات تنتهي بالطلاق في ارتفاع غير مسبوق بنسبة حالات الطلاق في البلاد [23].
24- إن العنف ضد المرأة في تصاعد بحيث بلغ عدد الحالات التي سجلتها مراكز الشرطة عام 2009 وفي المحافظات الكردية الثلاث فقط، (1079) حالة، مقارنة مع (715) حالة عام 2008 وأن حالات الانتحار حرقا ارتفعت من 119 حالة عام 2008 إلى 245 العام الماضي [24].
25- إنّ العدد المتزايد سنوياً للنساء العراقيات اللواتي يُتاجر بهن في السوق الدولية السرّية لـ(عبودية الجنس)، سببه تضاؤل الإمكانات الاقتصادية، والحالة الأمنية المريعة التي يعيشها المجتمع العراقي منذ سنوات، وبالتحديد لمرحلة ما بعد الغزو الأميركي سنة 2003 [25].
26- إن هناك في الأقل 200 امرأة عراقية تُباع في (سوق عبودية الجنس) كل سنة، برغم أن منظمة مراقبة حقوق الإنسان -مقرها في الولايات المتحدة- حذرت من أنّ الأعداد قد تكون أعلى، إذا ما جرى إحصاء عمليات المتاجرة بالنساء اللاجئات إلى كل من سوريا ولبنان [26].
27- إن هناك آلاف من النساء العراقيات تحوّلن إلى ضحايا القهر الاجتماعي والسياسي من خلال بيعهن سنوياً في أسواق عبودية الجنس التي تنشط داخل العراق وخارجه لتهريب نساء وبنات لا يتجاوزن أحياناً عمر الـ12 سنة [27].
28- إن المعتقلات العراقيات يُضرَبن بشكل روتيني ويتعرضن للمضايقات ويغتصبن في السجون الأمريكية والعراقية على حد سواء، ومع ذلك فإن الحكومة العراقية تتجاهل بتعمد معاناة وحاجات الأطفال والنساء وهذا بحد ذاته احتقار وإهانة لحقوق المرأة [28].
29- 46. 5 ملايين عدد الأطفال الأيتام في العراق، و500 ألف مشرد مقابل 459 يتيما فقط تضم دور الأيتام التابعة للحكومة، وإن ما يقارب المليون طفل دخلوا ميادين العمل المختلفة [29].
30- إن 28% من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية، و10% من أمراض مزمنة، فيما تنجب 30% من النساء أولادهن في المدن و40% في الأرياف بلا عناية صحية [30].
31- 15 ضعفا نسبة الزيادة في حالات التشوه المزمنة chronic deformities بين الأطفال الرضّع في مدينة الفلوجة وارتفاع حالات السرطان في وقت مبكر من الحياة، ناتجة عن استخدام القوات الأمريكية لأسلحة كيماوية أو فوق تقليدية [31].
32- إن من بين 170 حالة ولادة حديثة في مستشفى الفلوجة، 24 بالمائة من الأطفال توفوا خلال سبعة أيام و75 بالمائة منهم كانوا مشوهين خلقيا، وبمقارنة هذه الأرقام مع سجلات شهر آب/أغسطس 2002 تبين بأنه من 530 ولادة توفى ستة أطفال فقط في الأسبوع الأول مع وجود حالة تشوه واحدة [32].
33- إن نسبة وفيات الأطفال في العراق هي الأعلى عالميا، وإن واحدا من كل ثمانية أطفال يولدون أحياء في العراق يموت قبل بلوغ السنة الخامسة من عمره [33].
34- إن "الإحصاءات المتوافرة في المحافظات العراقية، باستثناء تلك التابعة لإقليم كردستان، تؤكد إصابة 63 ألف و923 شخصاً بالسرطان خلال السنوات الخمس الماضية، منهم 32 ألف و281 من الذكور و31 ألف و552 من الإناث، تعرض أغلبهم إلى الموت، ويشكل الأطفال والنساء المصابون النسبة الأكبر [34].
35- 67000 حالة إيدز، بعدما كان العدد الإجمالي للمصابين بهذا المرض قبل الاحتلال 114 حالة [35].
36- إن هناك 32,425 طالباً عراقياً مسجلاً بشكل رسمي في المدارس خلال العام الدراسي 2008-2009 مقارنة بحوالي 49,132 خلال العام الدراسي 2007-2008 [36].
37- إن أعداد الأميين في العراق بلغ 5 ملايين عام 2008 و2009 بينما عام 1991 انتهت ولم يبق أي أمي في العراق[37].
38- إن 30% فقط من تلاميذ العراق يذهبون إلى المدارس، وباتت الأمية تهدد الوضع التعليمي في العراق بعد أن تمكن منذ عام 1980 من القضاء المبرم على الأمية بشهادة المنظمات الدولية [38].
39- انحدار كبير في مستوى التعليم الجامعي والأساسي، وسيطرة التخلف على المجتمع العراقي بعدما كان العراق الدولة الأولى في العالم التي محت الأمية بالكامل [39].
40- بغداد في أسفل قائمة مدن العالم؛ كأسوأ مدينة من حيث جودة ومستوى المعيشة عام 2010 [40].
41- 8 ملايين عراقي يعانون الفقر الغذائي، و(4) ملايين هم تحت خط الفقر [41].
42- إن من بين 180 دولة على مستوى العالم؛ فإن العراق يحتل المركز الثالث من بين الدول الأكثر فسادا في العالم، بعد الصومال وميانمار [42].
43- إن نسبة 70% من العراقيين يفتقر إلى ماء الشرب النظيف، وإن نسبة 43 % تعيش على أقل من دولار واحد في اليوم الواحد، وإن ثلث السكان يحتاجون إلى مساعدات طارئة [43].
44- 28.1 % معدل البطالة بين السكان من عمر 15 عاما فأكثر [44].
45- حدوث تشظي سياسي واجتماعي خطيرين في العراق إذ وصل عدد الكيانات السياسية إلى 550 كيانا وحزبا ووجود 11400 منظمة مجتمع مدني، و126 شركة أمنية بجانب 43 جهاز ميليشيا مسلحة تابعا للأحزاب السياسية والدينية، و220 صحيفة وجريدة ممولة من قبل جهات خارجية، ووجود 45 قناة تلفزيونية تابعة لجهات حكومية وشخصيات سياسية ودينية ورجال أعمال وإعلاميين، و67 محطة إذاعية، والقسم الأكبر منها يتم الصرف عليها من قبل أجهزة مخابرات ودول أجنبية [45].
________________________________________
المصادر:
[1] رصد الدكتور جديون بلويا معتمدا على رصد منظمة السياسة الخارجية المشتركة العادلة في إحصائية لها اعتمدت فيها على أرقام استقتها من المستشفيات وأقسام الشرطة والهيئات والمنظمات الإنسانية والصحية الدولية العاملة في العراق وعبر مسح شامل لجميع الأراضي العراقية، إضافة إلى معهد UK ORB و مجلة لانست والقسم السكاني في الأمم المتحدة؛ صدرت في 5/3/2009.
[2] اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقرير لها بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للاحتلال صدر في 24/3/2008.
[3] التقرير الدولي لمعهد الاقتصاديات والسلام بعنوان (التصنيف العالمي للسلام) صدر في 4/6/2009.
[4] تصريح لممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري في حوار على هامش مؤتمر نظمته اللجنة العالمية لمناهضة العزل بالتعاون مع جامعة بروكسل الحرة بعنوان (إرهاب الحرب الأمريكية على الإرهاب) 2007.
[5] دوغلاس ستون قائد المعتقلات الأمريكية في العراق في لقاء مع قناة CNN الإخبارية في 5/5/2008.
[6] دراسة أكاديمية أنجزها فريق بحثي مختص من كلية الآداب بجامعة الموصل، نشرتها جريدة الصباح الحكومية في عددها (1943) في 22/4/2010.
[7] لجنة الأسرى والمعتقلين التابعة للمنظمة العراقية للمتابعة والرصد في إجابات حصلت عليها من عدد ممن كان معتقلا وأطلق سراحهم نشر على موقع المنظمة بتاريخ 9/5/2008.
[8] حنين القدو عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الحكومي في مؤتمر صحفي عقد في قصر المؤتمرات بتاريخ 25/1/2010.
[9] منظمة العفو الدولية في بيان لها عن حقوق الإنسان في العالم بتاريخ السبت 5/12/2009.
[10] محمد الدايني النائب في البرلمان الحكومي في شهادة أدلى بها في جنيف- سويسرا تؤكد بالإثباتات القطعية وجود سجون سرية في العراق بتاريخ 30/10/2008.
[11] عدد من التقارير الدولية الرصينة ومنها تقرير لـمنظمة (هيومن رايتس ووتش الأمريكية) الصادر في 2010.
[12] طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الحالي في تصريح رسمي له بتاريخ 11-1-2010.
[13] منظمة هيومن رايتس ووتش في مقابلة لها لـ 42 سجين بمركز احتجاز الرصافة في 26 أبريل/نيسان 2010. وكانوا من بين 300 محتجز نُقلوا من مركز احتجاز سري في مطار المثنى غربي بغداد.
[14] منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر بتاريخ 29/4/2008.
[15] منظمة الهجرة الدولية في تقرير لها صدر سنة 2008.
[16] السيدة مها صدقي الموظفة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومساعدة المتحدث الإعلامي باسمها؛ في تصريح للجزيرة نت نشر بتاريخ 1/4/2009.
[17] دانييل أندرسون ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق في تصريح لوكالة فرانس برس في 11/5/2010 ونشرته صحيفة القدس العربي في 12/5/2010.
[18] تقرير لـ(اللجنة الدولية للصليب الأحمر) لسنة 2008.
[19] إحصائيات صدرت عن وزارة التعليم الحكومية منتصف 2008.
[20] تصريح لمجموعة مكونة من رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان حارث العبيدي وعضوية النواب شذى العبوسي وعامر ثامر مدير وكيان كامل حسن، بعد زيارتها للسجن نشر بتاريخ 11/5/2009.
[21] الناشطة العراقية ملك حمدان في اجتماعات منظمة حقوق الإنسان لهيئة الأمم المتحدة في نيسان 2009.
[22] محمود الشيخ راضي وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الحالية في تصريح له في نيسان/أبريل 2008.
[23] إحصائيات مديرية الشرطة في مناطق كردستان العراق في كانون الثاني/يناير 2010.
[24] وكالة (ذي ميديا لاين نيوز) في تقرير نشرته صحيفة (هافغنتون ستريت) في 5/1/2010.
[25] منظمة (نساء بغداد) في تقرير إحصائي لها نشر في 16/12/2009.
[26] تصريح لعدد من منظمات الدفاع عن المرأة العراقية ومراقبة حقوق الإنسان نهاية 2009.
[27] الدكتورة نوال السامرائي وزيرة المرأة في الحكومة الحالية التي استقالت إثر تصريحاتها في شهر كانون الثاني 2009.
[28] في إحصائية لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي الحكومية صدرت في سنة 2008.
[29] منظمة أطباء العالم في بيان لها بمناسبة الذكرى الخامسة لبدء الحرب على العراق في 21/3/2008.
[30] تقرير لشبكة (سكاى نيوز) التلفزيونية البريطانية نشر في يوم الجمعة 4/9/2009.
[31] تحقيقًا صحافيًا أجرته شبكة (سكاي نيوز) التلفزيونية البريطانية في 1/9/2009.
[32] منظمة اليونيسيف في تقرير لها صدر في نيسان/مارس 2007.
[33] تقرير طبي صادر عن وزارة الصحة الحكومية أعد من قبل ستة من المتخصصين بأمراض السرطان نشر بتاريخ 7/6/2009.
[34] وفقاً للإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة في الحكومة الحالية في العراق في شهر كانون الأول/ديسمبر 2008.
[35] إحصائية رسمية لوزارة التعليم الحالية كشف عنها في 1/12/2009.
[36] نهاد الجبوري وكيل وزارة التربية الحكومية في تصريح له نشر نهاية 2009.
[37] منظمة اليونيسيف في تقرير لها صدر في 14 نيسان/أبريل 2007.
[38] منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تقرير صادر عن جهات رسمية تم الكشف عنه مؤخرا، نشرته صحيفة النهار اللبنانية في 7/10/2009.
[39] وفق الإحصاءات التي أجرتها منظمة الشفافية الدولية المعنية بمراقبة الفساد في العالم/برلين 2008.
[40] منظمة أوكسفام الدولية في تقرير لها صدر في تموز/يوليو 2007.
[41] الدكتور عصام الجلبي وزير نفط عراقي سابق في لقاء صحفي نشر على موقع الجزيرة نت/الاقتصاد والأعمال في 1/4/2008.
[42] وفقا لتقارير صادرة عن وزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية الحكوميتين لسنة 2008.
[43] منظمة اوكسفام الدولية في تقرير لها صدر في تموز 2007.
[44] وفقا لتقارير صادرة عن وزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية الحكوميتين لسنة 2008.
[45] إحصائيات رسمية موثقة من قبل أجهزة حكومية مختصة صدرت نهاية 2009.
--------------------------------------------------------------------------------
وللوقوف على مزيد من هذه الوقائع وتفاصيلها ينظر: التقارير السنوية التي تصدرها وكالة حق الإخبارية لانتهاكات حقوق الإنسان في العراق للأعوام 2006 و2007 و2008 و2009، www.haqnews.net.
جمال القيسي
- التصنيف: