خنساء سورية

منذ 2013-01-20

إنها بحق خنساء سورية، بل لقد فاقتها في صبرها ورباطة جأشها، هناك في مدينة في جسر الشغور التابعة لإدلب الخضراء ولدت أمينة، و بها ترعرعت، ومن أحد رجالاتها المؤمنين المخلصين تزوجت.


إنها بحق خنساء سورية، بل لقد فاقتها في صبرها ورباطة جأشها، هناك في مدينة في جسر الشغور التابعة لإدلب الخضراء ولدت أمينة، و بها ترعرعت، ومن أحد رجالاتها المؤمنين المخلصين تزوجت.

لم تكن تحلم أن تقطن قصوراً ولا أن تملك أموالاً طائلة، لقد كان هدفها في هذه الحياة أن تنجب أولاداً تربيهم في طاعة الله ليكونوا جسراً لها ولأبيهم إلى جنات عدن، فقد كانت تقنع باليسير من الطعام، وتوصي زوجها أن يبتغي الرزق الحلال ولو كان قليلاً، وكثيراً ما كانت تقول له: نصبر على جوع الدنيا ولا نصبر على نار الآخرة، وكان زوجها يثمن لها هذا التعامل وهاتيك الأخلاق، فيتعامل معها بكل ود واحترام.

لقد أمضى معها ما يقارب من خمس عشرة سنة لم تسمع منه خلالها كلمة تؤذيها، وها هي تنجب له أربعة أولاد كأنهم أقمار مضيئة، وهذا ما جعل المحبة بينهما تزداد وتكبر، لكن دوام الحال من المحال؛ ففي عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف اشتعلت الثورة على الطاغية حافظ الأسد، فما كان منها إلا دفعت به إلى أتونها، ويقتل زوجها في إحدى المواجهات مع جيش النظام.

ويبدأ عهد جديد لهذه المرأة بعد فقدان زوجها، لقد أصبحت هي الأم والأب، فكانت تقوم على تربيتهم التربية الإسلامية القويمة، وفي كل يوم كانت تذكرهم بقتل أبيهم والكثير من أمثاله على أيدي زبانية هذا النظام الجائر، ويشب الأولاد وتفرح بزواجهم الواحد تلو الآخر، وتُمْضي معهم ومع صغارهم أجمل الأوقات، وهي لا تدري ماذا يخبَّأ لهم.

وفي عام ألفين وأحد عشر للميلاد قامت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، ثم انتقل ربيع هذه الثورات إلى سورية سريعاً، وفي ظل هذه الثورة تذكر الأولاد أباهم وكيف قتله هذا النظام الجائر ظلماً وعدواناً مع الكثيرين، فاجتمعوا ومضوا إلى أمهم يستأذنونها بالخروج في المظاهرات والوقوف في وجه نظام الطاغية الابن، فما كان منها إلا أن قالت لهم: "امضوا ولا أحد يتأخر منكم وإن شاء الله سننتصر عليهم"..

ويصل إلى مسامع النظام قيادتهم للمظاهرات ضده، فيستدعي الأم المجاهدة ويطلب منها عودة أبنائها عن الاشتراك في المظاهرات، ويهددها بقتلهم جميعاً، فترد عليهم: اقتلوهم، فأمرهم بيد الله، فنحن لانخاف، وأنتم بظلمكم هذا أشعلتم فتيل هذه الثورة.

عندها علم النظام أنه لن يفتَّ من عضدها إلا بقتلهم، فبدأ بقنصهم الواحد تلو الآخر، وفي كل مرة تخر أمينة ساجدة شكراً لله، وتراها واقفة كالطود الشامخ صابرة محتسبة مشجعة من بقي من أولادها على المضي في هذا الطريق قائلة "النصر أو الشهادة".

نعم لقد ماثلت هذه المرأة خنساء العرب "تُماضر بنت عمرو"، بل كثيراً من الرجال، وليس غريباً أن يُطلِق عليها الناس اليوم بحق: خنساء سورية.
 

  • 2
  • 0
  • 1,326

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً