علمتني الأيام (2)
الحياة كنز العظة ومخزن العبر، سواء في الماضي حيث أعماق التاريخ السحيق، أو في الحاضر حيث التجارب أكثر واقعية وألصق معايشة، وحظ كافة البشر من دروس الحياة يكاد يكون متساويًا، إلا أن الاختلاف بينهم بحسب إعمال الفكر في استخلاص الفوائد لصقل مواهبنا الذاتية وتدعيم خبراتنا الشخصية، فحظ الناس من الاستفادة من وقائع الأيام بقدر حظهم من تدبرها وتحليلها واستخراج عصارة تجاربها؛ لتكون وقودا للأحداث والمواقف المستقبلة.
الحياة كنز العظة ومخزن العبر، سواء في الماضي حيث أعماق التاريخ السحيق، أو في الحاضر حيث التجارب أكثر واقعية وألصق معايشة، وحظ كافة البشر من دروس الحياة يكاد يكون متساويًا، إلا أن الاختلاف بينهم بحسب إعمال الفكر في استخلاص الفوائد لصقل مواهبنا الذاتية وتدعيم خبراتنا الشخصية، فحظ الناس من الاستفادة من وقائع الأيام بقدر حظهم من تدبرها وتحليلها واستخراج عصارة تجاربها؛ لتكون وقودا للأحداث والمواقف المستقبلة، أما من تمر عليه صروف الأيام وهو غافلان، فهذا من أهل الهوان والخذلان، بل هو من العميان، وقد قال الرحمن: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2].
- علمتني الأيام: أن أهم أسرار السعادة الزوجية قضية (الإعفاف) فهي المقصود الأعظم للزواج، وهذا سر الإشكالية والقضية الجوهرية التي لا تفهمها غالب النساء، حدثني واحد ممن تزوج بخادمة -وليست أنثى وسكن تتقن فنون التجمل- حدثني قائلا: "أنه ما إن تقع عينيه مصادفة على امرأة متبرجة في الشارع قد اهتمت بكل تفاصيل أنوثتها إلا وينزف قلبه حسرة وألمًا"، وآخر أسر لي أنه: "متزوج من سبع وعشرين سنة ولم يتذكر مرة أنه أراد زوجته بطريقة هادئة وسلسلة، بل لا بد من مناورات ومشاورات، وكر وفر، والغلبة لمن يتقن السيطرة على الموقف لصالحه، ويحول دون هروب الطرف الآخر من تحقيق مراده، فهذا طالب وهذه هاربة، والعبرة بفنون المكر والدهاء.."، بالله عليكم هل هذه حياة، فلا عجب بعد هذا أن تسمع حديثا نبويا في أنهن أكثر أهل النار.
- علمتني الأيام: أن من الناس من كثر علمه وقل عقله، ومنهم من قل علمه وكبر عقله، والسعيد من كثر علمه وكبر عقله، فهو يتعامل مع المواقف بحكمة وعقلانية وحصافة، يقود دفتها نور المعرفة، وما أرجحها من قيادة وأسعده من زمام.
- علمتني الأيام: أن العمل المميز أعداؤه كثر ومنتقدوه أكثر وأكثر، ذلك لأن قيمته فريدة، وقدرته المبتكرة على إثبات نفسه وكسر المألوف وبراعته في التجديد منقطعة النظير، فمن الطبيعي أن يلفت انتباه الناقدين ويثير حفيظة المحللين، ويكشف حقد الحاقدين والغيورين، لكن بعد كل هذا التمحيص يبقى بريقه أبد الآبدين..
لما ظهرت (قناة الجزيرة) في سماء الإعلام العربي حركت الكثير من المياه الراكدة في مجتمعاتنا العربية الآسنة، وتطرقت للكثير من الملفات الشائكة بحرفية ومهنية متميزة، مما أثار العداوات بين الرؤساء العرب وحاكم قطر، وقال المأجورين فيها الكثير على شاشات القنوات الحكومية الرسمية في مختلف البلدان العربية..
بعد كل هذا تلاشت كل هذه السحب السوداء، وبقيت الجزيرة في صورة قشيبة رائدة، لأنها مست قضايا الشعوب في الصميم، دون الالتفات للمجاملات والشعارات، حتى أنها تعد مرحلة فارقة في حياة الإعلام العربي، وصرنا نصنف حياة الإعلام بفترة ما قبل الجزيرة وما فترة بعد الجزيرة، وما لبثت الكثير من القنوات الفضائية تقلدها ولكن هيهات.. وهكذا صارت الجزيرة القناة الإخبارية الأولى بامتياز، يشاهد حصادها الإخباري اليومي أكثر من 60 مليون نسمة، ويدخل على موقعها على النت ملايين وملايين من مختلف أرجاء المعمورة.
- علمتني الأيام: أن الطرق التقليدية رغم أنها بطيئة وتستنزف الوقت والجهد إلا أنها لا تخلو من بعض الفوائد في كثير من الأحيان، وأن أطالع الكتب في مختلف نواحي المعرفة أجد درر من الأقوال وروائع من الأحداث الجديرة بالتدوين، فعزمت على أن أرصدها وأعيد نقلها على حاسوبي الشخصي بصف حروفها حرفا حرفا، بصرف النظر عن قصرها أو طولها في بعض الأحيان الذي قد يصل لصفحات..
كان العمل مضنيا، وصفُّ الحروف مملا لأبعد غاية، إلا أنني بعد فترة حصلت فوائد أكثر من رائعة، فلقد تسارعت أناملي على لوحة مفاتيح الحاسوب بشكل غير عادي، وصرت أضرب عليها بتلقائية وسلاسة بعدما كنت في السابق أتعب في البحث عن كل حرف، كما أنني صرت لا أعبأ بطول الفقرات فالتدوين صار عندي ملكة راقية لا تلتفت لطول الكلمات بل التفاتها لروعة المعنى، هذا فضلا عن أن العيش مع الروائع الفكرية بتمهل حرفا حرفا وكلمة كلمة يجعلك تستمتع بها أكثر وتستفيد منها أكبر، ولا ننسى بركة نشرها على النت واستفادة الناس منها.
-علمتني الأيام: أن لا أعطي قبل أن أملك القدرة على العطاء، في بواكير الصبا فكرت أن أكتب مذكراتي، وأرصد يوميا الأحداث التي تمر بي في أجندة خاصة، لكن لما عزمت على الأمر، وبدأت بالفعل، وجدت أن أحداثي اليومية وقتها باهتة وشبه عادية، تخلو من عبرة تذكر أو فكرة تسرد، لكن لما تقدم بي السن وجاوزت الأربعين، وجدت من رصيد الذكريات وحصيلة التجارب ما هو جدير بالتدوين، وأن العطاء المعرفي أو المادي لا بد له من رصيد ثمين كي يليق في قيمته بالعطاء كقيمة سامية.
- علمتني الأيام: أن المرض إذا تجاهلته فلن يتجاهلك، وأن المشكلة إذا أهملتها كبرت أكثر مما تتوقع، فاحزم أمرك، وتفقد أحوالك، وفتش عن مكامن الخلل تُوهب لك آفاق النجاح.
- التصنيف: