هل الإخوان شركاء في إفشال مرسي؟!
لأن صديقك مَنْ صَدَقَكَ وليس من صَدَّقَك، فإننا نرى أن جماعة الإخوان في مصر خسرت كثيراً من القوى المعتدلة من خارج التيارات الإسلامية، ثم خسروا حزب الوسط الذي وقف معهم بقوة في مواجهة الفلول وتجار الشعارات، ثم ها هم يخسرون حزب النور السلفي الذي ناضل إلى جانبهم ودافع عن الرئاسة وشرعيتها بصلابة.
لا يجحد وجود ثورة مضادة في مصر سوى صنفين من الناس، أحدهما: شخص في قلبه مرض وله من إنكاره غرض رديء بالطبع، والآخر: ساذج لا يتابع مجريات الأحداث ولا يقرأ العناوين المعلنة منها في الأقل، وهي مؤامرة خارجية لا تخطئ العين ملامحها الواضحة وإن كانت أدواتها الرئيسية من النخبة المتغربة التي ينخرها الفساد بمختلف أصنافه فضلاً عن كونها تحمل برامج معادية أو مشبعة بموروث الحنين إلى الاستبداد الناصري ومخلفاته البائسة المدمرة، ولا يختلف عاقلان في حجم التركة الثقيلة التي ورثها الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في مجالات السياسة والاقتصاد بالإضافة إلى المؤسسات المنخورة وبخاصة في سلك القضاء، ناهيكم عن تلاعب المجلس العسكري بمقدرات مصر وسعيه إلى زرع العراقيل في وجه الثورة وتحولاتها المؤسسية الجديدة.
كل ذلك نعرفه ويعرفه كل مصري شريف وواعٍ، كما يدركه محبو مصر العزيزة من العرب والمسلمين، الذين يعون تأثير مصر الاستراتيجي والحاسم في محيطها كله. لكن الإقرار بتلك الحقائق الناصعة لا يعني اتخاذها جسراً لتبرير الأخطاء المؤسفة التي يقع بها الحكم الجديد، ممثلاً في شخص رئيس الجمهورية، وإن كان كثير من تلك المطبات ليست من صنع يديه، بحسب ما يؤكد مصريون خبراء لا يستطيع منصف اتهامهم؛ فهُم من أبناء المشروع الإسلامي بالجملة، وكثير منهم وقفوا بصدق إلى جانب الرئيس في المحطات الصعبة التي مر بها خلال الشهور الثمانية التي مضت على انتخابه رئيساً للجمهورية، والقاعدة الذهبية شرعاً وعقلاً أن المؤمن لا يُعِين على نفسه، فهو يحاسب نفسه لكي يجتنب مَوَاطِن الزلل ومكامن الخلل، وإذا كان في مواجهة خصومه فإنه لا يهدي إليهم ثغرات ينفذون منها إلى حصونه فتصبح مُهَدَّدةً من داخلها وفقاً لتعبير المفكر الإسلامي الكبير محمد محمد حسين رحمه الله تعالى.
ونحن إذ نكاشف أحبتنا من القوى الإسلامية في أرض الكنانة، فإننا ننطلق من قناعتنا بأن المؤمن مرآة أخيه، ومن الدعاء المأثور: "رحم الله امرأً أهدي إليّ عيوبي"، فليس لنا مصلحة في انتكاس النظام الجديد في مصر الشقيقة، بل إننا -يعلم الله- حريصون على نجاحه كل الحرص، ومواقفنا من قبل ومن بعد تشهد بذلك، فليت إخوتنا يميزون النصيحة المخلصة من المحبين وبين الشتم المغرض الذي يوجهه الأعداء والمتربصون.
ولنبدأ المصارحة من أحدث المشكلات المتلاحقة في مصر، حيث أقيل مساعد للرئيس من الشخصيات المهمة في حزب النور السلفي، بطريقة غير لائقة بحزبين ينتمي كل منهما إلى المرجعية الإسلامية بكل أسف، وتبع ذلك تبادل غير معقول للاتهامات بين الجانبين، الأمر الذي يسدي خدمة مجانية لعدوهما المشترك في جبهة التخريب التي تضم زبانية الاستبداد وفلول مبارك وعملاء الغرب سياسياً وحضاريا.
لا نزعم هنا أننا قادرون على تحميل وزر ما جرى لأي من الجانبين ولو استطعنا لامتنعنا لأننا نرغب في الخير والإصلاح وليس في تأجيج المشكلة، لكننا نتحدث بصفة عامة في سياق ملاحظات كثيرة تراكمت لتشير بكل وضوح إلى ارتباك في القرارات، مثلما قالت الجماعة الإسلامية وهي ليست طرفاً في الخلاف بين السلفيين والإخوان! إن هنالك من أدخل رئاسة الجمهورية في مآزق متلاحقة بسبب قلة الخبرة أو نتيجة الأثرة الحزبية، من قرار إعادة مجلس الشعب المنحل ثم الرضوخ لقرار المحكمة الدستورية، وكذلك إصدار إعلان دستوري سيء بشهادة الجميع ثم اضطرار الرئيس إلى التراجع عنه، ومن إقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود وتعيينه سفيراً في الفاتيكان ثم التراجع الاضطراري.
ولأن صديقك مَنْ صَدَقَكَ وليس من صَدَّقَك، فإننا نرى أن جماعة الإخوان في مصر خسرت كثيراً من القوى المعتدلة من خارج التيارات الإسلامية، ثم خسروا حزب الوسط الذي وقف معهم بقوة في مواجهة الفلول وتجار الشعارات، ثم ها هم يخسرون حزب النور السلفي الذي ناضل إلى جانبهم ودافع عن الرئاسة وشرعيتها بصلابة.
وما من عاقل سوف يفتري على الإخوان أنهم يعملون لإفشال الرئيس مرسي، لكن الإصرار على المسلك الحالي يجعلهم شركاء في هذه الجريمة بالرغم من سعيهم الأكيد لإنجاحه! لكن حسن النية لا يكفي بل لا بد من تحري الصواب الذي لا يقول لبيب بأنه احتكار لشخص أو حزب أو جماعة!
- التصنيف:
- المصدر: