الأيدي المرتعشة وأمن الأوطان
لقد أخطأ التيار الإسلامي كثيرًا عندما تخيل أنه يمكن أن يعتمد على المعارضة العلمانية للمشاركة في تحقيق النهضة، وأخطأ أكثر عندما تبَنّى سياسة (الخطوة خطوة) في تنفيذ مشروعاته، في الوقت الذي فاض كيل الشعوب من طول الانتظار! إن الأيادي المترددة والخائفة من كل خطوة للأمام تمنح الفرصة للمتصيدين باقتناص مصالحهم؛ خصوصًا إذا اختلط الحابل بالنابل.
لا يمكن أن تبني أيدٍ مرتعشة أوطانًا قوية تستطيع أن تخوض غمار تحديات العصر التي تحيط بالدول العربية والإسلامية...
وما يجري الآن في بعض بلدان الربيع العربي من انفلات أمني، واستغلال المعارضة لخوف رجال الشرطة من التعامل بحزم بعد التاريخ الطويل من القمع, والقيام بإشعال الحرائق في المنشآت العامة والخاصة في محاولة لتحقيق أهدافها السياسية؛ سيؤدي حتما إلى انهيار هذه الأوطان تمامًا.
ليست ثورةً هذه التي يخرج فيها شباب له مطالب سياسية مشروعة تحتاج إلى تريث وحكمة واستقرار؛ وبين مصالح بعض الفئات صاحبة المصالح، والتي تسعى لاسترجاعها عن طريق الفوضى أو عودة نظام بائد، ووسط هؤلاء من يريد السلطة ولكن عن طربق الاغتصاب والعنف والوفوضى متذرعًا بحرية التظاهر للتعبير عن الرأي رغم المآسي التي تقع دومًا جراء هذه المظاهرات غير المنضبطة، والتي لا تضمن تصرفات المشاركين فيها، ولا تردع المخطئين والمتجاوزين.
لو نظرنا إلى الدول التي تكفل حرية التظاهر والاعتصام لوجدنا حدودًا واضحة وقوانين صارمة، وإذا حدث خروج عن السلمية يتم التعامل بحزم واعتقال المتورطين فورًا، ولا نسمع إلى صريخ وعويل بحجة مصادرة الحريات! رأينا ذلك مؤخرًا في أمريكا وبريطانيا وهي بلاد مستقرة، ولن يضيرها كثيرًا مثل هذه الاحتجاجات حتى لو استمرت أيامًا واسابيع.
أما في الدول التي ابتُليَت بالمراهقين الثوريين وأصحاب المنافع، والتي تعاني من مشاكل اقتصادية حادة فكل شيء مباح، والنتيجة أن البسطاء وعموم الشعب يدفع الثمن عدة مرات؛ مرة عندما يحاولون الاعتداء على إرادته، ومرة عندما يتكلمون بالباطل باسمه، ومرة عندما يخربون الأماكن التي يعمل فيها، ومرة عندما لا يجد قوت يومه...
هذا العبث بأمن الأوطان يحتاج إلى أيدٍ قويةٍ مدربةٍ لا تخشى لومة لائم، تقف لحماية الشعب من تغول فئة قليلة تريد توجيه دِفَّته إلى وجهتها، مستغلة سيطرتها على أبواق إعلامية مشبوهة تدور علامات استفهام كثيرة حول تمويلها وإنفاقها الضخم.
الحفاظ على أمن الأوطان ليس رفاهية، والتنازل عنه ليس نوعًا من التنازل عن الحقوق الشخصية، بل هو خيانة للأمانة التي حملها الشعب لقادته، والحفاظ على أمن الأوطان من العابثين لا يقتصر على المواجهة الأمنية فقط؛ بل يشمل المواجهة الاقتصادية والسياسية بوضع الحلول السريعة لمشاكل الناس، والضرب بيد من حديد على اللصوص والمرتشين والمعطلين لمشاريع النهضة والتطوير، الذين يعملون لصالح الطابور الخامس، والمنتشرين في أجهزة الدولة، وحتى الآن لم يتمَّ تنظيف البلاد من شرهم...
البطء في اتخاذ الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي تكفل تحقيق أهداف الثورات سيصب في النهاية في مصلحة أعدائها والمتسلقين على نجاحها.
لقد أخطأ التيار الإسلامي كثيرًا عندما تخيل أنه يمكن أن يعتمد على المعارضة العلمانية للمشاركة في تحقيق النهضة، وأخطأ أكثر عندما تبَنّى سياسة (الخطوة خطوة) في تنفيذ مشروعاته، في الوقت الذي فاض كيل الشعوب من طول الانتظار!
الأمور تحتاج إلى مشرط جراح لبتر الأورام السرطانية التي تفشت في أجهزة الدولة، ومواجهة الشعوب بالحقائق كاملة، وسرعة علاج البؤَر الصديدية، وعندما يحدث التحسن الفعلي، وتشعر به الشعوب، ستفشل تلقائيًّا مخططات المرجفين والعابثين.
إن الأيادي المترددة والخائفة من كل خطوة للأمام تمنح الفرصة للمتصيدين باقتناص مصالحهم؛ خصوصًا إذا اختلط الحابل بالنابل.
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: