أنين الذكريات

منذ 2006-03-15

يااااه.. ثمان وعشرون عاماً مضت من عمري دون أن أحس بها، مضت بسرعة البرق..

ما زلت أذكر حين كنت طفلاً أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة ذهبت إليها لأول مرة في حياتي..
أمسكَ والدي بيدي ودخل بي إلى تلك الغرفة المليئة بالأطفال وقال لي: هذا هو صفك يا خالد وهؤلاء زملاؤك العب معهم حتى أعود بعد ساعة. رفضت أن أبقى.. تعلّقت بوالدي، بكيت.. ولكن تقدّم لي أحد الأشخاص وأعطاني قطعة شوكولاته ووعدني بأن يعطيني المزيد إن جلست، وبإغراء الشوكولاتة وافقت.
جلست معهم ولعبت حتى عاد والدي وصحبني معه إلى المنزل وأنا بغاية الشوق لأخبر أمي بما رأيت.

أصبحت أذهب مع أبي يومياً إلى المدرسة، كان دائماً ما يحثني على المذاكرة؛ كان حلمه أن يراني طبيباً أعالج المرضى وأخفف آلام الجرحى.. كان يكرر على مسمعي: متى تصبح طبيباً لتعالج والدك من هذا المرض الذي أنهكه..

وفي ذلك اليوم تأخر والدي عليّ في المدرسة.. ذهبت مع والد أحد أصدقائي وصلت إلى المنزل.. الكثير من السيارات أمام المنزل لابد أن لدينا ضيوفاً على الغداء..

نزلت بسرعة لأبحث عن والدي، دخلت إلى غرفة الضيوف، كما توقعت مليئة بالضيوف، ولكن الكل ينظر إليّ نظرات غريبة وحزينة، سألتهم عن والدي لم يجيبوني.. من الممكن أن يكون بالداخل، اتجهت فوراً إلى المطبخ بحثت عنه لم أجده ذهبت إلى غرفته فتحت الباب شعرت بسرور بالغ حينما وجدته نائماً على سريره..

ذهبت لأوقظه فالضيوف ينتظرونه في المجلس، قبّلت جبينه وهززته بلطف ولكنه لم يستيقظ.. لا بأس سأدعه ينام فلقد كان البارحة متعباً ولم ينم جيداً وسأقدم أنا القهوة للضيوف..

خرجت من الغرفة وأغلقت الباب واتجهت إلى الضيوف قلت لهم: إن والدي يريد أن ينام قليلاً لذلك سأحضر لكم القهوة حتى ينهض بعد قليل، نظروا إليّ بصمت.. لحظات، وإذا برجال يلبسون ملابس بيضاء يدخلون فجأة، يصحبهم خالي إلى داخل المنزل..

صرخت بخالي: خالي غرفة الضيوف من هذا الاتجاه فلماذا تدخل بهم إلى داخل المنزل.. لم يردّ علي..
وبعد دقائق خرجوا وهم يحملون والدي.. أمسكت بخالي وأنا أصرخ به: ماذا تفعل إن والدي لا يحب أن يزعجه أحد إذا نام فأين يذهبون به؟

أمسكني خالي بقوة وقال: خالد أنت رجل وتفهم جيداً.. صمت طويلاً.. نظرت إليه وسألته: ما بك يا خالي هل نسيت ما كنت ستقوله؟ قاطعني قائلاً: خالد والدك قد توفي..
وماذا يعني ذلك؟؟ وكيف توفي؟؟ هل تقصد بأنه سيسافر؟

خالي: نعم يا خالد والدك سيسافر بعيداً..
كان دائماً يخبرني بأنه سيسافر في يوم ما دون أن يأخذني معه.. ولكنني سأنتظر عودته.
خالي: ولكنه لن يعود.. لن يعود يا خالد.
لا يا خالي، إن والدي سيعود أنا متأكد من ذلك سيعود عندما أصبح طبيباً لأعالجه.


دكتور خالد.. هنالك استدعاء لك في الغرفة 125..
أفقت من ذكرياتي الأليمة على صوت الاستدعاء.. لملمت ذكرياتي واتجهت إلى الغرفة المقصودة..
وفي الممر المظلم وجدت طفلاً صغيراً نظرت إليه وسألته: ماذا تفعل يا صغيري هنا؟
فأجابني بكسل: أنتظر أبي.
وأين والدك؟
أجاب: تقول أمي إنه سافر بعيداً وما زلت أنتظر عودته.

سقطت دمعة من عيني فأنا أيضاً كنت أنتظر عودة والدي الذي لن يعود.

المصدر: مجلة شباب العدد 46/ رمضان 1423هـ
  • 3
  • 0
  • 10,239
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] هذا المقال هز مشاعرى و ابكانى لانة يحمل معانى جميلة عن علاقة وثيقة بين الاب والابناء ومدى دورة الجاد وانا ايضا انتظر ابى الذى سيعود من سفرة البعيد [[لم يعجبني:]] انها مقالة متكررة فى حياتنا اليومية
  • قلب

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد أبكتنى هذه القصه
  • الهاشمي نت

      منذ
    [[أعجبني:]] تتفاوت الأيام وتنجلي الذكريات التي رسمت عليك أنت الكاتب .. فلقد أعجبني بداية المقالة التي شدددني وبما أن معلماللصف الأول تذكرت تلك المعاملةالتي استخدمها تجاه طلابب الأعزاء وبما أنك كاتب يا أخي أرجو منك التواصل والتعارف معك .......
  • islamic_girl

      منذ
    [[أعجبني:]] المقال جيد جدا واجمل ما فيه انه بسيط غير معقد ايضا وصفه لمشاعر الطفوله شئ جميل جدا ومعبر لاقصى حد جزاك الله خيرا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً