عاجل إلى كل التيارات الإسلامية: احذروا السقوط الثاني للخلافة

منذ 2013-02-09

قد يستغرب البعض من هذا العنوان.. هل توجد دولة خلافة أصلا حتى تسقط..؟! الإجابة نعم وبالطبع توجد ولا زالت وستظل، فالخلافة الإسلامية ليست نظام سياسي فقط، بل هي أشمل من ذلك بكثير..


قد يستغرب البعض من هذا العنوان.. هل توجد دولة خلافة أصلا حتى تسقط..؟!
الإجابة نعم وبالطبع توجد ولا زالت وستظل، فالخلافة الإسلامية ليست نظام سياسي فقط، بل هي أشمل من ذلك بكثير، هي عقيدة، هي هوية، هي حضارة، هي إيدولوجية، هي انتماء، هي نظام اجتماعي اقتصادي، هي قيم ومثل إنسانية عليا، هي نظام عسكري، هي نظام أمني شامل، هي رؤية حاضرة ومستقبلة، هي معرفة، هي ثقافة، هي تكوين نفسي كامل، هي علاقات، هي تدافع، هي فن، هي إبداع مستمر، هي حياة وموت، هي فلسفة، هي معرفة، هي ثقافة، هي علم، هي الماديات، هي الغيبيات، هي النظام بمفهومه الشامل الكوني...


فإذا كانت تلك هي مقومات الخلافة الإسلامية.. فما الذي سقط منها السقوط الأول؟
الإجابة يبدو أنها ليست بالسهولة المتوقعة، فمن الممكن أن نجيب على الفور أن الذي سقط هو النظام السياسي فقط من كل تلك المقومات السابقة، ولكن للحصول على إجابة دقيقة لا بد أولا من تقييم كل تلك الأسس السابقة لمفهوم الخلافة، وقياس كل أساس على حدة من حيث نسبة وجوده الفعلي...

وبتحليل مكونات المجتمعات الإسلامية، سنجد أن الكلام النظري عن الهوية والثقافة والعقيدة شيء، أما الوجود الفعلي شيء أخر، وهذا هو التناقض الكبير الذي تمر به الأمة، وعلى الأخص فكرة المشروع الإسلامي، فإذا قام مركز بحوث متخصص في قياس نسبة المكونات السابقة وتغيرها منذ السقوط الأول للخلافة، سيجد النتيجة نسب متفاوتة جدا، منها الذي كاد أن يتلاشى، ومنها الموجود بنسب قليلة، ومنها الموجود ولكن بصورة مشوشة مهزوزة، والقليل منها موجود بشكل كامل وواضح وقوي..


وبنظرة أكثر شمولا، يمكننا القول أن الذين أسقطوا دولة الخلافة كانوا يعلمون يقينًا أن النظام السياسي ليس هو مربط الفرس، فموازين القوة المتحكمة في النظم السياسية متغيرة بشكل دائم وكثيرة المفاجئات، فكان المخطط هو وضع تصور كامل يمر عبر أجيال للقضاء وإسقاط أسس الخلافة الإسلامية، أساس تلو الأخر حتى نصل إلى السقوط الثاني، وهو السقوط الحقيقي والذي تصل فيه نسب المقومات السابقة إلى الصفر أو إلى العدم أو إلى التشويش الكامل.

وبالتأكيد مر هذا التصور الشيطاني بعدة معادلات شديدة التعقيد، فكان العمل على محاور كثيرة بطيئة ومركزة جدا، وكانت تسير في اتجاهات مختلفة تتميز بالخبث الشديد، قد تبدو أنها غير مرتبطة بعضها البعض، إنما هي مرتبطة ارتباطا عضويا.

والآن يظن الغرب أنه آن الأوان للسقوط الثاني للخلافة الإسلامية، وتفريغ المشروع الإسلامي من مضمونه، ولا سيما بعد ثورات الربيع العربي، وتحويل المعنى الحقيقي للمشروع إلى نموذج مشوه مسخ وضعت حدوده وتم رسمه بدقة، وهو عبارة عن جسد علماني ورأس إسلامي.


وكان ذلك عن طريق تحديد مكونات المشروع الإسلامي أولا ثم تجزئتها ثم تفتينها، وباستخدام ما يسمى بالهندسة العكسية، وتعني باختصار: (دراسة النهايات أو مآلات الأمور، والعودة عبر المراحل المختلفة إلى البدايات)، وهي طريقة يستخدمها رجال الهندسة لإصلاح الأعطال المختلفة، في حالة عدم وجود كتالوجات أو خرائط توضح النموذج الكامل الصحيح للآلة أو المعدة، ويمكن استخدامها هنا في دراسة التاريخ والسياسة المختلفة لتعيين الخلل أو العطل، ولا سيما عدم وجود نموذج كامل صحيح الآن يمكن الاسترشاد به، فباستخدام الهندسة العكسية (التاريخية)، سنجد أن من يحمل فكرة المشروع الإسلامي الآن عدة تيارات إسلامية، تحمل كل منها منهج ينبثق منه برنامج للوصول إلى قيام المشروع، وأبرزها: (جماعة الإخوان المسلمين، التيار السلفي، الجماعات الدعوية، مثل التبليغ والدعوة وجماعة أنصار السنة وخلافه).

بل انقسمت واختلفت المناهج نفسها إلى رؤى مختلفة للإشتباك مع الواقع، فمثلا انقسم المنهج السلفي إلى:
السلفية العلمية، السلفية الحركية، السلفية الجهادية، الجماعة الإسلامية، وأخيرا السلفية السياسية (بعد ثورات الربيع).


الغريب في الأمر والمفارقة العجيبة، أن أصل رؤى وبرامج تلك التيارات مجتمعة، هي في الأساس مكونات وأركان المشروع الإسلامي (بدون الانحرافات والتشويش الطارئ على أصل كل منهج من تلك التيارات إن وجد) فكما ذكرنا وفقا لنظرية الهندسة العكسية يمكن تتبع نهايات المشروع الإسلامي المقسم الآن إلى عدة مناهج ورؤى إلى أصله عندما كان قائما موحدا، سنجد أن كل تلك المناهج والرؤى كانت مجتمعة بتنوعها وتباينها داخل إطار واحد جامع، وهي بالفعل أركان المشروع.

فبطبيعة الحال يحتاج المشروع الإسلامي إلى سياسيين محترفين وخبراء، كما يحتاج إلى منظريين في العلوم الشرعية، ويحتاج إلى تسويق أيدولوجي والتحام مباشر مع الجماهير، وبلا شك يحتاج إلى عسكريين أصحاب إرادة وبذل وقوة وشدة وتضحية بالنفس، ولكن الأمر الآن اختلف كثيرا، وبعد تفتيت مكونات المشروع، تحوصل كل مكون حول نفسه، مكون رؤية شاملة للمشروع في معزل عن باقي المكونات، ولكن للأسف محدودة داخل التركيبة النفسية لأصحاب هذا المكون، والذي هو مؤهل لما خلق له.


ومفهوم الوحدة الآن أصبح مختزل في محاولة فرض فصيل من تلك التيارات، رؤيته الشاملة على باقي الفصائل الإسلامية، وهذا لن يكون فهو تفريغ مضمون مصطلح الوحدة، فالوحدة الإسلامية المطلوبة هي جمع كل تلك الرؤى والمناهج بتنوعاتها داخل إطار واحد، وسقف يعبر عن النظرية الغير مختلف عليها بين تلك التيارات، وهى وجوب تحكيم الشريعة، -بالتأكيد بعد تنقية كل منهج مما لحق به عبر التاريخ- فهل يا ترى ستدرك التيارات الإسلامية خطورة المرحلة، ويتم ترشيد المسار السياسي للتيارات الإسلامية، وتحقيق الوحدة بمفهومها الحقيقي وليس المفهوم المغلوط، وكسر الحوصلات المحيطة بالمناهج وجمعها في حوصلة واحدة.

ولا زلت أبشر الجميع أننا في مرحلة ما بعد الحكم الجبري، وهي مرحلة فاصلة بين الحكم الجبري ومرحلة الخلافة على منهاج النبوة، كما ورد في حديث وصف النظم السياسية منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الساعة، «ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ...» إلى أخر الحديث (المحدث الألباني في مشكاة المصابيح: 5306 إسناده حسن)، وهي بلا شك مرحلة من المؤكد أنها لن تكون سهلة، وستكون مرحلة التدافع والدخن والسنن الكونية بل والفتن، فالآن على المخلصين أبناء المشروع الإسلامي، إيجاد معادلة حقيقية لجمع تلك المناهج المتشرذمة، لإيجاد وزرع البذرة التي من الممكن أن تكون بداية الخلافة على منهاج النبوة، تفاديا لسنة الاستبدال، يقول تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَ‌كُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38].


م/ خالد غريب
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 13
  • 0
  • 3,703

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً