ابتسم !!

منذ 2006-03-24

3/11/1426 هـ -05/12/2005 م

تتأزم شتات من المواقف فتحصر نطاق التفكير في منظور ضيق، وتحصر سعة البال وتقلصه عن رحابة الصدر، ينعكس ذلك على المحيّا من علامات البؤس والضيق والغضب، ومعها يبدو الوجه مسوداً قاتماً وقد كظم ضيقه في صدره؛ فما عاد أحد يطيق النظر إلى وجهه، وقد تطاير الشرر من سآمته، ولا مناص من رحابة تطلّ عليه، وبشاشة تغمره إلا بابتسامة غرّاء، تبدّل الخطوط المتعرّجة على القسمات، وتظلها بِطلّة بيضاء، وقد تفتّقت الوجنتان بحمرة زاهرة، وكشفت عن ثغر افترّ عن ابتسامة رقراقة صافية.

ولكم هي المواقف التي تثير في نفوسنا الشجن والألم، إلا أنه بابتسامة صغيرة من ذلك الثغر ليكشف عن جمال دريّ بديع، يزرع الانشراح والسرور في قلب صاحبه وقلوب محبيه، ولا عجب من ذلك؛ فهي دوافع نفسية غريزية تسهم في بشاشة ورحابة تغرس في القلب، وتبث الهدوء والراحة في أغلب الأوقات، ولتعجب من أناس أثقلتهم الهموم عن رغد الحياة والأنس في ظلالها، ومع ذلك كله تجد عند أحدهم بسمة برّاقة تشفي السقيم، وتنعش الكسول، وتحيي الكئيب، لم تحُل الهموم بينهم وبين بث بسماتهم الجميلة لينيروا عتبات الحياة التي أظلمتها التعاسة واكفهرار الوجوه، وأكلتها بشقاء ما له نظير، وبأجواء كأنها جُرُفٌ هاوٍ.

كثير من المعضلات كانت أسمى حلولها ابتسامة مشرقة، فكانت كفيلة لوأد مشكلة وهي في مهدها، وما أشقى أناساً بخلوا بإشراق الابتسامة في وجوههم، ولو علموا ما لتلك الابتسامة من إيجابيات فوّارة لما توانوا للحظة أن يجودوا بها، فهي تفتّ فتيل الأعصاب، وتزرع البشاشة والسعادة، وتبث الراحة في الخاطر، وتفعّل من عضلات الوجه، وتزيد من قوتها، وتبعد الانكماش والعزلة عن المرء، وتزرع في نفسه الهدوء وحلاوة المطية، وترخي البدن، وتجد من الناس المحبة والترحاب، وغيرها من ثمار نقطفها من نتاج الابتسامة، ولو حُبّرت لها الصفحات تلو الصفحات لما كفتها ولا حتى حصرتها.

ولكم من صداقات رحبة كان أُسّها ابتسامة عابرة وضحكة صادقة، فهذان زميلان في العقد الثالث من صداقتهما، ولو سألتهما عن بداية هذا المشوار الزاخر بالإخلاص والتواصل لأخبراك أنها ابتسامات كانت ترتسم على محياهما في المرحلة الدراسية حتى تجاوزت مداها إلى صداقة خالصة، وللابتسامة سحر خلاّب يجذب الأنظار ويسلب القلوب ويملك العقول، فلا يكفي منك سوى ابتسامة بسيطة مهما تصاغرت فإن لها وقعاً عجيباً على النفس لا يكاد يوصف.

وحتى من الناحية الطبية نجد أن الأطباء في دراساتهم يؤكدون أن المبتسمين أطول الناس عمراً لسرورهم وبشاشتهم، فلا ضغينة يحملونها ولا أحقاد يبيتونها، بل ابتسامات ناصعة تزيد من سعادة الحياة ورغدها المحبوب، ونجد أن الأولين لم يغيبوا عن هذه الشجرة المحمّلة بكل البركات، فنسمع من أقوالهم ما يثير هذا المعنى، ويترك أثره في القلب، ونرى من مؤلفاتهم الناجعة في باب النكت والطرائف والنوادر من العجب العجاب من أقوال الشعر ودرر الحكماء وأخبار المجانين والجهلاء، وحتى إن أعلام الفكاهة البارزين لا تغيب عن الذاكرة، وما كان ذلك إلا لانشراح نفوسهم وسعة صدورهم، فتجدهم الأقرب حباً والأكثر سُؤلاً من قبل الآخرين، وما تعجب إلا من بعض أضره أن يقطع في خطوط وجهه حتى يشهر بشبح ابتسامة عابرة ما أسرع أن تموت في مهدها فلا تترك أثراً، وعجباً أن تجد من كانت سمته الابتسامة والضحك والبشاشة يملك وسامة بيضاء وإطلالة مشرقة، أنارت وجهه، وفتلت من قسماته.

وما نشير إلا إلى الابتسامة اللطيفة اليانعة، بعيداً كل البعد عن الضحكات الممجوجة بصرخات مزعجة ممقوتة، فهي لا تزرع الراحة وتخيم الضوضاء أرجاء المكان، (ابتسم تبتسم لك الدنيا) حكمة من زهاء الأولين، صدقوا فيها أبلغ صدق، فابتسامتك تسر خاطرك وتبشّ أوداجك، ويسعد الآخرين منك، وقد رسمت على محيّاهم السعادة و البشر، ولا تنسى أن الابتسامة حالة نفسية تتعمق في الوجدان، وتتأصّل في النفس فتبث فيها البشاشة والسعادة، وكل ذلك من انحناءة صغيرة في الوجه تتمدّد من خلالها الوجنتان.

ولذا نرى من شرعنا الحكيم ما يؤكّد هذا السلاح الفعّال والمؤثر والمساهم في زرع المحبة في القلوب، فهذا سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه يقول: « تبسمك في وجه أخيك صدقة »، فهي سعادة ورضا وطمأنينة وأجور عظيمة وحسنات جزيلة تصبّ في نصيبك، فتزيد من مودة الناس إليك، ومحبتهم في مجالستك والرغبة في الحديث معك، فابتسامتك قد أثّرت فيهم، ولنا في ذلك موقف عجيب في حادثة تصادم سيارتين نجم عن سرعة من الأول الذي نزل من مركبته، وقد علاه الخوف والفزع وخشي من غضب عارم سيُطلق من المصاب لكونه متضرّراً، وما أثار دهشته هي تلك الابتسامة الزاهية التي زُرعت على شفتي ذلك الرجل وقد دمي وجهه، فما كان من ذلك الرجل إلا أن هدأ روعه، وسكنت سريرته، وانتهت المشكلة بين الطرفين بصداقة محببة وقوية.

ثمار الابتسامة كثيرة، وما عليك سوى أن تقطفها، وهي متاحة لك ولا تكلفك شيئاً البتة. فابتسم وازرع البشاشة فيمن حولك.

أحمد بن حمد بن العبد القادر

دكتوراه في التفسير

  • 5
  • 1
  • 17,505
  • nada

      منذ
    اتمنى منكم ان تضيفو الى هذا الموقع بعض المقالات التي لا تقل عن 6 اسطر شاكرين لكم هذا المعرو وهذ1 لا يعني ان موقعكم ليس جيدا بل على العكس انه رائع وانا انصحكم كي يصبح افضل بغذن الله والسلام عليكم ورحمة اللله وبركاته
  • هنيدة

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبني جدا تكامل المقالة وتنوعها وتسسل أفكارها
  • بينات

      منذ
    [[أعجبني:]] لاشك الإنسان الذي يحمل رسالة يحمل هم تأديتها أيضا ..والكاتب ومقالته (ابتسم) تنوّه عن أهمية التبسم وضرورته في عصر صارت البسمة عزيزة ولكن.. على الكاتب أيضا أن يحمل هم وصول الرسالة للقارئ مثلا الطنطاوي رحمه الله على طول بعض مقالاته إلا أنها تجبر القارئ على القراءة فكان أسلوبه السهل الممتنع !! [[لم يعجبني:]] فما أنقده على المقاله طول مقاطعها مع أن الكاتب باستطاعته اختزال كثير من السطور بعبارات محكمة أكثر خاصة في المطلع (حيث يختطف به الكاتب قارئه ويجبره على الإستمرار) وكذلك في الخاتمة والتي تكون كمسك الختام وشكرا
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] التوضيح اريد ان اضيف ان يكفى قول رسول اللة تبسمك فى وجة اخيك صدقة فمن منا يترك صدقة يوميا بهذة السهولة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً